أحدثت وثيقة حل القضية الجنوبية حراكاً سياسياً كان بالإمكان اعتباره صحياً لولا الأجواء الملغومة التي تعيشها البلد، التي أفرزت حالة من التشكك العميق في نوايا كل الأطراف وتأويلاً فاسداً ومتطرفاً لدوافع أي موقف سياسي. الوثيقة يمكن اعتبارها كاشفة وفاضحة لكل تناقضاتنا السياسية التي ملأت أحداث العام 2013، وستكون أكثر وضوحاً ربما خلال العام 2014.
البداية كانت في وسم الوثيقة باعتبارها "وثيقة بن عمر" لحشد أكبر قدر من بقايا الوطنية والهوية اليمنية في وجه التدخل الخارجي الذي يهدف لتفكيك وتخريب اليمن!
هكذا ببساطة.. تم تصوير جمال بن عمر باعتباره موجهاً لكل العقول السياسية اليمنية بالريموت كنترول، ومنتجاً للحلول الناجعة للألغاز اليمنية المستعصية على الحل!
الجميع يعلم أن المبالغة في تصوير دور جمال بن عمر ليس بريئاً... لأن دوره مهم كضابط إيقاع وليس سوبرمان، ووثيقة حل القضية الجنوبية بسلبياتها وإيجابياتها هي إنجاز يمني مهم، صحيح أنها ليست نصاً مقدساً لكنها خطوة بل خطوات إلى الأمام، وهذا فيما يبدو هو سر انزعاج غلمان الزعيم، وبطبيعة الحال فليس كل من اعترض على الوثيقة محسوباً على "الزعيم".
تضمنت الوثيقة مطالبة للمجتمع الدولي بدعم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، فتحول ذلك بقدرة قادر إلى "وضع للبلاد تحت الوصاية الدولية" حسب بيان هيئة علماء اليمن، أو "وضع اليد على اليمن دون قيد ولا شرط ولمدة غير محددة" حسب تعبير السفير مصطفى أحمد النعمان في مقاله الأخير بصحيفة الشرق الأوسط!
تعددت مبررات التحفظ الجزئي أو الاعتراض على الوثيقة بشكل كبير، بين متحدث عن مخالفات إجرائية لائحية، وهي تحفظات مفهومة ووجيهة، مروراً بربطها بشكل غريب ببيع "حضرموت" لدول الجوار! وانتهاء بادعاء أنها تمس عقيدة الشعب اليمني وشريعته!
المفارقة أن بعض من أكدوا أن لا قيمة للوثيقة ما لم تخضع لآليات التصويت في مؤتمر الحوار الوطني، كانوا قبل أيام يعتبرون مؤتمر الحوار من أوله إلى آخرة مجرد "عبث"!
أما الأستاذ حسن زيد الرئيس الدوري للمجلس الأعلى للقاء المشترك فقد فاته أثناء ربطه بين الوثيقة وحكايات بيع "إقليم حضرموت" لدول الجوار، أن يسأل نفسه عن "إقليم صعدة والجوف" هل هو أيضاً مرشح للبيع والتبعية والاستلحاق الإقليمي أم أنه سيظل يمنياً خالصاً؟!
الإيجابية التي تتراءى في الأفق من كل هذا الجدل أنه تبين للجميع أن خيارات الفيدرالية بالفعل هي أقرب إلى "الحنبة" كما عبر ناصر يحيى، لذلك فإنه حتى لو تم إقرار الوثيقة من مؤتمر الحوار الوطني، فستظل "الحنبة" قائمة، إذ لا بد من العودة إلى الشعب عبر استفتاء شعبي يختار فيه اليمنيون إما الدولة الاتحادية بالأقاليم المتعددة، أو الدولة الاتحادية من إقليمين، أو خيار الحكم المحلي كامل الصلاحيات.
مشروع الإقليمين نهايته "فك ارتباط"، ومشروع استمرار الدولة المركزية بصيغتها الماضية "عبث"؛ لذا يريد اليمنيون مشروعاً يقدم تغييراً مفيداً بأقل درجة من احتمالات الخطر، وهو في تصوري خيار "الحكم المحلي كامل الصلاحيات" لكنه للأسف أصبح مشوهاً بدرجة مخيفة بفعل ممارسات النظام السابق، لذا كان الخيار التالي هو الصيغة الاتحادية ذات الأقاليم المتعددة.
إذا كان مشروع الدولة الاتحادية متعددة الأقاليم سيضمن لي كمواطن في الحديدة أن أقف نداً في وجه نافذٍ قدم من ذمار أو صنعاء لنهب أراضي تهامة، وسيضمن لي قراراً محلياً أشارك في صنعه بعيداً عن احتكار المركز، فأنا معه بدون تردد.