2011م, الثالث من يونيو, كان يوماً غيّر مجرى الأحداث التي نشهدها إلى اليوم.. حادث دار الرئاسة - جامع النهدين.. أصيب الرئيس السابق ومعه ثلة من نخبته السياسية والعسكرية بانفجار وقع في جامع الرئاسة, حبست الناس أنفاسها وترقب الجميع, أصيب المحللون السياسيون بالحيرة, ماذا يمكن أن يحدث؟ دار الرئاسة خاوٍ ولا يوجد فيه أحد، بعد إخلاء الجميع بمن فيهم الجرحى, مرت ست ساعات لا يوجد في دار الرئاسة غير السكون والخلاء، وصل ابن الرئيس السابق أحمد علي ومعه عسكره، هكذا كان الحال يوم الثالث من يونيو عام 2011, الوضع غير مستقر والأخبار متضاربة حول الحدث.
حينها كانت السفارتان الأمريكية والسعودية تدرسان الوضع, ووصل اتصال إلى منزل الرئيس الحالي عبدربه من السفارة الأمريكية، إنه السفير الأمريكي. قال السفير: عليك بالتوجّه إلى دار الرئاسة واستلام المهام فأنت نائب الرئيس, لكن الرئيس الحالي رفض. وقال إنه لا يملك قوّة، ولا يستطيع الذهاب إلى دار الرئاسة، ففيها أحمد علي قائد الحرس الجمهوري وابن الرئيس السابق, حينها أغلق السفير السماعة، وتوجه بموكبه وحراسته إلى دار الرئاسة، وأخرج أحمد علي، ووصل موكب الرئيس الحالي ومعه ابنه جلال، واستلموا الدار بوجود السفير الأمريكي وحرسه, هكذا وصل الرئيس الحالي عبد ربه إلى سُدة الحُكم ليصبح الرئيس الداهية ... 21 فبراير 2012م ... الكذبة والخرافة في هذا التاريخ، صوّت اليمنيون شمالاً، ورفض اليمنيون التصويت جنوباً, للرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي على أن يكون الرئيس الحالي بديلاً عن الرئيس السابق علي صالح. واعتقد الشارع عموماً أن منح الرئيس الداهية الثقة الشعبية سيدعم موقفه وسيمكّنه من القيام بمهامه الصعبة, لكن الرئيس الداهية كان يملك معتقدات أُخرى وعقائد مزدوجة المنهج. فهو يرى المشهد مختلفاً عمّا يراه الشعب, حيث يرى أن القوى الخارجية هي من جعلته رئيساً يحكم, يأمر وينهى ويتفلسف, ولهذا لم يعتمد الرئيس الداهية على قوى الثورة والقوى المجتمعية، التي كانت نتاج الثورة وعملية التغيير, ولم يفقه الشارع كذب القيادات الحزبية التي جعلت من الرئيس الحالي "الداهية".
نعم، الرئيس الداهية لم يعتقد يوماً بأنه رئيس للشعب اليمني، ولكن اعتقد أنه رئيس لمن احضروه إلى كرسي الحكم, لقد عاش الشعب هذه الكذبة, كذبة 21 فبراير وكذبة الانتخابات الزائفة، وكذبة الرئيس التوافقي, فهم لم يحصلوا على الرئيس التوافقي، ولكن حصلوا على "الرئيس الداهية" .
الداهية ....... كان للرئيس الداهية خططه الخاصة، وهي نتاج عمل فكري خرافي له ولمجموعته المقرّبة، التي قررت أن معالجة الأزمة التي جاءت بعد ثورة 2011 لا يمكن إلا بالفوضى, فخلق الفوضى سيجبر الجميع على الخضوع, وتحديد من الطرف الذي سيبقى ومن الذي سيذهب. ولكن الداهية ومن معه بدل من ايصال البلاد إلى بر الأمان أضاعوا البلاد وذهبت في داهية. نعم، داهية كان الرئيس، وأضاع البلاد في داهية. فذهبت المؤسسات الأمنية في داهية، وذهبت مخرجات الحوار في داهية، وذهبت المبادرة في داهية، وذهب الرئيس ومن معه في داهية، وذهب الشعب في داهية، وذهب جمال بنعمر في داهية، وذهبت الدول العشر أيضاً في داهية ... ولهذا, حقاً دهاء الرئيس أودى الجميع في داهية بمن فيهم هو. ومن سخريات القدر والتاريخ أن يسجل هذا الحدث السياسي العجيب، والذي يحصل لأول مرّة في التاريخ السياسي.
فاليمن التي تتصدّر دول العالم تاريخياً، والتي عرفت العمل السياسي والدولة منذ الأيام الأولى للبشرية (سبأ وحمير), اليوم أيضاً تتصدّر اليمن دول العالم في الغباء السياسي.
لم يعد لدينا سلطة ولا دولة نذهب إليها, وأصبحت الأمور أكثر ضبابية مع هذه الهرطقة المستمرة في المشهد السياسي. ووجب القول الآن إنه من الضروري إعادة تقييم المرحلة السابقة وترتيب الأوراق السياسية وإيجاد مخرج للداهية التي نعاني منها. فالبلاد بين منزلق الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي أو العودة إلى الوراء؛ إلى نظام تسلطي ديكتاتوري قمعي.. أخيراً: لا يسعني سوى التأكيد على أهمية إعادة تقييم المرحلة السابقة والأخذ احتياجنا إلى سلطة جديدة وخارطة سياسية أوسع وإشراك القوى المجتمعية في المشهد السياسي، بعين الاعتبار، وبدونها لا يمكن حسم المشهد السياسي في إطار ضيّق يخص جهة بعينها أو قوة واحدة.. والله من وراء القصد .