محمد الجنيد، معلم لغة انجليزي، ترك مهنة التعليم، ولجأ للعمل كمترجم بالقطعة مع جهات تجارية وإعلامية بمدينة مارب، نزح الجنيد من محافظة ذمار قبل أربع سنوات، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن من اللقاء بأسرته. يقول الجنيد لموقع "الصحوة نت" إنه رغم المعاناة والشتات لكنه في حال أفضل بكثير من زملائه الذين لا يتقاضون مرتبات في مناطق سيطرة المليشيات منذ ثمان سنوات". لا يستطيع الجنيد أن يجتمع بأسرته، فلا راتب معه ولا دخل منتظم، وآخر راتب استلمه في مارس 2015، كما يقول، إضافة إلى عدم قدرته على إيجاد سكن بسبب ارتفاع الإيجارات بشكل مهول.
أوضاع مأساوية رغم الفارق الكبير بين مناطق سيطرة المليشيات والمحافظات المحررة من حيث الحرية وانتظام الراتب الشهري، لكن غلاء المعيشة والنزوح وضعف الراتب هي الهم المؤرق للمعلم مما يجعله غير قادر على توفير احتياجات أسرته. المعلم محمد مسعد، نازح بمحافظة أبين، تحدث بوجع عن وضعه ووضع زملائه، المعلمين، حيث يقول " إن راتب المعلم لم يعد يكفي، فهناك من المعلمين يستلم راتب أقل من قيمة الكيس الدقيق الذي بلغ قيمته 45 ألف ريال". وأضاف مسعد لموقع "الصحوة نت" أن المعلمين اليوم بسبب الوضع والغلاء أصبحوا عازفون عن التعليم ويبحثون عن أي عمل آخر لتوفير احتياجات أسرهم، ما جعل التعليم وهي الرسالة الأهم والأشرف لدى المعلمين، مهنة ثانوية مع الأسف". لم يعد المعلم يعزف عن عمله فحسب بل إن بعضهم يدفع بأبنائه للبحث عن عمل بدلا عن الدراسة لمساعدة آباءهم في توفير احتياجات الأسرة، هكذا تحدث محمد مسعد بحرقة، مشيرا إلى أن فئة المعلمين تحولت بسبب الحرب والنزوح إلى فئة مهمشة بالمجتمع. يقول المعلم ثابت عطاء، "من المشاكل التي يعاني منها المعلم، عدم إضافة الزيادة السنوية التي أقرت، والراتب لا يزال كما هو قبل 8 سنوات، رغم الغلاء وتدهور العملة".
خذلان المعلم يضيف عطاء أن الراتب لم يعد يكفي للمصروف اليومي، ناهيك عن الايجار وتوفير المواد الغذائية التي تواصل أسعارها في الارتفاع، إضافة إلى تأخر الرواتب لشهرين ما يزيد من معاناة المعلم، وهذه المشاكل تؤثر على أدائه في عمله وبعضهم يذهب للبحث عن اعمال إضافية أخرى لتغطية احتياجات أسرهم. يتفق المعلم عبده شعلان، من محافظة تعز مع زملائه في أبينومارب، بان الراتب لم يعد يكفي ابسط احتياجات أسرته. يقول شعلان ل "الصحوة نت" إن المعلم سحقته الأوضاع الاقتصادية، وانه تعرض للخذلان من الجميع، يقصد الحكومة، مطالبا بتوفير حياة كريمة للمعلم بمنحه راتبا يمنحه وأسرته حياة كريمة له ولأسرته". وأضاف لا يستطيع المعلم القيام بواجبه، في ظل هذه الأوضاع من ارتفاع جنوني للأسعار وتدهور العملة، فلا يستطيع الاهتمام بتوفير احتياجات أسرته وتعليم أولاده، وغيرها من المتطلبات الأساسية للأسرة. تضاعفت هموم وأوجاع المعلمين اليمنيين عام بعد عام، بسبب الغلاء وانهيار العملة المحلية وضعف الراتب الذي يتلاشى أمام متطلبات الحياة الأساسية، بل لم يعد يكفي لأبسطها. 60 % من المعلمين قطعت رواتبهم نقابة المعلمين اليمنيين وفي تقرير أصدرته في مايو الماضي، أكدت ارتكاب مليشيا الحوثي أكثر من 49 ألف انتهاك بحق قطاع التعليم منها مقتل 1583، معلما، بيهم 22 معلما قتلوا تحت التعذيب، وإصدار أوامر اعدام بحق عشرة معلمين. يؤكد التقرير إصابة نحو 2700 آخرين، وتعرض المئات للتعذيب النفسي والاختطاف والاخفاء القسري وغيرها من الانتهاكات.
وأشار التقرير إلى أن 60% من المعلمين قطعت رواتبهم منذ سبتمبر 2014، و924 معلم تم فصلهم من وظائفهم واستبدالهم بعناصر من الجماعة. وفي بيان لها الجمعة الماضية أكدت نقابة المعلمين أنها تتابع باهتمام وقلق بالغين الوضع الكارثي الذي وصل اليه حال المعلمين والمعلمات والتربويين والتربويات في المحافظات المحررة ومناطق سيطرة ميليشيا الحوثي. وطالبت بإلزام مليشيا الحوثي بصرف المرتبات بمناطق سيطرتها، مؤكدة أنه ضاق الحال بالمعلمين والمعلمات الملزمين بأداء واجبهم دون مقابل، مضيفة: "وهذا أكبر انتهاك لحقوق الإنسان". وأضاف بيان النقابة، أن "الرواتب التي يتم صرفها للمعلمين في المناطق المحررة، لم تعد تكفي لأدني احتياجهم، بل لا يكاد الراتب يفي بالتزام واحد من الالتزامات المعيشية الأساسية". وطالبت نقابة المعلمين اليمنيين، مجلس القيادة الرئاسي، برفع رواتب المعلمين بما يتماشى مع الوضع المعيشي في البلد، وصرف جميع المرتبات السابقة، وفوارقها المقرة من الحكومة. كما ناشدت المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان وعلى رأسها الأممالمتحدة ومبعوثها إلى اليمن والمجتمع الدولي إلى الضغط على مليشيا الحوثي بصرف المرتبات التي أوقفتها منذ أكثر سبع سنوات.