[1] وحدها قناة (العربية) استحقت أن يسميها كثيرون قناة (العبرية) بسبب سياستها الإعلامية العدوانية ضد كل ما هو إسلامي، وسواء أكان سنيا أو شيعيا؛ فلم تسلم منها جماعة إسلامية في السلطة ولا في المعارضة.. لا في الوطن العربي ولا في العالم! وحتى (حماس) التي تخوض معركة مصير مع الكيان الصهيوني لم تسلم منها ومن عدوانيتها التي تجلت في أساليب تغطيتها خاصة للعدوان الصهيوني قبل الأخير (نهاية 2013)، وكانت فضحيتها بجلاجل عندما راحت تبث صورا بالأشعة تحت الحمراء لما زعمته: اقتحام الصهاينة لقطاع غزة؛ بهدف ضرب الروح المعنوية والترويج لانتصارات صهيونية، والذي اتضح بعد فشل العدوان أنها كانت تحركات خارج القطاع بمسافة كبيرة!
لاشك أن قناة (العربية) في سياستها هذه لا تعبر أساسا إلا عن سياسات مالكيها، وليس مديريها التنفيذيين المختارين بعناية والذين هم من غلاة العلمانيين الخليجيين، ولا عن توجهات العاملين والعاملات الذين يتكون قسم غير قليل منهم من موارنة لبنان؛ كما هو الحال تماما في صحيفتي الشرق الأوسط والحياة اللتين تصدران من التوجه نفسه! وعلى الرغم من أن تأسيس العربية كان عملا خليجيا مشتركا مضادا لقناة (الجزيرة) القطرية ذات التوجهات الليبرالية إلى حد ما؛ إلا أن (مالكي العربية) جعلوها تبدو وكأنها تخوض معركة المصير ضد الإسلاميين!
ولو أخذنا أنموذجا فقط من سياساتها وهو ذلك المتعلق بثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا، والظهور الإسلامي الكبير الذي تلاه، فسوف نكتشف بسهولة الموقف السياسي والفكري والديني الذي اتخذته القناة نهجا لها منذ اليوم الأول، ولم تخرج عليه إلا في المرحلة الأولى في الحالة الليبية أثناء ثورة الإطاحة بنظام القذافي قبل أن تعود إلى الأصل بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات الأولى وصولا إلى تحولها إلى صوت الثورة المضادة مع بدء مؤامرة حفتر- السيسي المدعومة صراحة من الإمارات! ولم يشذ موقفها هذا حتى في اليمن لولا الأداء المهني المتميز لمراسلها في اليمن الأخ/حمود منصر الذي نجح في جعلها أقرب للحياد أثناء الثورة الشعبية الشبابية ضد النظام السابق! [2] لم تسلم قناة (العربية) من النقد اللاذع من قبل علماء ودعاة خليجيين مرموقين، ولا سيما بعد أن ظهر عداؤها الصريح للإسلاميين الذين تولوا أو شاركوا في الحكم في مصر وتونس وليبيا، وفاق حتى عداء قنوات المؤامرات المحلية! وكانت وما تزال إحدى أبواق الفتنة والتحريض ضدهم، وبحماس يحسدها عليه المتآمرون المحليون كما يحسدهم عليه الصهاينة أنفسهم!
ولأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، فلم يكن غريبا أن ينقلب السحر على الساحر، ويطاح بمدير (العربية) عبد الرحمن الراشد على خلفية تصريحات لأحد ضيوف برنامج عن الإسلام والغرب (الذين يختارون في العادة بمواصفات معينة تناسب سياسة القناة المذكورة) بثته القناة وفيها تبرير لعداء الغرب للإسلام واتهاماته له بالإرهاب والتطرف بأن السبب في ذلك هم.. الوهابيون!
ولسنا هنا في معرض مناقشة صحة أو عدم صحة الاتهام، لكن من المهم التذكير فقط أن تهم الإرهاب والتطرف في الغرب لا تقتصر فقط على الوهابيين أو الإسلاميين بشكل عام، فكل من يرفض الهيمنة الغربية: سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا منذ مرحلة الاستعمار وحتى الآن، في الوطن العربي أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا أو آسيا فهو متهم بأنه إرهابي ومتطرف، ولو كان علمانيا أو وشيوعيا أو قوميا أو خاليا من أي أيدولوجية.. وسواء أكان يدافع عن وطنه في مواجهة الاحتلال الغاشم أو الغزو الذي يقتل ويدمر.. أو كان مشروعا سياسيا لا يحمل السلاح.. المهم طالما هو ضد الهيمنة الغربية فهو إرهابي متطرف.. وبلحية أو بدون لحية!
تُهم التطرف والإرهاب عندما تصدر من الغرب خاصة ينبغي وضعها بين قوسين كبيرين، ووضع عشرات من علامات الاستفهام أمامها! وخاصة أن تاريخ هذا الغرب في ممارسات الإرهاب الدموي والتطرف الإقصائي تصيب المعتدلين والمرخرخين –لولا بقية عقل واتزان- بالتطرف الأصلي، وتجعلهم إرهابيين من الدرجة الأولى! ويكفي فقط أن نتذكر ما يفعلونه في فلسطينالمحتلة التي كانوا سبب مأساتها منذ البداية وحتى الآن، ومع ذلك فالفلسطينيون الرافضون للاحتلال والمقاتلون ضد الهمجية الصهيونية هم عند الغرب – وكذلك عند قناة العربية- إرهابيون ومتطرفون مثل.. الوهابيين تماما! [3] من مظاهر سوء الخاتمة للراشد وأمثاله، أنه رغم الدور القذر الذي لعبته قناة (العربية) بقيادته ضد ثورات الربيع العربي، إلا أنه لم يسلم من عداوة وحقد الذين كانوا مثله يعدون الربيع العربي مؤامرة صهيونية أمريكية تركية قطرية. فها هم المؤتمريون في اليمن يصفقون لخروج عبد الرحمن الراشد من القناة، و يعدون ذلك عقوبة له على خروجه على توجهات القيادة السعودية المعبرة عن تطلعات الأمة العربية والإسلامية!
جريمة الراشد وقناة العربية عند المؤتمريين ليس في موقفه المعادي للمقاومة الفلسطينية ضد الصهاينة (المتهمين مؤتمريا أنهم وراء الربيع العربي) ولا في عدائه للحركات الإسلامية التي تواجه حربا صليبية من أنظمة متحالفة مع الغرب المتهم عند المؤتمر يين بأنه وراء الفوضى الخلاقة.. لا.. ولا يخطر ببالهم أبدا مثل ذلك بل هم في ذلك على قلب أفجر قلب واحد فيهم.. الجريمة فقط أن القناة مؤخرا أساءت لرئيس المؤتمر الشعبي! مع أنها طوال 3سنوات وهي تسيء دون توقف لقادة الإسلاميين –الذين يعاديهم المؤتمر- من مرسي إلى الغنوشي إلى قادة الإخوان في مصر وتونس وليبيا بأسوأ مما فعلته لأيام معدودة مع رئيس المؤتمر!
أسوا ما في الخاتمة السيئة للراشد أن الميثاق المؤتمرية وصفته بأنه.. بوق للإخوان، وأن خروجه من القناة سيعيدها إلى وضعها الطبيعي بعد أن تحولت إلى.. ناطقة باسم الإخوان! وقطعا فإنه من حسن حظ الرجل أنه لا يقرأ الصحيفة وإلا لو قرأها لآمن بأن الدنيا لا أمان لها، وأن بعض الصحف مثل النساء يكفرن العشير وينكرون فضله مهما عمل لهنّ!
سبحانة..ما أعدله! هذه عقوبة الدنيا فقط أن يصير الراشد بعد كل ما فعله بوقا للإخوان.. يعني ليس حتى عضوا عاديا في تنظيم إخواني محلي، أو حتى إن عمّ البلاء: قياديا عالميا؛ على طريقة غرف الصفات التي يحسنها القوم على من هب ودب!
مدير قناة العربية: بوق إخواني حتة واحدة؟ وقناة العربية: ناطقة باسم الإخوان؟ لا.. بصراحة؛ هذا كثير جدا.. وأخشى على الإخوان فعلا أنهم لم يعودوا يجيدون السرية وإخفاء أنشطتهم الخاصة؛ حتى يصير كشف هوية قيادي خطير مثل الراشد بهذه السهولة، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من تولي أخطر المناصب القيادة في بلده، وربما في الحملة العالمية ضد الإرهاب! وهي حالة تفرض مجددا على المتضررين إعادة فحص إجراءاتهم لتأمين أوراقهم واجتماعاتهم وأفرادهم السريين بعد أن صار بإمكان صحف ومواقع إلكترونية – لا تفرق بين الخبر العاجل وواحد رشوش إسعاف!- كشف أسرارهم ومعرفة تفاصيل اجتماعاتهم وخططهم قبل أن تنتهي.. وربما قبل أن تبدأ! [4] أسوأ (لا نريد استخدام أوصاف مثل أحقر وأقذر) المنتقدين للحوثيين وممارساتهم: هؤلاء الذين ينهون كلامهم وتحذيراتهم لهم بمصير أسود أسوة بما حدث للإصلاحيين يا أولاد (...) حتى عندما تعتريكم الشجاعة فجأة تعجزون عن أن تكونوا منصفين كالرجال؟
متى اقتحم الإصلاحيون المحافظات وأثاروا فيها حروبا أهلية دموية، وسيطروا عليها عسكريا وإداريا، وفرضوا محافظين وقادة عسكريين تابعين لهم رغم أنف الدولة؟ ومتى فرضوا لجانا شعبية في الوزارات والمؤسسات السيادية والموانئ والمطارات والشوارع تتحكم فيها، وصادروا الأختام الرسمية واجتمعوا بالوزراء والمسؤولين وأملوا عليهم التوجيهات؟ ومتى فجروا المساجد والمدارس ودور القرآن الكريم ومدارسه، ونهبوا الجامعات والمكتبات، والمؤسسات العلمية والتعليمية والخيرية والإعلامية؟ ومتى اقتحموا منازل خصومهم ونهبوا ما فيها وفجروها جهارا نهارا؟ ومتى صادروا الدبابات والمصفحات بالمئات، وشكلوا جيشا وشرطة وكيانا سياسيا شبه معترفا به؟ ومتى فتشوا الطائرات والسيارات وقاعات الأعراس؟