يعيش الصحفي محمد المقري بغرفة صغيرة لأحد أصدقائه بمدينة مارب، لا يمتلك مصدراً للدخل وظروفه المادية والنفسية في مستوى سيء. تعرض المقري لملاحقات من قبل مليشيا الحوثي منذ 2012، بسبب كتاباته وآرائه ضد الجماعة وحربها ضد اليمنيين في دماج وغيرها من المناطق. كما تعرض المقري للسجن عدة أشهر، وأصيبت زوجته بنوبة قلبية خوفا وقلقا على حياة زوجها، دخلت على إثرها في غيبوبة إلى أن فارقت الحياة. لم يكن المقري يعلم بما حدث لزوجته، وبعد أشهر سمح له بالاتصال مع أسرته، وعندما سأل عن زوجته يريد التحدث معها، سمع الرد " عظم الله أجرك" يقول المقري "خبر وفاتها نزل علي كالصاعقة وزاد من مآساتي ومعاناتي، كنت آمل أن أجتمع بها لكن القدر باغتها بسبب مهنتي". وضع معيشي وصحي سيء يعيشه المقري، لا يستطيع أن يوفر حاجاته الأساسية، ليس له مصدر للدخل، يقول المقري في حديثه ل " الصحوة نت" إنه حصل على وعود بمساعدته من وكلاء بوزارة الاعلام، ومن مدير مكتب محافظ مارب، لكن تلك المذكرات الصادرة من قيادة محافظة إب ومكتب مقاومتها لا زالت في أدراج تلك الجهات. عمل المقري في صحيفة "أخبار اليوم" اليومية مراسلا من محافظة إب، كانت معظم كتاباته وتقاريره حول مليشيا الحوثي وجرائمها، في 2012. وذكر تقرير الرصد ل منظمة صحفيات بلا قيود أن المقري تعرض للتهديد بالتصفية من قبل جماعة الحوثي.
صحفيون فروا بحياتهم قصة الصحفي المقري أنموذج يلخص وضع الصحفيين اليمنيين سواء في المحافظات المحررة أو المناطق التي لا تزال تحت سيطرة مليشيا الحوثي.
في حديثه ل "الصحوة نت" قال رئيس مركز العاصمة الاعلامي، عبدالسلام الغباري، إنه ومنذ سيطرة مليشيا الحوثي على الدولة أُجبر عشرات الصحفيين خصوصا الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لمليشيات الحوثي، على ترك العمل في الصحافة خوفا على حياتهم، ولجئوا للبحث عن مصادر أخرى بسبب ما يتعرض له الصحفيون من اختطاف وتعذيب أو يصل الحال إلى التصفية. عشرات المؤسسات الإعلامية في مناطق سيطرة المليشيات تم نهبها واغلاقها، منها 70 اذاعة محلية أغلقتها المليشيات ونهبت محتوياتها، مضيفا الوضع لا يختلف في مناطق سيطرة الحكومة فالصحفيين يعانون من تدني رواتبهم ومستحقاتهم الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على حياتهم المعيشية ووضعهم الصحي والنفسي. عشرات الصحفيين والإعلاميين يعيشون ظروفا صعبة وسيئة بسبب وضعهم المادي، سواء بفقدان مصادر رزقهم في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، او لعدم صرف رواتبهم ومستحقاتهم، منذ سنوات من قبل حكومة الشرعية، ما دفع بهم الى براثن الفقر والجوع. منتصف مارس الماضي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للإعلامي صدام حسن، مذيع الأخبار في القناة الرسمية "اليمن"، في أحد الأسواق بائعا للقات، بعد رفضه العمل مع مليشيا الحوثي، ما أثار سخطا شعبيا واسعا ضد الحكومة اليمنية التي تخلت عن الإعلامي صدام وأمثاله. والأسبوع الماضي ، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة للصحفي فيصل دبوان، الذي يعمل حاليا في بيع الثلج في شوارع صنعاء، وتعرض للسجن من قبل المليشيات الحوثية لرفضه دفع مبالغ مالية.
سياسة التجويع يؤكد ناشطون أن دبوان تنقل خلال السنوات الماضية في أعمال عدة شاقة، ليستقربه الحال في بيع الثلج، ورغم ذلك لم يسلم من تسلط المليشيات وعناصرها المسلحة بشكل شبه يومي. وفي بيانها بمناسبة يوم الصحافة اليمنية، التاسع من يونيو الجاري، أتهمت نقابة الصحفيين اليمنيين الحكومة اليمنية باعتماد وممارسة سياسية التجويع ضد الصحفيين، مستغربة رفض الحكومة تسليم رواتب العاملين في وسائل الإعلام الرسمية منذ العام 2016.
وأدان البيان التصرفات غير المسؤولة وسياسة اللامبالاة التي تنتهجها السلطة (رئاسة وحكومة) تجاه معاناة العاملين في الحقل الإعلامي وعدم توفير الحد الأدنى من العيش الكريم.
غياب الدور النقابي نقابة الصحفيين هي الأخرى في قفص الاتهام عند كثير من الصحفيين، ويتهم بعض الصحفيين النقابة بالتخلي عن قضايا ومشاكل الصحفيين، إلا من بيانات تعزية وتضامن مع ضحايا الانتهاكات، وتركها لبقية مهامها في التدريب والدفاع عن حقوق الصحفيين. وفي حديث ل "الصحوة نت" مع عدد من الصحفيين انتقدوا دور قيادة نقابة الصحفيين وعدم القيام بواجبهم في ايجاد الحلول لمشاكل الصحفيين، في ضل غياب معظم قيادة النقابة خارج البلد وعدم معرفتهم بالواقع السيء الذي يعيشه زملاءهم الصحفيين تحت ظروف الحرب والجوع معا. واقع مرير يعيشه معظم الصحفيون اليمنيون، يتربص بهم الموت جوعا أو في السجون، او الاهمال من قبل الحكومة والنقابة أيضا. يمتد ألم الصحفيين ووضعهم المعيشي إلى أسرهم وزوجاتهم، فهناك صحفيون مختطفون منذ سبع سنوات في سجون المليشيات الحوثية وتنظيم القاعدة، لا تعرف أسرهم متى سيعودون وتحويل ملفهم الانساني إلى ملف للمقايضة كجريمة تباركها الأممالمتحدة تضاف إلى قائمة الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون اليمنيون.