تقسيم اليمن وتفتيته إلى دويلات صغيرة متناحرة بات وشيكاً، ترسم حدودها حراب البنادق لا إرادة الشعب، فهل تجاوزت الأحداث حلم اليمنيين بدولة واحدة تجمعهم على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم، أم مازال لهذا الحلم ما يبرر وجوده؟ أم هذا التجزيء والتدمير منهجية اختارتها العصبة الحاكمة في البلاد؟ تصاعد موجات العنف المدمر في اليمن بما خلفته من مآس ومحن، تستدعي حزمة من الاسئلة، ما سر اقتران العنف مع تشكيل ملامح الدولة في مرحلة مابعد انتهاء الحوار الوطني؟ هل الخارطة السياسية الجديدة مقدمة لاقتسام التركة؟ والأقاليم الناشئة هل هي دويلات؟ وماذا يحمل الدستور الجديد في جعبته؟ ومن يتصدى لاستحقاقات الوضع الاقتصادي والاجتماعي؟
الشعب اليمني عند خروجه في ثورة 2011 كان يحلم بدولة مدنية تجمع ولا تفرق، تقتص من الجناة، تحاكم الفاسدين وتزجهم في السجون، ترفع الحد الأدنى للأجور، تراعي حقوق الإنسان، تحفظ كرامة المواطن، ولكن النتائج كانت خلافاً للتوقعات، مزيد من القمع والكبت ومصادرة الحقوق، تراجع في معدلات التنمية، ارتفاع نسب البطالة، والجوع!
الدولة اليمنية اليوم تتعرض للتدمير الداخلي، تتجة نحو هاوية لا يعرف قرارها، هي في طريقها لدولة فاشلة بشرنا بها المخلوع علي عبدالله صالح، وبدأ الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي بوضع لبناتها الأولى بترك الباب مفتوحاً لقادة الدولة العميقة وأتباعها بالتآمر على الثورة ومنجزاتها، وإفساح المجال طوعاً أو كرهاً للمليشيات المسلحة للسيطرة على مساحات واسعة من البلاد، وكف يده عن ملاحقة الفاسدين والمتلاعبين بمقدرات الدولة، واكتفى بدور المتفرج على أحداث بلد يتربع على قمة عرشه.
مقدمات التدمير والدولة الفاشلة ظهرت جلية في تراجع هيبة الجيش الوطني وقدرته على تحقيق الأمن والاستقرار والدفاع عن الدولة ومكتسباتها، وذلك بعد سلسلة هزائم وإخفاقات في تعاطيه مع واقع فرضته المليشيات المسلحة (الحوثي – القبائل – الحراك المسلح - القاعدة)، ولعل ما حدث في عمران من استحلال المدينة وتهجير أهلها، وذبح 14 جندياً في حضرموت، خير دليل على فشل الجيش وضياع هيبته وسطوته.
بالمقابل تسبب فقدان السيطرة الأمنية، وغياب مظاهر الدولة القوية في أجزاء واسعة من البلاد، واقتصارها على العاصمة ومراكز المدن، إلى التعدي على أملاك الدولة، ونشاط عصابات قطع الطرق، وزيادة نسب جرائم الاختطاف، ووجد الكثيرون مقتولين وملقيين على قارعة الطرق الرئيسة أو معلقين على أغصان الاشجار.
الوضع الاقتصادي والمعيشي في اليمن أيضاً إلى انهيار، فالبلد يعيش حالة ركود اقتصادي، وأكثر من نصف السكان يرزحون تحت خط الفقر حسب التقارير الأممية، ونسب البطالة مهولة، ومعدلات التنمية متدنية، وحلول الفريق الاقتصادي كلها تاتي على حساب الشعب، ودائماً مزيد من الضرائب، وارتفاع الأسعار وآخرها رفع سعر المشتقات النفطية.
ويبلغ مسلسل التدهور قمته في التناحر السياسي بين الفرقاء وتصفية الخصوم، مدفوعين بذرائع التخوين، والعمالة للخارج، وكان التمثيل السياسي لهؤلاء الفرقاء داخل الحوار الوطني، مرآة حقيقية للواقع اليمني برمته، بعد تهميش أطراف فاعلة أخرى بينهم الشباب صناع الثورة ووقودها.
في الجانب الاجتماعي اليمن اليوم في مرحلة إعادة إنتاج التمايز الطبقي (السادة، القضاة، رجال الدين، شيوخ القبائل، العامة، المهمشين)، رغم أن الدولة تحرص على شكليات إزالة الفروق الطبيقة، وكبادرة "حسن نية" مثلت المهمشين بعضو واحد في مؤتمر الحوار الوطني، وبذلك زاد تفكك الحاضنة المجتمعية للدولة مقابل الحواضن المناطقية والقبلية.
المدافعون عن حقوق الانسان من منظمات وأفراد أيضاً نالوا حظاً وافراً من التنكيل والاضطهاد، ومازال كثير من اليمنيين مختفين قسرياً لدى الأطراف المتناحرة، ومعتقلو الثورة خلف القضبان، ناهيك عن وضع مزر يعاني منه جرحى الثورة، واستغلال قضيتهم للتكسب غير الأخلاقي أو الإنساني.
ما يحصل من تدمير لمختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية في اليمن يتحمل مسؤوليته النظام الحاكم، سواء اكن هذا التمدير سياسة مرسومة وممنهجة أم لأسباب ودواع خارجة عن السيطرة، وهنا أمام النظام وممثله عبد ربه منصور هادي خيارين، إما أن يبادر للمعالجة، أو يعلن أمام الملأ عجزه وتخليه.