يحتفل العُمال في العالم بعيدهم العالمي في الأول من مايو من كل عام، خصصته الأممالمتحدة تخليداً لجهودهم ومساهماتهم الكبيرة في بناء المجتمعات وتطوير الاقتصاد. كما يُعد فرصة لتسليط الضوء على حقوق العمال والدفاع عنها، بالإضافة إلى تحسين ظروف العمل، وتعبيرا عن التضامن بين العمال في مختلف القطاعات والدول، وهو أيضاً تذكير بأهمية العدالة الاجتماعية والكرامة في بيئة العمل.
في حين تحولت المناسبة لدى العمال في اليمن إلى ذكرى سنوية تُذكّر بمعاناة مستمرة من الفقر المدقع وانتهاك الحقوق والعمل القسري المجاني، ومصادرة أبسط مقومات العيش الكريم.
يستيقظ "كمال" قبل شروق الشمس، باحثاً عن أي عمل يعود عليه بمبلغ يمكنه من شراء قوت يومه لأطفاله الأربعة.
كمال، معلم، أجبرته الحرب على ترك مهنته، والبحث عن أي عمل يؤَمٍن له ولأسرته الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية، ترك مهنة التعليم مجبرا، كما يقول، بعد انقطاع الرواتب منذ سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر2021.
بعد ثماني سنوات من انقطاع الرواتب تحول لهيكل عظمي يحمل على كتفيه أثقال حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، ينتظر على الرصيف حتى ساعات متأخرة لعله يرجع لأسرته بكيس من الرغيف.
قصة كمال نموذج لمئات الآلاف من الموظفين الذين تحولوا في سنوات الحرب التي فرضتها مليشيا الحوثي، إلى عمال بالأجر اليومي، وينتظرون مساعدات تقدمها منظمات إنسانية بين حين وآخر.
يقول كمال، في حديثه ل الصحوة نت" إنه يضطر أحيانا للعمل في مهن لا تليق به كمعلم، فقط ليجد قوت يوم لأطفاله.
يتحدث بحسرة حين اضطر يوما للعمل في نظافة أحد الأحياء الراقية مقابل 5 آلاف ريال، يضيف "كنت أبكي، لو أن أحد طلابي يشاهدني، أين وصل بنا الحال".
ما يؤلم "كمال" أن مليارات من الريالات تذهب هنا وهناك، في فعاليات طائفية، أو تذهب إلى جيوب قيادات مليشيا الحوثي، بينما هو وأمثاله يموتون جوعاً.
يتابع.. " نحن لسنا أرقاماً في التقارير الدولية، نحن بشر لنا كرامة ولنا أحلام".
الفقر وانعدام الرواتب
يعاني العمال اليمنيون من وطأة الحرب والظلم وسطوة المليشيات، وتحولوا من عماد المجتمع إلى أشباح يتسولون حياة بأبسط مقوماتها، انعدمت فرص العمل وانقطعت الرواتب وذهبت خيرات البلاد إلى جيوب ثلة من سماسرة مشاريع الطائفية والكهنوتية.
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن أكثر من 80% من السكان في اليمن يعيشون تحت خط الفقر، بينما يُعاني مليون ونصف عامل من انعدام الأجور أو تأخرها لشهور، وأحياناً لسنوات، ففي القطاع الحكومي لم يتقاضَ أكثر من 1.2 مليون موظف رواتبهم منذ عام 2016، وفقاً لتقرير سابق صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن. يؤكد عضو اتحاد نقابات عمال اليمن، عبد الله النهمي، أن العمال في اليمن يعيشون في ظروف أشبه بالعبودية الحديثة.
وأضاف في حديثه ل "الصحوة نت" أن أكثر من 70% من المعلمين والموظفين الصحيين لم يحصلوا على رواتبهم منذ سنوات، ومع ذلك يُجبرون على العمل تحت التهديد بالاعتقال والفصل و الحرمان من أي دعم إنساني.
كوادر منهكة دون أجر
أما في القطاع الصحي، فقد كشفت منظمة "أطباء بلا حدود" أن 52% من العاملين في المستشفيات الحكومية في صنعاءوالحديدة يعملون دون رواتب منتظمة، مما دفع كثيرين إلى ترك العمل أو الاعتماد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. طبيبة في مستشفى الثورة بصنعاء" فضلت عدم ذكر اسمها، قالت: "نعمل منذ سنوات دون رواتب، والمستشفى صار يفتقر إلى أبسط الخدمات.
وأضافت في حديثها ل "الصحوة نت" أن كثيراً من الزملاء اضطروا إلى ترك عملهم والعمل لدى القطاع الخاص لتأمين لقمة العيش، بينما يُجبر الباقون على الاستمرار في العمل خوفاً من الفصل وإسقاط الخدمة فضلا عن الملاحقة الأمنية."
عودة عصور الاستعباد
تتجاوز معاناة العمال اليمنيين مسألة الرواتب المتأخرة، حيث تُوثّق تقارير حقوقية انتشار ظاهرة العمل القسري، خاصة في المناطق الريفية والمنشآت العسكرية التابعة للحوثيين.
في تقريرها الأخير ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن ما لا يقل عن 15 ألف مدني بينهم أطفال تم إجبارهم على العمل في مشاريع عسكرية أو زراعية دون مقابل خلال العامين الماضيين.
أحمد، أحد النازحين من منطقة الحديدة، قال: إن مليشيا الحوثي احتجزته مع مجموعة من الشباب واجبروا على حفر الخنادق في "التحيتا" وتحميل الذخيرة للجبهة.
وأضاف في حديثه ل "الصحوة نت" أنهم كانوا يعملون 8 ساعات يومياً دون طعام كافٍ، وأي محاولة للهرب كانت تعني القتل وفي أحسن الأحوال التعذيب، يقول "لذلك قررت الهرب مع أسرتي من الحديدة".
ذكرى قاسية وواقع مرير
لا تقتصر الانتهاكات على الحرمان المادي، بل تمتد إلى قمع أي محاولة للمطالبة بالحقوق، فقد حل الحوثيون النقابات العمالية المستقلة، واستبدلوها ب"لجان" موالية لهم، تُستخدم كأداة لمراقبة العمال ومعاقبة أي معارضين. وفي هذا الصدد يؤكد "محسن باقر"، ناشط حقوقي، أن مليشيا الحوثي اعتلقت العشرات من قادة النقابات العمالية في صنعاء وتعز.
وأضاف في حديث ل "الصحوة نت" أن بعض أعضاء النقابة لايزالون في السجن، بتهمة "الخيانة"، لأنهم طالبوا بصرف الرواتب المتأخرة أو تحسين ظروف العمل.
يرى عبد الحميد، معلم، أن عيد العمال يمر على العمال والموظفين اليمنيين كتذكير قاسٍ بواقع مرير، حيث تحولت فئة العمال إلى ضحايا لمليشيات تحكم بالحديد والنار، وبين الفقر المدقع، والعمل القسري، وقمع الحريات.
وأضاف أنه لم يعد هناك مكان لأي حديث عن حقوق أو كرامة إنسانية، في هذه الأوضاع التي لا يستطيع الموظف أو العامل الحصول على قوت يومه ليعيش بكرامة بعد أن نهبت المليشيات الحوثية الأخضر واليابس.