من طرائف الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، أحد وجهاء محافظة إب المعمرين، وهو رجل مواقف وصاحب فكاهة، أنهم اتفقوا ذات مرة على إقامة المولد النبوي في بيت أحد المسؤولين لعله المحافظ وكان يومها علي القيسي، وفي بداية أو اثناء المولد انطفأ التيار الكهربائي، فاتصل الشيخ الحبيشي هاتفياً بمدير الكهرباء م.عبدالملك العزي، وهو هاشمي، وقال له معاتباً: الله عليك المستعان، تطفّي علينا الكهرباء واحنا نعمل حفلة لجدك!. تذكرتُ هذه النكتة وأنا أتابع ما تردد من استعدادات حوثية لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف هذا الأسبوع في العاصمة وعدد من المحافظات، في وقت تواصل مليشياته عملياتها القتالية التوسعية في مناطق مختلفة من الوطن مخلفة مئات الضحايا من المسلمين المُصلين على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين!، بعيداً عن الأنباء الأخيرة التي تتحدث عن هُدنة هنا وإيقاف لإطلاق النار هناك، باعتبار القضية أبعد وأعمق من إيقاف المواجهات، إذا كانت مرتبطة بمغزى وجدوى اندلاعها منذ البداية قبل عشر سنوات!، وما هو الجديد في اليمن الذي أثار هذه الموجات العنيفة والمتقطعة من المعارك؟.
قطعاً لا يمكن القول إن المذهب الزيدي بنسخته الهادوية ومدارسه المتعددة هو الجديد المدجج بهذا العنف، بصرف النظر عن تلك القراءة التي تفيد بأن المذهب الوافد على اليمن (قبل 1200 عام) جاء بتفسير مختلف للإسلام الذي عرفته اليمن على أيام الرسول، ومَن أرسلهم إلى اليمن كعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري، باعتباره انتهى في تطبيقه السياسي إلى تصنيف الشعب اليمني بمعايير سلالية وجهوية تتنافى مع القيم الأصيلة للإسلام كدين سماوي لا ينتمي لعائلة ولا لقبيلة بعينها، ولا يُقر بأفضلية أحدٍ على أحد إلا بمعيار واحد متصل بتقوى الله، وبالعموم فقد تجاوز اليمنيون مرحلة ذلك التطبيق السيء وإن ما زالت بعض آثاره حاضرة حتى اليوم، ولكن بقي المذهب الزيدي الهادوي موجوداً بينهم دون أن يشكل خطورة حقيقية على تدينهم وحياتهم، وهو بهذه الصورة بعيدٌ عن أسباب التطور العنيف لدى بعض أتباعه خلال العقد الأخير، خاصة وأن البعض الآخر منهم على خلاف مع هذا التطور المشبوه!. فما هو الجديد الزائد لدى الحوثي؟.
لا يستطيع الحوثي المزايدة على اليمنيين في تدينهم المتصل بحب النبي عليه الصلاة والسلام وتقدير آل بيته الكرام، كما لا يمكنه المزايدة عليهم بكراهية أميركا وإسرائيل، وهو ما يعني أن عليه التوقف عن هذه الطريقة السمجة في بيان حيثيات ودوافع هذا الحضور المفخخ، الذي لا يمكن أن يكون له علاقة بالنبي وآل بيته، وسيرته العطرة مستقرة في الأذهان بكل معاني العدل والرحمة مع العدو قبل الصديق، ولم تكن في نفسه الشريفة نوازع الشر والعنف والقتل، وهو القائل: "لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يُراق دم امرئ مسلم"، والقائل كذلك: "مَن لا يَرحم لا يُرحم"، ووصلت رحمته إلى الحيوان ففي إحدى المواقف المروية عنه أنه رأى دجاجة ترفرف أمامه تبحث عن فرخيها فقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها"، وقال في حديث آخر: "دخلت امرأة النار في هِرة حبستها ..."، وفي حروبه كان يوصي جنوده: "اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع"، وفي عز انتصاره وقوته يعفو عن خصومه فيقول: "اذهبوا فأنتم الطُلقاء"!، ولا يمكن أن تتسع المقالة هنا لسرد الأمثلة والمواقف والمقولات النبوية في هذا الجانب بما لا يلتقي في أي صورة مع ما يفعله الحوثي في حروبه العبثية وغير المفهومة على وجه الدقة والوضوح!.
وإذا كان يصعب إثبات أو نفي الصلة البيولوجية بين الحوثي والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إلا أن ما دونها من الصلات (الروحية والعقدية والأخلاقية والفكرية) يمكن نفيها دون مشقة!، ويكفي للاستدلال على ذلك في النظر إلى ضحاياه وكلهم مسلمون، ولعلهم يتفوقون عليه في حب الرسول والصلاة عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، فما قيمة احتفاله بمولد النبي ويداه ملطختان بدماء أتباع النبي من المؤمنين به والمحبين له، أم أن للاحتفال مآرب أخرى ضمن حيثيات ودوافع هذا الحضور الدموي؟.
وهذه التساؤلات لا علاقة لها بالجدل السنوي حول المشروعية الدينية للاحتفال بمولد الرسول، إلا أنها تتسرب إلى فريقي الجدل: فالمحتفلون يتحججون بأن الاحتفال صورة من صور تعظيم الرسول ومناسبة لإبراز شخصيته وسيرته والتذكير بسجاياه، مما يعني أنها فرصة –في تقديري- لمحاججة الحوثي بتلك السيرة التي يدعي الانتماء لمسيرتها القرآنية!، وأما من يخالفونهم في مشروعية تلك المناسبة فيرون أن الانتماء الحقيقي والتعظيم الفعلي للنبي يكون باتباعه والاقتداء به، بعيداً عن المظاهر التي لم يفعلها هو ولا من بعده من أهله وأصحابه وأتباعه!، وفي كلا الطريقين تبحث تساؤلاتنا عن إجابة في وعي الناس، لإدراك حقيقة علاقة الحوثي بمولد النبي فضلاً عن علاقته بالنبي وبسيرته العطرة!.