كنا نعتقد أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح سيظل رمزاً لانتهاك وامتهان الدولة، إلا أن ذلك كان يحدث في أطراف المحافظات التي تبعد مئات وربما آلاف الكيلومترات عن مركز الحكم في صنعاء. كان الناس يستفيقون على أخبار صاعقة بقيام صالح ببيع دماء الجنود والضباط في وقوفهم ضد التخريب في مأرب، الذين يحققون نجاحات حقيقة في مكافحة الفوضى وإعادة هيبة الدولة مؤقتاً بعد انتزاعها من يد عصابات يقودها نافذون يصبحون تحت رحمة الجيش والقانون وفجأة يأتي الأمر من صنعاء للجيش بالانسحاب من المواقع التي طاردوا فيها المخربين، ويجب على الدولة أن تقوم بتحكيم هؤلاء المعتدين. عندها يدرك قادة الجيش والجنود أنهم أخذوا على حين غرة، وفعلاً تقوم الدولة بوضع تحكيم للخارجين عن القانون ومن قام بانتهاك هيبة الدولة ويصدر الحكم بوجوب التعويض لهؤلاء وترتكس كل معاني الدولة.
أحداث وتواريخ كثيرة جرى اللعب عليها في هذا الشأن، وجاءت الثورة الشبابية وكان من أهم أهدافها فرض هيبة الدولة وسيادة القانون على كل التراب الوطني وصعد الرئيس هادي إلى سدة الحكم وتغيرت التحالفات وقد بدأ هادي قوياً أول الأمر عندما استعاد بالقوة والإرادة محافظته أبين من قبضة الإرهابيين في الجنوب، لكن ومع مرور الوقت وعلى عكس ما حدث في الجنوب فقد حصل توسع في شمال الشمال حيث توسعت مليشيات الحوثي باقتحام كتاف وتدمير مسجدها تلا ذلك إخراج طلاب دماج منها بعد مجازر ارتكبت بحقهم، مروراً بحرف سفيان وقبائل حاشد وعمران وحجة والجوف حتى وصلوا إلى أرحب وهمدان، وكان الرئيس هادي يكتفي بدور الوسيط وتشكيل لجان رئاسية تكون دائماً في صف الحوثي بحكم الأمر الواقع، ومن إنجازات هذه اللجان أن قررت بمشاركة رئاسية إخراج طلاب دماج من هِجَر العلم.
كانت هذه اللجان تحاول الظهور بمظهر الوسيط أولاً ثم يقابلها الحوثي بعبوس فترضخ لشروطه، وتمادت المليشيات حتى وصلت إلى مجاهرتها بإسقاط الدولة بقوة السلاح، ومن المضحك أن هذه المليشيا تعلن أنها تدافع عن نفسها وهي تدك المدن بالسلاح الثقيل وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمر المساجد والمدارس، ثم إنها قامت وفي وضح النهار باقتحام مدينة عمران بمختلف الأسلحة تحت مبرر إسقاط الحكومة وعدت ذلك تظاهراً سلمياً.
وتمادت في ذلك بإعلانها أنها ستطرد الجيش من المحافظة وكذا المحافظ، وعندما بادرت بتكرار ذلك حاولت إحدى نقاط الجيش التصدي لها فقامت بالاعتداء عليها وسقط من المهاجمين والمدافعين قتلى وجرحى في يوم الجمعة 21 مارس الماضي، وبدلاً من إعمال القانون وتقديم هؤلاء ومن حرضهم للمحاكمة قام الرئيس بممارسة هوايته وشكل لجنة رئاسية أفضت إلى تحكيم المجرمين في شأن الصائلين المعتدين الذين سقطوا.
إنها قمة المهزلة والضعف والارتباك، موقف مخزٍ لن ينساه التاريخ لهادي ولعله استمرأ الأمر عند ما قام بتحكيم قبائل حضرموت في شيخها الذي قتل في يناير الماضي وأفراد الأمن والجيش لا بواكي لهم ولا قيمة لدمائهم.. المهم أن هادي أصبح شيخاً في بدلة رئيس يريد أن يعيدنا إلى العصور الأولى يوم كان السلاح هو الحكم وليس القوانين.
فهل نقول وداعاً للدولة تحت قلم التحكيم المذل للمجرمين، ولقد فاق هادي صالحاً في إهانة الدولة وامتهان كرامة الشعب ورمى قيم الحكم الرشيد خلف جدران الفوضى.