يبدو أن مسرحية "مدرسة المشاغبين" الشهيرة (ظهرت في بداية السبعينيات) لم تخرب فقط – كما يتهمها منتقدوها- التعليم، وتدمر العلاقة بين التلاميذ والمدرسين، وتحطم هيبة هؤلاء الأخيرين في نظر تلاميذهم.. الخطورة تبدو أبعد من ذلك بكثير؛ فقد وصلت تأثيراتها السلبية (من خلال محاكاة المتأثرين بتصرفات المشاغبين) إلى المجال السياسي، والسياسيين.. وجعلتهم يمارسون السياسة أحياناً بوحي المشاغبين في مدرستهم الشهيرة! ولعل القراء يتذكرون أن مجلس النواب الأول بعد الوحدة وصف بأنه "مدرسة المشاغبين" فقد كانت المرة الأولى التي يشاهد اليمنيون فيها بثاً يومياً لجلسات البرلمان، ومناقشاته الحامية، وصراخات أعضائه النارية؛ كما شاهدوا حالات التسرب من الجلسات، والغياب عن الحضور.. إلخ آخر المظاهر السلبية التي تفاقمت كثيراً في الدورات التالية! وظهر في آخر طبعة رئيس برلمان يحاكي المدير المستبد الذي يتعامل مع تلاميذه أو النواب (الذين لا يوصفون رسمياً في بلدان أخرى ولا يجوز مناداتهم إلا ب: العضو المحترم!) إلا بالعنف والإهانات، والشخيط والتهديد!
على أن تأثير "مدرسة المشاغبين" متعدد المظاهر، ولا يقتصر فقط على الفوضى؛ إذ يمكن أن نلاحظه في حرص سياسيين ومفكرين عرب ويمنيين كثيرين على تقليد ذلك المشهد الذي يعلن فيه الكوميديان المصري الشهير عادل إمام استهجانه الشديد واستنكاره العميق تجاه "معلمة" الفصل التي أرهقت زميله عندما طلبت منه أن يعود إلى مقعده بعد أن كانت قد طلبت منه الذهاب إلى السبورة.. وأثار ذلك غضبه فوجه عدة عبارات حانقة تلوم المعلمة أنها تتعامل معهم باستخفاف: رايح جاي وكأنهم يشتغلون عند أهاليهم! ولحظتها أبدى عادل إمام تعاطفه مع زميله، ووصف تصرف المعلمة بأنه دليل على تدهور حالة التربية والتعليم في البلد، ومنهياً كلامه بعبارته الشهيرة: "فين أيام رفاعة الطهطاوي.. وطه حسين.. وزكي جمعة.. مين زكي جمعة ده؟".
ليس الشاهد هنا رفاعة الطهطاوي ولا طه حسين؛ على أهمية مكانتهما في تاريخ التربية المصري والعربي؛ الشاهد هو التربوي الثالث: زكي جمعة.. وكما هو معروف فالاسم لم يكن له أي قيمة تاريخية فعلية لا في تاريخ مصر ولا في تاريخ المسرح .. ولكن الكوميديان أراد من باب الفشخرة والتهريج على المعلمة أن يتظاهر بالحزن على واقع التعليم (رغم أنه وزملاؤه ممن أفسدوه!).. وبالحنين إلى الماضي التليد، وأنه موسوعة في تاريخ التربية وأعلامها المشاهير مثل من ذكرهم مضيفاً إليهم شخصية مجهولة كشفت جهله وغباءه!
[2] في مناسبات عديدة أعلن سياسيون ومفكرون عرب من المعادين للإخوان حتى الاستئصال، والكارهين لهم حتى الموت، والذين لا يرقبون فيهم إلّاً ولا ذمة: أن الإخوان في الزمن الحاضر انحرفوا عن خط الأستاذ حسن البنا مؤسس الحركة المعروفة باسم الإخوان المسلمين وأفكاره الإسلامية.. وأنه لو كان حياً لرفض الاعتراف بهم أو استنكر أفعالهم! تظاهراً منهم بالغيرة على حسن البنا وتراثه وأفكاره.. ولكن على طريقة عادل إمام وزكي جمعة!
وعلى هذه الطريقة التهريجية انساق بعض السياسيين والصحفيين اليمنيين (من بقايا نظام علي عبدالله صالح) يقلدون عادل إمام زعيم مدرسة المشاغبين في ادعاء العلم بحسن البنا والغيرة عليه وعلى مدرسته الفكرية والسياسية، وهم يفعلون ذك ينسون – على سبيل المثال- أنهم طالما انتقدوا وعابوا على الإسلاميين ما يصفونه بالجمود على الأفكار والمواقف القديمة! وعدم التحرر ومواكبة المتغيرات العصرية.. إلخ فشخرات زكي جمعة!
أمثال هؤلاء كثيرون.. هنا في اليمن.. وفي مصر بالضرورة.. وفي بلدان أخرى. وكلهم يمارسون الفشخرة بأنهم موسوعة وحجة في الحركات الإسلامية وحسن البنا.. وزكي جمعة! حتى رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويروس عندما يتحدث يعلن أنه مسلم أكثر من الإخوان.. وهو لا يعلم أن كل مسلم سيفرح جداً إن كان صادقاً في كلامه وترك عبادة البشر والكهنة، والصليب، وصلى وصام.. والتزم بالإسلام.. وحينها يستحق أن يمنح شهادة بأنه مسلم أحسن ليس فقط من الإخوان؛ بل من كل.. المؤتمريين، والحوثيين، والممثلات والمطربات المصريات الأحياء منهن والأموات، ومن السيسي، وشيخ الأزهر، والمشايخ الذين أفتوا بقتل المعتصمين السلميين واستحلال دمائهم من ميادين مصر إلى ساحات التغيير في اليمن!
وفي حوار مطول ل "الميثاق" مع القيادي المؤتمري الشيخ صادق أمين أبو رأس أعاد صادق تجسيد مشهد عادل إمام وزكي جمعة، فعندما سئل عن تقييمه لدور الإصلاح في الحروب والصراعات كما وصفته صحيفة زكي جمعة صالح قال: "لو بعث حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بأهدافه ومبادئه التي كنا نحترمها ونقدرها لأنكر ما يدور الآن ممن ينتسبون إليه حتى وصل الأمر إلى الإضرار بالناس في بيوتهم ومعيشتهم".
طبعاً لن نقول له: ولماذا لا تجسدها أنت طالما أنك تحترمها وتقدرها؟ وما الذي دفعك إلى المؤتمر وغيره وهم بالتأكيد لا يمتون بصلة لأفكاره؟ لكن الحق أن الحوار تضمن مفاجآت خطيرة في حق المؤتمر الشعبي العام وزعيمه وقياداته؛ سنعلق عليها سريعاً في الأخير بعد أن نبكي معه على أيام زكي جمعة أو حسن البنا.. وهي بلاوي كان يفترض أن تجعل صادق يقول: لو عاد المؤتمريون الذين ماتوا لأنكروا واقع المؤتمر وما يدور فيه من سياسات من ينتسبون إليه؛ حتى وصل الأمر أن اليمن على شفا الانفصال.. وأعلام الإمامة ترفرف حرة في عدة محافظات (حتى في تعز التي كانت قلعة الجمهورية).. بحراسة الدبابات والمصفحات الحوثية التي أهديت إليهم من معسكرات زعيم المؤتمر وأبنائه! ورجال الإمامة ودعاة الانفصال ورموزهم في قنوات المؤتمر ضيوفاً دائمين ليشرحوا لليمنيين أهداف حسن البنا قصدي: زكي جمعة! وأن التماهي بين خطاب الحوثة والمؤتمر وصل إلى درجة تفرض عليهم التفكير في التنسيق والتكامل الإعلامي في عدد الصحف والمواقع والقنوات توفيرا للتكاليف!
طبعاً "أبو رأس" لن يقول هذا.. وهو عندما تحدث عن البنا؛ تحدث وهو مطمئن أن حسن البنا لن يبعث من الموت حتى يكون بإمكان الناس أن يتأكدوا من صحة نبوءة أبو رأس من عدمها عن رأيه في الإخوان والإصلاح، وهل يتبرأ منهم .. أم أنه سوف يعطيه "صرعة" أو "زمبة" بالمصري ويقر بصدق انتماء الإصلاح لفكرته ومبادئه! ولذلك كان مطمئناً اطمئنان عادل إمام وهو يقول: وزكي جمعة بأن أحداً لن يعترض!
[3] ولأن المؤتمريين أمثال أبو رأس كثيرون، وهذه الأيام أيام أكل وشرب ولهف زلط من الزعيم الكريم.. فمن الممكن جداً أن ينبع كل واحد منهم يظن نفسه فقيهاً في الحركات الإسلامية ليفتي بأن الإصلاح وحسن البنا لا يلتقيان.. وأن حسن جمعة أو زكي البنا لو عاد لاستنكر ما يفعله الإصلاح. ولأن ثقافة مجموعة السياسيين والإعلاميين المخضرمين في المؤتمر فيما يختص بالإسلاميين والحركات الإسلامية هي من نوعية ثقافة "زكي جمعة" فمن غير المستبعد أن نسمعهم يستعرضون ثقافتهم عن حسن البنا والإخوان والإصلاح على النحو التالي: - الشيخ سلطان البركاني: الله يرحم الشيخ حسن البنا.. شيخ مشائخ مصر: قبيلي مثلنا مش قالك: محمد مرسي عنده دكتوراة في الهندسة.. الله يرحمه لو كان يعيش هذه الأيام.. لرفض الإصلاح.. وانضم للحوثيين كرهاً في الإصلاحيين مثل كثير من أصحابنا المشايخ المؤتمريين الذين صاروا من جديد.. عكفة الإمام! قالك: إخوان! إيش من إخوان وأخوة.. فين أيام فندق الإخوة لما كنا نلعب دمنة وكيرم وبطة لما نشبع.. ولا واحد يقول لنا: الإسلام هو الحل.. أو الشعب يريد إسقاط النظام!
- عبده الجندي سوف يتنهد بعمق، ويخبط كفيه ببعضهما متحسراً وهو يقول: الله يرحمك يا حسن البنا.. أينك وأين أيامك؟ وأيام إخوان ثابت لما كنا في الحديدة أيام المجهالة؟ ها ذولا هم الإخوان الحقيقيين مش قالك: إخوان الإصلاح اللي شمتوا بالدنيا وخلونا نظام سابق وبقايا عفافيش!
- أما ياسر اليماني.. فأقصى ما سيقوله بحكم أنه زكي جمعة الأول: الشيخ حسن البنا.. الله يرحمه.. طبعاً نعرفه.. كان أخو الشيخ عثمان.. وكنا جيران إحنا وهم!
[4] وصلنا إلى البلاوي المؤتمرية التي اعترف بها أبو رأس التي تفضح وتدين عهد المؤتمر والزعيم الرمز في الفشل، وطبعاً يتحمل وزرها مع عائلته وأركان حزبه.. وليس الغرض هنا الفتنة أو الحرشة والعياذ بالله؛ فقط لكيلا يطلع كل يوم زكي جمعة ويتحدث عن حسن البنا.. وإليكم إياها بإيجاز: - المؤتمر الشعبي العام شارك في الإضرار بالقبيلة اليمنية بتحزيبها، وإلحاق الضرر بها، وتقسيمها، وتشتتيها بالكامل حتى الأسرة الواحدة لم تسلم منهم! - إننا الآن نجني أخطاءنا في الإدارة المحلية خلال الفترة السابقة فلو أننا نفذنا قانون السلطة المحلية ولو بنسبة 50% وأعطينا الصلاحيات للمحافظات والمديريات بشكل كامل لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه! - وعندما تحدث أبو رأس عن الحاجة لجيش وطني قوي بدلاً من جيش صالح والجيش المعارض له؛ فسر ذلك بأن الجيش في عهد صالح: "الجيش الأول مع احترامي لكل الأشخاص الموجودين فيه كان جيش مجموعات وأشخاص وأثبتت الأحداث ذلك, وكلنا كنا نقول الحزبية ليست موجودة في الجيش ولا يجب ان تدخل الجيش، والحقيقة أن الحزبية معصودة عصيد داخل الجيش سابقا ولاحقاً"! - وعن حادثة مسجد الرئاسة يقول: نحن لا نعرف من الذي أصابنا وما الذي وقع بنا! نحن كنا في بيت رئيس الجمهورية، وفي مسجد رئاسة الجمهورية والحراسة الموجودة (!) هي المسؤولة عن حماية الرئيس ومن يدخل عنده (!) اما حراستنا ومرافقونا فنحن نطرحهم على بعد 2 كيلو متر من الرئاسة!