يتوجب على الصحفيين اليمنيين أن يدفعوا من دمائهم وأمنهم ثمناً مباشراً للاضطرابات الأمنية والصراعات السياسية والعنيفة التي تفكر أطرافها أنه لكي يخلو لها مسرح المبارزات لا بد من إبعاد الصحفيين عنه وإن اقتضى الأمر قتلهم. وعلى الرغم من الآمال العريضة التي عقدها الصحفيون على العهد الذي تلا نظام علي عبدالله صالح الذي أجبر على التنحي عن الحكم نهاية 2011 إثر الانتفاضة الشعبية، إلا أن المرحلة المنتظرة أطاحت بتلك الآمال وبددتها.
فعلاوة على عشرات الانتهاكات الموزعة بين اعتداءات جسدية وحجز لدى مزاولة المهنة وتهديدات بالخطف والقتل، غير أن الشهر الماضية التي شهدت تلك الانتهاكات ستبدو في نظر الصحفيين فترة وادعة بالمقارنة مع تصعيد متأخر يجري فيه مباشرة القتل بالفعل.
الأربعاء الماضي، أصيب الناشط الإعلامي محمد علي العماد الذي يرأس تحرير صحيفة الهوية إصابات مختلفة حين انفجرت عبوة ناسفة زرعت في سيارته التي كانت مركونة أمام منزله في العاصمة صنعاء.
بدا العماد محظوظاً للغاية إذ نجا من موت محقق، حين فتح باب سيارته المخصص للراكب الأمامي فانفجرت العبوة المزروعة في الجهة الأخرى أسفل باب السائق ولو أنه همً بدخول السيارة من هذا الباب لسقط في قلب الانفجار والنيران المشتعلة.
وصحيفة الهوية التي تأسست عام 2011 موالية لجماعة الحوثيين وتدعم سياستهم وتروج لها. وجاء الحادث بعد ايام من إطلاق تنظيم القاعدة وعيداً بمعاقبة الحوثيين الذين يخوضون قتالاً مع تحالف من السلفيين ورجال القبائل في دماج وكتاف بمحافظة صعدة منذ قرابة شهر.
ويعطي هذا الربط مثالاً عن كيف أن الصحفيين يسقطون ضحايا لصراعات الأطراف المتصارعة، إذ أن الحديث لم يعد عن المخاطر المحدقة بالصحفيين خلال تغطيتهم الميدانية للنزاعات.
وتلقى مراسل وكالة رويترز في اليمن محمد الغباري تهديداً بالقتل بواسطة رسالة قصيرة (SMS) أرسلت من هاتف محمول بعد يوم من استهداف العماد.
وأدانت نقابة الصحفيين استهداف العماد وتهديد الغباري ورفعت بلاغاً بشأن تهديد الأخير إلى وزير الداخلية.
لكن الغباري قال إن وزارة الداخلية لا تكترث للتهديدات التي يبلغ عنها الصحفيون.
وكتب الغباري في حسابه على موقع فيسبوك «في حين لا تزال مذكرة نقابة الصحفيين في مكتب وزير الداخلية، كانت نيابة جنوب غرب الأمانة اكثر تفاعلاً في التعامل مع بلاغي بشان واقعة التهديد بالقتل التي وصلتني من رقم غير معروف».
وأضاف الغباري يوم الاثنين: «اليوم النيابة وبعد ان اخذت اقوالي وجهت خطاباً الى شركة سبأ فون تطلب منها تزويدها ببيانات صاحب الرقم الهاتفي الذي صدرته منه التهديدات، وسلمت الشركة المذكرة في انتظار ردها غدا حتى تتمكن النيابة من استدعاء الشخص المشكو به».
وتابع يعلق على الموقف الحكومي حيال ذلك «وزارة الداخلية والأجهزة الامنية غير معنية بالتهديدات وأقصى ما يمكن ان تحصل عليه من وزارة الداخلية هو تصريح لك بحمل سلاح شخصي وإحضار اثنين مسلحين يرافقونك».
وصار تهديد الصحفيين بواسطة رسائل ترسل إلى هواتفهم أو إيميلاتهم وحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي أمراً شائعاً وتمر حالات تهديد كثيرة دون أن يبلغ عنها الصحفيون الذين يتلقون التهديدات بسبب عدم التثبت من جديتها والتحايل الالكتروني على هويات أصحاب الهواتف والحسابات.
كانت منظمة هيومن رايتس ووتش ذكرت في منتصف سبتمبر الماضي أن الاعتداءات ضد الصحفيين تزايدت منذ صعود الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الحكم.
وقال تقرير للمنظمة «عدم الاستقرار هو التحدي الأبرز للسلطات الجديدة في اليمن وهذا ينعكس بالطبع على الصحفيين».
وكان وجدي الشعيبي وهو ناشط إعلامي غطى بعض الأحداث في مدينة عدن قد قتل برصاص قوى الأمن في فبراير الماضي، ونشر موقع وزارة الدفاع الخبر قائلاً إن الشعيبي كان ناشطاً في تنظيم القاعدة وهو زعم لم تستطع الجهات الأمنية إثباته.
لذلك رأت هيومن رايتس ووتش أنه عدا عن الحكومة فإن أطرافاً أخرى تمارس اعتداءات ضد الصحفيين، مشيرة إلى أنصار الحراك الجنوبي ومناصرين للنظام السابق.
وفي الوقت الراهن، تكون الجبهة المعادية للصحفيين قد توسعت لتضم أطرافاً جديدة وأكثر فتكا.