قيادي حوثي يواصل احتجاز طفل صحفي ويشترط مبادلته بأسرى حوثيين    وفاة وإصابة خمسة أشخاص في حجة وصعدة جراء الصواعق الرعدية    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    أكاديمي: العداء للانتقالي هو العداء للمشروع الوطني الجنوبي    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبور المضيق.. في نقد أولي للتجربة (5)
نشر في المصدر يوم 24 - 04 - 2014


شروط إصلاح مسار العملية السياسية
إن أول شرط على هذا الصعيد يكمن في الاعتراف بالخطأ؛ فكما يقول المثل: الاعتراف بالجهل بداية المعرفة. لا شك أن بعض الأخطاء، التي رافقت العملية السياسية، والحوار على وجه الخصوص، قد خلخلت، إلى حد كبير، الأسس التي قامت عليها هذه العملية، ورتبت، على أكثر من صعيد، نتائج لن تتوقف آثارها السلبية عند حدود معينة، بل ستتعداها إلى تخليق أنساق من السلوك الخطير المقاوم لعملية التغيير، وخاصة عند القوى التي يعاد إنتاجها في قلب الدولة بنفس الأدوات القديمة، وعلى نفس المنهج القديم. تحتاج اليوم القوى التي تحاورت أن تتجرد من أنانية التفرد وروح الغلبة، إلى أن تقف أمام هذه الأخطاء بمسؤولية، قبل أن تترتب عليها نتائج على الأرض يصعب معالجتها بعد ذلك، إلا بكلفة باهظة. وفي هذا الإطار يمكن أن يصبح القرار الأممي عنصراً مهما في هذه العملية التصحيحية.

وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن توظيف هذا القرار كرصيد سياسي لأي طرف، خارج عملية الوفاق التي حكمت مسار العملية السياسية، سيشجع على ارتكاب المزيد من الأخطاء القاتلة في إدارة المرحلة القادمة، والتي تعد من أكثر المراحل حساسية، عندما يتعلق الأمر بالشروع في بناء الدولة التي انتظرها اليمنيون طويلاً. وأعتقد أن على مكونات المنظومة السياسية، وعلى رأسها الرئيس هادي، تقع مسؤولية تصحيح هذه الأخطاء، وخاصة موضوع شكل الدولة الاتحادية، في خطوة تصحيحية لقراءة رصينة لمحتوى القضية الجنوبية، وكذا العلاقة بين متطلبات تنفيذ مخرجات الحوار لتحقيق بناء الدولة والحكم الرشيد، وبين التركيبة الهشة والمشوهة لمؤسسات الدولة وجهازها التنفيذي، الذي جرى تطعيمه، على عجل وبدون قواعد أو أسس تحميه من الفساد ومن الفشل، بتعيينات تمت في معظمها بالقسمة بين الطرفين التقليديين في معادلة التقاسم. وسيكون على الرئيس، في هذه المرحلة، أن يحتاط كثيراً وهو يمارس دوره كقائد لهذا الوفاق، وليس طرفاً في خلافات أطرافه المختلفة. سيتعرض لضغوط من نفس القوى، التي ظلت تعتمد على الدولة في حسم صراعاتها مع الآخرين، وعند نقطة ما لا بد أن تكون له كلمته الفصل في رفض القيام بهذا الدور؛ لأن القبول به لن يعني أكثر من تسديد لكمة قاتلة في وجه التغيير.

إن جزءاً من صعوبات المرحلة القادمة تأتي من الخلل الذي لحق بالعملية السياسية في نهاية الحوار، والخروج على قواعده. هذه الظاهرة، يتوجب على الرئيس هادي، أولاً، إذا أراد أن يهيئ الشروط المناسبة للانتقال بالتسوية إلى المسار الذي يتجه بها نحو التغيير، وبناء الدولة، وإرساء أسس الاستقرار لهذا البلد، أن يعالج جذرها، بالتعاون مع كافة القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وكذا الأطراف التي وضعت العملية السياسية كلها، ومعها الرئيس هادي، في مصيدة العنف، ومصيدة ما يسمى "الدفاع عن الوحدة".

لقد أخذت مصيدة العنف تتسع وتأخذ مداها في الشمال، داخل البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية، بعناوين مختلفة، منها العناوين المذهبية والدينية، والتي تقترب من الطائفية على نحو خطير. وكانت تلك أخطر العناوين التي تمتد داخل تاريخ يعج بالصراع من أجل الحكم. ولا أدل على ذلك من حقيقة أن محاولة القضاء على المذهب الزيدي، في صورته الفقهية، قد تم تحت عنوان سياسي، من خلال توظيف منهج الحكم الكهنوتي المستبد للأئمة، والذي نسب قصداً إلى هذا المذهب، أثناء وبعد هذا الحكم الذي أساء هو نفسه إلى المذهب إياه. لقد أدى هذا الربط التحكمي إلى سهولة تصفية المذهب الزيدي خلال فترة وجيزة بين السكان على نطاق واسع امتد ليشمل معظم المساحة الجغرافية التي كانت تعتنق هذا المذهب، بحجة أنه مذهب الأئمة الذين حكموا اليمن الشمالي، وأن التمسك به إنما هو تمسك بحكم هؤلاء الأئمة.

كنا في شهارة، نهاية عام 1993، وقمنا لصلاة المغرب، وبعد الصلاة، سألت، على سبيل المزاح، أحد الإخوة القياديين ممن كانوا معنا: ألست على المذهب الزيدي، فلماذا تضم بينما الزيدية تسربل؟ فوجئ بسؤالي، والتفت حوله، وقال: هذا مذهب الأئمة الظلمة. وصمت. إن التغيير المذهبي لهذه الكتلة السكانية الكبيرة، بتلك الطريقة، أعاد فرزها على قاعدة مختلفة خطيرة على التماسك الوطني، خاصة في ظل تراجع المشروع الوطني، الذي حوصر وأخفق في توفير غطاء المواطنة والهوية والحقوق لكل السكان، على مختلف انتماءاتهم وأعراقهم ونحلهم. وفي الوقت الذي كان فيه المذهب الزيدي، كبقية المذاهب الفقهية الأخرى، قد أعطى مظلة أوسع لهذه الكتلة السكانية الكبيرة من اليمن، بأعراقها المتنوعة، فإن انحساره بتلك الصورة قد فتح الباب لانقسامات ومواجهات "عرقية" -قحطانية وعدنانية أكثر حساسية تجاه التاريخ، في واقع لم يتحصن بما فيه الكفاية تجاه تلك المؤثرات التاريخية.

والحقيقة أن هناك، بالمقابل، من يسيء لهذا المذهب من داخله؛ بتوفير أسباب الهجوم عليه، عندما يصر بعض هؤلاء على توظيفه لأغراض سياسية. والجميع يخطئون حينما يستدعون التاريخ لدعم التحفظات التي يطلقونها ضد بعضهم، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنهم لم يعودوا يرون أحدا إلى جانبهم يتسع له هذا الوطن، وأن انتصار أحدهم على الآخر هو، بمعيارهم، انتصار للوطن.

إن هذا اللون من الصراع يجب أن ينتهي فوراً. وعلى المجتمع أن يعلن رفضه له جملة وتفصيلاً، وأن الاصطفاف إلى جانب أي من طرفيه هو تعميق للشرخ الاجتماعي والوطني؛ فالذي ينتصر على الآخر لن يكون نهاية المطاف، وإنما سيكون بمثابة فتح باب أوسع لجروح أعمق ودماء أغزر.

في ظروف سابقة، جرى استهلاك الدولة في إخضاع أطراف لصالح أطراف أخرى، في تناوب بين هذا الطرف أو ذاك يقرره الحاكم، حسب ما تمليه مصلحة اللحظة. وعلى الرغم من أنه لم يكن للدولة أي مصلحة في الزج بها في مثل تلك الحروب؛ إلا أن الحاكم لم يكن يفرق بين مصلحة الدولة ومصلحته في البقاء في الحكم، فهو لا يرى الدولة غير أداة بيده تحمي حكمه، حتى عندما يصبح حكمه سبباً في تدمير هذه الدولة. الحاكم يجب أن يدير الدولة لصالح الدولة. تدخ�'ُل الدولة لا يجب أن يحولها إلى طرف في الصراع، وإنما يجب أن يتم بشروط تُفرض على الجميع من الموقع الذي تقف فيه على مسافة واحدة منهم، دون زيادة أو نقصان، وأن يكون التدخل فقط لتنفيذ هذه الشروط.

وفي الجنوب، حاول البعض، من داخل النظام ومن خارجه، أن يملؤوا الفراغ الذي تولد عن بقاء القضية الجنوبية معلقة من غير حل واضح، بإشعال بؤر العنف، إلى جانب موروث ما ينسب إلى تنظيم القاعدة في تشابكه مع النظام القديم، في حلقات متداخلة، أدى، في بداية الفترة الانتقالية، إلى السيطرة على محافظة أبين وجزء من شبوة، وانتشر في أكثر من محافظة.

كان على الرئيس هادي أن يتجاوز مصيدة العنف في مناطق التوتر والحروب، وهو ما استطاع فعلا أن يتجاوزه إلى حد كبير؛ أي بالمعنى الذي لا يقصد به تصفية هذه الحروب وأعمال العنف، وإنما عدم إغراق الدولة في حروب الشمال، والعمل على تهدئتها أو تسويتها في الجنوب. فالدولة الآن ليست طرفاً في حروب الشمال؛ لكن في الجنوب الدولة هي الطرف الرئيسي في هذه الحروب، ذلك أن ماهيتها تختلف عن حروب الشمال. وهذه المفارقة لها مدلولها؛ ذلك أن الدولة في الشمال ظلت رهينة بيد القوى التي تتصارع وتحترب. وكانت الدولة دائماً ما تأخذ موقفاً إلى جانب هذا الطرف أو ذاك. وحينما أخذت تتميز، هاجمتها هذه الأطراف، كل طرف بحسب وضعه على أرض المعركة. أما في الجنوب فقد ظلت الدولة محتفظة بالمبادرة؛ بسبب غياب الأطراف المتصارعة على نهب الدولة، وبسبب ماهية الصراع التي تجعل للحرب معنى مختلفا.

كانت هذه أخطر مصيدة يوضع فيها الرئيس هادي. ففي الوقت الذي أدرك فيه خطورة توريط الدولة في حروب الشمال، حاولت�' هذه القوى توريطه في حروب الجنوب. وأعتقد شخصياً أنه جن�'ب الدولة التورط في حروب كسر العظم التي تمارسها هذه القوى ضد بعضها، وكذا مغبة الخسائر الجسيمة المادية والمعنوية لمثل هذه الحروب، وخاصة في الشمال، حيث تدار الحروب من خنادق كل القوى التي لها حساب مع الدولة، حتى أن هناك من بات ينظر إلى عدم التدخ�'ُل هذا على أنه موافقة ضمنية من قبل الرئيس على استمرارها؛ نظراً لما يترتب على استمرارها من إضعاف لنفوذ هذه القوى، والضغوط التي تمارسها عليه في تأدية مهامه. وكثيراً ما لم�'َحت�' وصرحت بعض الأطراف، وكذا بعض المراقبين، إلى ذلك. غير أنني أعتقد أن المسألة أكثر تعقيداً من هذا الحساب المبسط، وإن كان في نتائجه قدر من الصحة. لكن الأكثر أهمية من هذا هو أن الرئيس هادي، ومن خلال موقعه كنائب سابق للرئيس، كان قد شهد الخسائر الضخمة التي مني بها الجيش في مثل هذه الحروب، التي اتسمت، في جانب كبير منها، بتصفية الحسابات بين أجنحة السلطة؛ ولذلك قرر أن يتجنب مصيدة هذه الحروب. فأن يتحمل ما يصل إليه من رذاذها إنما هو أهون من تحمل تبعاتها. غير أنه في الواقع لن يستطيع أن يستمر على هذا الموقف، إذا ما استمرت الحروب تتصاعد وتهدد بإغراق البلاد في جحيمها، وخاصة إذا ما أصبح التدخل مطلباً شعبياً. وسيكون عليه، وعلى معاونيه، أن يضعوا استراتيجية واضحة لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب؛ ولكنها تأخذ البعد السياسي والاجتماعي والمذهبي للصراع، وفق شروط ملزمة للجميع، مع رؤية تقوم على ترسيخ أركان الدولة والمواطنة كأساس لاجتثاث جذور الصراع. بمعنى أن على الدولة أن تتدخل بشروط تفرضها على الأطراف كلها ومن مسافة واحدة.

أما مصيدة "الخوف على الوحدة" فقد سبقتها حملات إعلامية تتهم "هادي" بأنه يعمل على فصل الجنوب، وأنه يعين الانفصاليين، ويقيم سلطة الجنوبيين مع إهمال للشماليين، وأن اللجان الشعبية التي شكلت لمواجهة الأوضاع الأمنية المتردية في الجنوب ليست سوى تأسيس لجيش جنوبي يسند عملية الانفصال... إلى غير ذلك من نغمات الابتزاز باسم الوحدة. ثم شنوا الهجوم تلو الهجوم على كل من خالفهم الرأي، ولم يجدوا ما يخوضون به معاركهم المفتعلة سوى العودة إلى معزوفة الوحدة والانفصال، في مشهد كوميدي مثير للسخرية. وأعادوا إنتاج أجواء أزمة 1993 و94 مستشهدين باصطفاف المدافعين عن الوحدة، في دعوة ديماغوجية ابتزازية لإعادة ذلك الاصطفاف. وخرجت بعض القيادات السابقة واللاحقة من كهوفها، ومعها الشلة إياها التي تشكلت على إيقاع طبول حرب 1994، ليرموا بقفاز الوحدة في وجه العملية السياسية، ومعها حمولات التخوين والتكفير واختراع أكاذيب وتلفيقات تبرر التحريض على القتل، وتصفية الخصوم، في أبشع صور ممارسة السفه، الذي تفشى في أواسط معينة، كظاهرة سياسية ملتبسة بأيديولوجيات دينية.

ومن مجالس ودواوين أولئك الذين عقروا الوحدة على بوابة "يمن" مصادر ومنهوب، خرج بعض المهرجين من أصحاب "الدال" المضافة إلى عاهات التحقت بالجامعات من بوابة جهاز الأمن، ليغتالوا حلم الناس بالتغيير، نيابة عن أولياء نِعَمهم، بتسويق مشروع التخلف وحمله على رافعة الوحدة ومغلفاً بخديعة الخوف عليها.

كان كل ذلك يتم بوقاحة من يقتل القتيل ويمشي في جنازته. "الوحدة في خطر"! هو العنوان الأبرز الذي اختفى هؤلاء وراءه بخيبتهم، التي جعلت من الوحدة مجرد متراس في معاركهم السياسية السطحية والتكتيكية، وكأن�' هناك وحدة قائمة فعلاً، بعد أن دمروها وقضوا على كل جسم حي فيها بسلوكهم الانفصالي. وظفوا كل ذلك لتبرير المواقف المتشددة والرافضة الاعتراف بأن هناك قضية عادلة في الجنوب تحتاج إلى حل يحقق الاستقرار الذي يهيئ اليمن كله للتوجه نحو البناء والتنمية، ووظفوه لإخفاء حقيقة أن هناك يمناً يتعثر بناؤه بسبب مواصلة تحليقهم الدائم حوالي مشاكله الأساسية بدلاً من الخوض في عمقها، لما سيترتب على ذلك من فضح الأدوار المعروفة لمعظم هذه القوى في الوصول بهذا البلد إلى ما وصل إليه. إن الإصرار على تقسيم الجنوب إلى إقليمين، وتقسيم الشمال إلى أربعة أقاليم، ليس سوى هروب من استحقاقات الحل الواقعي، إلى حلول مثقلة بما هو فوق السياسي؛ نعم، بما هو فوق السياسي، الذي يحلق في عوالم مترعة بحسابات هزيمة وكسر الآخر، فيما عرف بنقل المعركة إلى ساحات تغيب فيها الشروط السياسية؛ والمعارك التي تغيب فيها الشروط السياسية تتجسد في الحالة الذهنية للقوى التي لا هم لها سوى الاستيلاء على السلطة واحتكارها.

إن العودة إلى مربع احتكار السلطة، بتجلياته التي لا تخطئها العين، ومنها احتكار المناصب السيادية لقوى بعينها، وعلى نحو يبعث على الاعتقاد بأن هذه العملية لا تتم بصورة غير منهجية، إنما هو عمل يغير اتجاه مجرى العملية السياسية إلى الاتجاه المعاكس لتيار التغيير، والقائمون بذلك يكررون سلوك سمك السلمون، الذي يقرر العودة إلى "موطنه" بالسباحة عكس تيار النهر، فيموت بمجرد بلوغه الهدف. في حالة هذه القوى التي تسبح ضد التيار، الذي يموت هو بلد بأكمله، أما هم فحياتهم تتوقف باستمرار على موت هذا البلد؛ لا يعيشون إلا بموته، ويعلمون جيداً أنهم لن يموتوا إلا في حالة أن تعود إليه الحياة.

لا بد من مواجهة هذا الوضع، دون تردد، ودون مجازفة بالاعتماد على مجاراة سلوك هذه القوى، أو التمسك بمقاربات التجربة والخطأ، التي حكمت المسار السياسي لعقود، متجنبين الحلول الواقعية، بسبب ما قد تؤدي إليه من نتائج، وما قد تفرضه من شروط غير مواتية لنخب الحكم. فالحقيقة تقول إنه لم يعد هناك للتجربة والخطأ أي هامش بعد أن وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه. وفي ظروف كهذه يجب ألا يسمح بتكرارها تحت أي مبرر كان. ربما كانت "مصيدة الوحدة"، التي وُضع فيها هادي، أكثر جلبة، من حيث حجم الضوضاء التي رافقتها، حتى أنها لم تمكنه من التمييز بين غيرة هؤلاء على الوحدة، وغيرتهم على السلطة. ولذلك فإنه لم يتمكن من تجنب هذه المصيدة مثلما حدث مع مصيدة الحروب. ومن داخل هذه المصيدة راح الطريق إلى احتكار السلطة يمتد داخل نفق من التجارب التي لا تخطئ الهدف.

كيف سيتعامل القائمون على تنفيذ القرار الأممي، مثلاً، مع النماذج العملية لاحتكار السلطة، التي يجري تنفيذها على الأرض، بشروط تخالف الحكم الرشيد، الذي تحدث عنه القرار، وتخالف، في الوقت نفسه، الحقوق والحريات التي تعطي الحق لأي مواطن في الحصول على حقه في التعيين والترقي، ومقاومة الفصل التعسفي، ورفض احتكار الوظيفة في فئات سياسية أو اجتماعية بعينها، وبدون معايير تبرر ذلك؟

إن العرقلة عملية متعددة الأدوات، ومتنوعة الصور والأشكال، وأخطرها على الإطلاق هو أن تمارس من داخل السلطة نفسها. لا أحد يستطيع أن يقول لنا إن العدالة والحقوق هي مجرد مفاهيم نظرية لا صلة لها بما يجري في الواقع من خروقات وتعسف لحقوق الناس. تشكيل لجنة الأقاليم، وأسلوب عملها، فيه خرق لقواعد الحوار. تشكيل اللجنة الدستورية فيه تجاوز للقواعد المتفق عليها بشأن تشكيل اللجنة؛ فلا هي مستقلة، كما أُعلن عنها، ولا هي حزبية لاستثناء أحزاب فاعلة في العملية السياسية من عضويتها. إعداد نظامها، وجزء مهم من محتواه، يحتاج إلى تصحيح، وخاصة ما يتعلق بعلاقة الدستور بمخرجات الحوار. أنظر، مثلاً، المادة (31)، حيث يرد في نهايتها، بشكل صريح، ما يجيز الخروج على مخرجات الحوار؛ إذ تنص على: "وإذا كان رأي الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بأن هناك جوانب معينة في المسودة لا تتوافق بشكل كبير مع قرارات وتوصيات مؤتمر الحوار... إلخ". لاحظوا ورود عبارة: "لا تتوافق بشكل كبير"؛ ألا يعني ذلك أن القرار يجيز للجنة الدستور الخروج عن قرارات المؤتمر ومخرجاته، من حيث المبدأ، ويصبح الجدل بعد ذلك يدور حول عبارة "بشكل كبير"؟ فكيف سيتم تقدير هذا الخروج، فيما إذا كان صغيراً أو كبيراً؟! ثم من يعطي الحق بتجاوز قرارات مؤتمر الحوار، وهي محصلة جهد ونقاش وتصويت الأطراف المتحاورة، التي يفترض أنه لا سلطان لأحد على قراراتها؟! بالتأكيد، ما كان بالإمكان ورود مثل هذا النص في لائحة إعداد الدستور، لو لم يتم إضعاف مؤتمر الحوار، بمثل تلك القرارات الإدارية نيابة عنه، وصمت أعضائه عن سحب أكثر قضايا الحوار أهمية من أيديهم إلى أيدي السلطة.

لا أحد يستطيع أن ينفي أن هناك خروقات كبيرة قد تمت، من خلال العمل من خارج إرادة المتحاورين، وبسلطة مجموعة تعمدت أن تضع هذه الإرادة كملحقة بمسار العملية السياسية، لنشهد ذلك الانقلاب على الحوار في أيامه الأخيرة. لم يكن هذا مطلقاً هو طريق التغيير الذي بشر به انعقاد مؤتمر الحوار منذ أن كان فكرة حتى صدور مخرجاته.

فتح هذا الانقلاب أبواباً لعودة القديم، بكل حمولاته وأثقاله، ليحتل من جديد مساحة واسعة في الوعي الاجتماعي، الذي كان قد بدأ يتشكل برؤى تشده نحو المستقبل.

ما الذي يتوقعه مجلس الأمن من القوى التي يجري إقصاؤها في سياق عملية مراوغة مركبة، تتعسف روح الحوار وتتمسك بشكلياته فقط، وتؤسس على الأرض مراكز نفوذ وولاءات على النحو الذي مارسه النظام القديم، لتحويل الديمقراطية إلى مجرد لعبة بيد جزء من نفس النظام الذي انقسم على نفسه؟

للحوار روح، هي الأهم، بكل المقاييس، وذلك حينما ينصرف معنى الحوار وهدفه إلى خلق بيئة مقاومة للفساد السياسي وللحروب والعنف والصراعات، التي تدور حول السيطرة على القرار السياسي. هل يتجسد هذا المعنى للحوار في الواقع العملي الآن؟ أم أن هذا الواقع لا يزال يتحرك بأدوات ما قبل الحوار؟ هو حم�'ال أوجه، بكل تأكيد، وإن نزع إلى التمسك بالأدوات القديمة، ربما لأنها المتاحة، وربما لأن التبديل يحتاج إلى إرادة أنبياء كفت الأرض عن إنتاجهم. هذا ما يجب أن ترد عليه لجنة العقوبات ضد المعرقلين، وخبراؤها عندما يبدؤون بفرز الحقائق من النقطة التي يتعين عليهم فيها فتح شريط تسجيل المخالفات.

والحقيقة أنه يعنينا كثيراً، نحن اليمنيين، ما إذا كان هؤلاء، ومعهم نخب السلطة، سيهتمون بهذا المضمون الفلسفي والأخلاقي لروح ومعنى الحوار، كما نراه، وكما نريده أن يكون؛ أم أنهم سينظرون إليه من الزاوية التي تجسد ظاهر الأشياء في صيغتها النصية؛ ذلك أن هذا النصي، عندما يكون بلا محتوى، وغير جوهري، يصبح في كل الأحيان شكلياً. وخلاصة القول إننا نؤكد، وبكل قوة، أننا سنرفض رفضاً قاطعاً أن تتحول نتائج الحوار إلى مجرد عجينة يجري تشكيلها في صور لا تمت بصلة لما ناضلنا وضحينا من أجله. وهنا مربط الفرس في مدى توافق الفهم الحريص على تفسير مخرجات الحوار وتنفيذها، على النحو الذي يبني اليمن الجديد من ناحية، أو الفهم الذي يحولها إلى أداة لإعادة إنتاج التخلف والاستبداد بمعايير مقبولة دولياً من ناحية أخرى.

لقد برز جلياً، في أكثر من موقف، أثناء تنفيذ مهمات المرحلة الانتقالية، خلال السنتين السابقتين، أن محاولة تأسيس فهم مشترك لمضمون العملية السياسية، انطلاقاً من الحاجة الفعلية لليمن، قد حقق نجاحاً هنا، وإخفاقا هناك. ولكم تجادلنا مع المبعوث الأممي، السيد جمال بن عمر، وخبرائه، واتفقنا واختلفنا، وكان السيد جمال، بثقافته السياسية والعامة القريبة من اليمن، سرعان ما يقترب من جوهر المشكلة كما يعرضها اليمنيون، ما سجل حالة من التقارب، ولا أقول من التطابق، بين مضامين ومحتوى العملية السياسية من ناحية، وتعبيراتها العملية والتطبيقية من ناحية أخرى. لقد كان يقترب من المشكلة بعد أن يستوعب تأثير محتواها على جملة من المتغيرات، التي لم تكن ترتبط بعلاقة مباشرة معها في كثير من الأحيان. لكن المشكلة، في الغالب، كانت تأتي من بعض اليمنيين، باعتبارهم مصدر ثقة لدى بعض أطراف المجتمع الدولي؛ ذلك أن كل طرف فيه يسعى إلى قراءة المشكلة بالاعتماد، في الأساس، على مصادره، فتتعطل كثير من الأمور، ثم تأخذ منحى مختلفا، كما حدث مع موضوعات كثيرة. من هذه الموضوعات كان موضوع نقل السلطة، وموضوع شكل الدولة، وموضوعات الحصانة، العزل السياسي، الحكم الرشيد، والعدالة الانتقالية؛ في حين أن هناك موضوعات أخرى ظلت مثار نقاش طويل؛ مثل الضمانات الخاصة بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والتي لم تتضمنها المبادرة ولا الآلية التنفيذية، وإنما جرى اشتقاقها من واقع التجارب اليمنية في الحوارات السابقة، التي كانت تنتهي، وتسلم لنفس قوى الهيمنة لتلقي بها في الأدراج. كنا لا نريد لهذا الحوار أن ينتهي إلى أيدي مراكز السلطة القديمة لتلقى نفس المصير. وكنا نرى أن هذه آخر فرصة تقدمها الحياة لليمن ليغادر مأزق الصراع والاستبداد، ومعهما التخلف بكل ما يحيط به من عوامل محبطة ومفسدة لأي جهد في هذا الاتجاه. ودار جدل واسع حول تعريف الفترة الانتقالية على أنها ليست زمناً فقط، وإنما مهام يجب إنجازها. قلنا: تنتهي الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية بإنجاز مهامها الأساسية، على أن ذلك لا يلغي قيمة الزمن. ولأن هناك أسباباً عطلت إنجاز هذه المهام بصورة مقصودة، فقد تحول الزمن إلى عنصر غير وحيد في العملية. كان ذلك رأياً يمنياً ورد لأول مرة مكتوباً بوضوح في ورقتنا التي قدمناها بشأن ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.

إن هذا التوافق يتطلب تفاهمات مشتركة بصورة دائمة، ما يعني الحضور القوي للعقل اليمني وللإرادة اليمنية في المعادلة، حتى يصبح تنفيذ القرار ملبيا للهدف المعلن، وهو ما يعني أن اليمن لا يجب أن يفقد شروط استخدام هذا العقل والإرادة معاً. وقواعد العمل تقول إن الفترة الانتقالية لا تزال محكومة بروح التوافق بين القوى المتحاورة، وأن أي محاولة للتفرد بالقرار من قبل أي طرف إنما هو خروج على قواعد التسوية. فكيف سيتعامل مجلس الأمن مع ذلك؟ وهل سيعتبره مظهراً من مظاهر العرقلة؟

بمجرد أن يبدأ العمل من خارج القواعد المتفق عليها فإنه يصعب التحكم، بعد ذلك، في التداعيات التي تنشأ عن هذا الخروج. ونعرف تماماً أن جانباً مما واجهه البلد من صعوبات، خلال السنتين الماضيتين، هو بسبب الخروج عن القواعد التي حكمت التسوية السياسية؛ مثال على ذلك صمت العديد من الأطراف على موضوع النقل الكامل للسلطة من الرئيس السابق إلى الرئيس التوافقي، بمن فيهم رعاة المبادرة أو شركاء العملية السياسية، حيث تعلل بعضهم بأن الاتفاق لم ينص على ذلك، بينما هم يعرفون تماماً أن ذلك لم يكن صحيحا بالمطلق، فتعريف نقل السلطة شمل جانبها السياسي على نحو لم يترك مجالاً لأي تأويل مخالف لهذا التعريف. انتظر الجميع أن تقوم اللجنة، التي صاغت الآلية التنفيذية، بتوضيح الحقيقة؛ لكننا لم نسمع غير حشرجات لا تلتئم في جملة مفيدة واحدة. وصمت الجميع عن عدم تشكيل لجنة التفسير التي نصت عليها الآلية التنفيذية.

ظللنا نثير موضوع نقل السلطة على مدى سنتين، في معارك لم نكن نستهدف منها أحداً بعينه، بقدر ما كنا ننبه لقضية أساسية، وهي أن حلقات العملية السياسية مترابطة، وأن أي تعثر يصيب إحداها لا بد أن ينعكس سلباً على مجمل العملية. تعرضتُ شخصياً، بسبب هذا الموضوع، لمتاعب كثيرة، ولم أكتشف أن هناك حسابات مغايرة للكثيرين، بشأن هذا الموضوع، إلا في وقت متأخر. فهناك من كان يريد عدم نقل السلطة لأغراض تمديد الفترة الانتقالية، وهناك من لا يريد الخوض فيها حتى يبقي الحبل ممدوداً مع "أوليجارشية" النظام القديم، وهناك من كان يضع يده على قلبه خوفاً من سقوط السلطة كلية بيد معارضي "صالح"، ومن ثم يغض الطرف عن عدم نقل السلطة، من هذه الزاوية... وهناك من كانت له حسابات أن يبقى هذا البلد في حالة من الاضطرابات الدائمة، وألا يقدم نموذجاً في المنطقة للحل الثوري السلمي، فعند هؤلاء لا بد أن تكون الثورة دماء وحروبا وطريقا مجهولا، حتى لا يفكر أي شعب في اللجوء إليها كخيار أو كوسيلة للخلاص من الأنظمة السياسية الفاسدة والمستبدة...

ثم لا يجد كل هؤلاء، بعد ذلك، حرجاً من الحديث عن العقوبات التي سيتعرض لها معرقلو تنفيذ مخرجات الحوار الوطني!

إن من يتتبع مسار هذه العملية المعقدة، منذ بداياتها، سيجد أن جذور العرقلة قد جرى ترسيمها بالتغاضي عن أكثر الممارسات ضرراً بها، وهو ما جعلها تبدو وكأنها قد صممت لأغراض مختلفة عما يبشر بها.

ومع المدى، ومع بدء الانتقال العملي إلى الأرض لتطبيق حسابات موازين القوة، في سياق ترتيب وضع السلطة القادم، بدأت قواعد اللعبة تتغير، وأخذ البعض يكيف نفسه مع القواعد الجديدة؛ فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن أخذ نسيج العملية يتعرض لقدر من الاهتراء، وراحت الفجوات تملأ رقعة النسيج، وهي الفجوات التي أخذت تتسع مع كل قرار يتخذ خارج التوافق لتعزيز مكانة أطراف بعينها في معادلة السلطة، كما حدث بصورة مشهودة حتى الآن. وبدا أن هناك درجة عالية من النزوع نحو السير في هذا الطريق.

ولا بد من التأكيد هنا، أن من قواعد العملية السياسية الرئيسية، خلال المرحلة الانتقالية، تلك التي تتمثل في تعزيز الوفاق والشراكة السياسية لتذليل حل القضايا التي تحتاج إلى مبادرات سياسية وطنية كبرى. غير أن تعطيل هذه المبادرات، باستخدام تحالفات ذات أهداف ضيقة وصغيرة وتكتيكية، قد أفسد مسار العملية السياسية، وأنتج مجرد إرادات تحكمية أضرت كثيراً بروح التصالح، التي كان من الممكن أن تشكل أرضية مناسبة لمبادرات أخرى كان عليها أن تصفي مجرى العملية السياسية. إن قضية كبرى مثل القضية الجنوبية ستظل عالقة في مجرى العملية السياسية، ولن يجدي نفعاً أن نشهر في وجهها قرار مجلس الأمن، بتفسيرات لا تخدم إلا توجهات الأطراف التي عطلت تلك المبادرات وتعسفت حلها حلاً عادلاً.

عن الاشتراكي نت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.