كنت ممن حضر وشاهد الجرائم التي ارتكبت بحق شباب اليمن الذي ينشد التغيير.. في ذلك اليوم 18/3 / 2011، بعدما بنى المجرمون سوراً بعرض الشارع لمنع تمدد ساحة التغيير، ظناً منهم أن إشعال إطارات خلف السور وانبعاث الدخان كفيل بإخفاء الجريمة النكراء التي يعدون لها.. والتي لم يكن يتصوّر بشاعتها أحد.. أشعلت الإطارات وبدأ المجرمون بإطلاق كثيف للرصاص، اندفع الشباب للدفاع عن ساحتهم التي كانوا آنذاك يعدونها بمثابة النواة الحقيقية لاستعادة الوطن المخطوف والمنهوب.. سقط الشهيد الأول فحمله إخوانه وسقط الجريح فحُمل أيضاً إلى المستشفى المعد للثوار لا لسواهم.. وتوالى سقوط الشهداء والجرحى بالعشرات والمئات.. لم يثنِ الشباب طلقات رصاص تأتي من أسطح العمارات ولا من مدرعات الجيش ولا من أي مكان .. اندفعوا زرافات وكأنهم يتسابقون على جوائز تقدم لمن يصل أولاً.
كنت في ذلك اليوم حاملاً كاميرا أراقب مطلقي الرصاص وهم في أسطح العمارات بعضهم قد أخفى وجهه بقطعة قماش.. والبعض الآخر يتحدى حتى الكامرات سافراً عن وجهه.. وتحت إصرار الشباب التواق للحرية هُدم السور ولوحق المجرمون وتمددت الساحة إلى الجامعة القديمة.. أخذ بعض المجرمين إلى اللجنة الأمنية ومنها – كما أخبرنا - إلى جهة مختصة باحٍتجازهم، تفاءلنا خيراً بأن دماء الشباب لم ولن تذهب هدراً.
وفي ذروة انشغالنا بتوثيق هدم السور وإصرار الشباب على ملاحقة المجرمين المختفين داخل العمارات المنتشرة على امتداد شارع الدئري.. إذا بالخبر الصاعقة يأتينا "جمال أصيب".. بعدها بدقائق اتصال آخر "جمال الشرعبي استشهد". يا الله: ما أقصر الحياة! .. يا الله "جمال استشهد"! .. إذاً ما قيمة الحياة: تركتُ الكاميرا لأحد الأخوة وانطلقت مع الشباب لملاحقة بقية المجرمين الذين ما زالوا في البنايات القريبة.
ودون شعور لم أفق إلا ونحن قرب جولة "النصر" (كنتاكي سابقاً).. التفتّ يميناً ويساراً فلم أجد إلاً بعضاً من الشباب.. قد لا يتجاوزن العشرة إن لم يكن الثمانية.
رجعنا ونحن في حالة ذهول وصدمة وفرح.. ذهول وصدمة من حجم الدماء التي أريقت والأرواح التي أزهقت وفرح من أن المجرمين لم يستطيعوا أن ينفذوا ما أتوا ونفذوا الجريمة النكراء بحق شباب أعزل من أجله.. وهو فض الاعتصام واقتحام ساحة التغيير وإنهاء الشعب وإلى غير رجعة.
بعد كل التضحيات التي قدمت وما زالت، المجرمون يريدون أن يعيدوا ليس إلى زمن المخلوع بل إلى زمن العبودية والصنمية الحاكمة بأمر الله كما يسوّقون. على تخوم صنعاء ينتشر الإماميون بمباركة المخلوع كما صرح أخيراً بذلك؛ يينشرون الرعب، يقتلون، وحكام ما بعد ثورة الشباب في سُبات عميق. هل فعلاً نحن بعد ثورة شهد العالم أجمع بعظمتها ونبوغها وحكمتها وسلميتها.. ثورة قدمت خيرة شبابها وأطهرهم وأظهرت الوجه الحقيقي للإنسان اليمني بعدما تعمد تشويهه طوال الفترات السابقة؟ الآن وقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه.. تبقى الأسئلة المحيّرة ماثلة للعيان تبحث عن إجابة: أين المجرمون الذين قُبض عليهم؟ أين ملفات المجرمين الذين نفذوا وخططوا ووجهوا؟ لماذا شباب الثورة خلف القضبان بتهم كيدية؟ لماذا المجرمون المدانون خارج السجون يسرحون ويمرحون؟ لماذا لم يتم التعامل مع توجيهات الرئيس هادي بالإفراج عن الشباب المعتقلين؟ إذا كانت الثورة نجحت -كما نعتقد- من يحتجز شباب الثورة إلى الآن؟ وأخيراً: إذا كان المجرمون القاتلون لشباب الثورة المعرقلون لبناء الدولة معروفين، ما الذي يحول دون التعامل معهم على هذا الأساس؟