إلى الفاضلات أُمهات المؤمنين: بإعتباري من عداد إخوانكن وآباءكن، - عادة وتقاليداً وموروثاً وعقيدة وشهامة -، تقصر عندي العبارات وتختنق داخلي الجمل وأنا اُفتش عن مفردات أتوجه بها إليكن أيّتها المخلوقات الملائكية المصنوعة من الحب والعفة والصبر والشموخ ومآء الياسمين.
- إعلمن يانخيل اليمن الباسقات أن رسالة اليوم ليست ككل الرسائل، ومناسبتها ليست ككل المناسبات.
... اليوم أكتب إليكن ياصاحبات القدر والطهر والعفة كي تعدن صناعة التاريخ كما تصنعن الأجيال، وكما تصنع النسآء المربى وكعك العيد ومسبحة الألف حبة.
واعلمن يا إخوات الرجال وبنات الذوات أن الرجل من صنع إمرأتين، اُمه ثم زوجه... وانتن بدون شك تعاشرن رجلاً - وهذه شهادة بعيداً عن السياسة نعلقها على صدره - ممن إذا حاورته وجدته حكيماً... وإذا غضب كان حليماً... وإذا ظفر كان كريماً... وإذا اُستمنح مَنح جسيماً... وإذا شُكى إليه وُجد رحيما.
وبين الكيد والفراسة أيتها الفاضلات تجد المرأة دائماً عن طريق العقل متسع لتمرير جمل من سم إبرة، حيث لايجد الرجل عندها الى كلمة "لا" سبيلا... والرجل مهما كان موضعه - وإن كان رئيساً - هو تلك المادة الخام التي تضع فيها المرأة لمساتها الجميلة.
أُمهات المؤمنين، أيتها الفاضلات: - ليس من الخطيئة أبداً أن نبدأ في تلميع الماضي وننفض عنه غباره بعد أن نغربله من غثه وخرافاته وخزعبلاته.
فمسؤولية أم المؤمنين لاتنحصر في تربية أبنائها فحسب، بل أيضاً في الغيرة على رعيتها من بنات جنسها - كدافع غريزة الأمومة - حتى لا يُسفهن... ولا يطالهن أذى... ولا تمتهن كرامتهن... ولا يلجأن إلى أحد بعد الله إلاّ إليها... تسقيهن بالماء وآيات الذكر المباركة، فهناك ياسمينة وهناك فلة وهناك كاردينيا، ليصبح الوطن حديقة خضرآء يورق من بين يديها وينتشر عطرها المنثور في كل أرجاء المكان. ذهبت يا أُمهات المؤمنين أبحث في عبق حكم الخلفاء الراشدين عن إمرأة سجنت في عهودهم أو عن أثر لسجن للنساء ولم أصل لشيء... وبحثت قبل ذلك عن قول للرسول بإيداع إمرأة في سجن ما فلم أجد، - وحاشاكن - حتى تلك التي زنت واقيم عليها الحد... ونخلت شذى القرآن حرفاً حرفاً فلم أعثر، وبعثرت أريج صحاح الترمذي وابن خزيمة وابن حبان ومعجم الطبراني والبزار وابن أبي شيبة والألباني وسنن الترمذي وسلسلة صحيح الجامع فما من أثر... ولم أترك نسمة سِفرٍ من أسفار التوراة ولامزامير داوود أو مبحث للصابئة ولا إصحاحاً في الإنجيل دون تنقيبه، وعرجت على شذى فجر التاريخ للعرب وكذلك التيجان في ملوك حمير ومرءآة الزمان في تاريخ الأعيان، فلم أجد مايدل على سجن للنسآء.
- كلما وجدته يا أُمهات المؤمنين أن سجون النساء بدعة مستهجنة لانعلم من أين أصابتنا؟
... ووجدت أن سجن المرأة شرعاً وعرفاً وشرفاً هو عقر دارها وليس عند غرباء من عسس الليل! - والتي يخشى عليها، كتلك التي شجت رأس زوجها وحكمها الجروح قصاص "تستضاف حيثما" في دار تابع لدار خليفة المسلمين مكرمة تحت نظر أزواج الخليفة أو أزواج ولاته.
- هذا ليس دفاعاً عن المفسدين نساءاً كانوا أم رجالا، فالسارقة تقطع يدها ولو كانت ابنة محمد -، لكني وجدت أن شؤون الرعية من النساء على اعتبارهن أساس بناء المجتمع كان ولا يزال من أمر أمهات المؤمنين. وعلمت يا أُمهات المؤمنين أن اوداج الخليفة كانت تنتفخ غضباً عندما تَعرِضُ عليه أزواجُه مظالم النسآء قبل دخوله مجلسه عابساً حانقاً هائجاً من فداحة ظلم ولو صغير وقع على إمرأة، مستنكراً بصوت جهور "إنما النساء شقائق الرجال"، "ما أكرمهن إلاّ كريم وما أهانهن إلاّ لئيم"، "والحرة لا تترك رهينة بين مروءة الرجل ودناءته". - تلك هي نخوة الإنسان القويم، ودعوة صاحب الخلق العظيم. -- لدرجة أن صرخة "وا..." من حنجرة اُنثى عصفت بقلاع بيزنطة خرابا.
إن تعريف السجن كمكان للحجْر لمن يمثل خطراً على أمن وسكينة المجتمع لايستقر على المرأة... وإذا كان الأمر كذلك، فأين هو ذلك الخطر الذي يقض مضاجع ضباطنا الأشاوس ووكلآء نياباتنا وقضاة محاكمنا من نساء يزج بهن في بدعة السجون... نسآء لا حول لهن ولا قوّة؟ - ومن أين جاء مُشرِّعونا بمسألة سجون النساء؟
- وأي أمة وأي قانون وأي نظام وأي كرامة تلك التي تستسيغ سجن إمرأة؟
... اليوم أكتب إليكن ياصاحبات العفة أن تستعدن ذلك الدور العظيم حتى تكنّ قدوة لنساء العالمين ... ليس نشازاً أو خروجاً عن النص... بل تثبيتاً لقول الله تعالى بأننا خير أُمة اُخرجت للناس.
وما أراه بعقلي وليس بعاطفتي كتكفيراً عن ذنوبي - وأستغفر الله ربي - فلي في الظلم باع، - ألتمس ومعي قلوب الملايين التي تتقطع إرباً لمآسي نساء السجون في أن تتبنين أسمى وأرفع حقوق المرأة - "كرامتها" -، وذلك بالشروع في إقناع الأخ الرئيس التواق للخير لأن تكون اليمن هي "الدولة الأولى الخالية تماماً من سجون النساء". أمهاتنا، أُمهات المؤمنين... هل نستطيع أن نأمل بأن نصحوا فجراً على صوت هديل جرافة يقودها فخامة الرئيس وهي تدك اسوار سجون النسآء، نعم، تدك اسوار سجون النسآء وقت صدوح آيات الذكر والتسبيح؟
- عندها سوف تجدن ياصاحبات القدر والطهر والعفة على إمتداد الوطن، أكُفاً بسواعدها مصفوفات كسنابل قمح، مرفوعات في إبتهال إلى السماء، تسأل الله أن يحفظكن وفلذات أكبادكن جميعاً ويديمكن سالمات غانمات فوق رؤوسنا.
يمكن سماع الملف الصوتي لهذه الرسالة مباشرة أو تنزيلها من الرابط التالي http://www.ola.tm/ToTheMothersOfTheNation.mp3