الحوار الذي أجرته قناة «العربية» مع الرئيس علي عبدالله صالح يحمل دلالات واسعة وتحليلات عميقة ؛ وفي هذه التناولة نلتقط -فقط- السؤال قبل الأخير للقناة، وكيف كانت إجابة الرئيس. فبعد أن خاض المحاورون في مختلف القضايا التي تتعلق باليمن ، وتنقلهم بشكل تسلسلي إلى أن وصلوا إلى مناقشة قضايا الفساد، وتقييم هيئة مكافحة الفساد التي بدا المحاورون للرئيس وكأنهم غير مقتنعين بأدائها خاصة مع تزايد انتقادها سواء في السلطة أو المعارضة ؛ سأل مذيع العربية الرئيس حول الفساد الذي اجتاح البلد بدرجة كبيرة ؛ وكيف أن لجنة مكافحة الفساد لم تقم بواجبها في محاسبة الفاسدين ؛ كان رد الرئيس غير متوقع حيث قال : أنا استطيع أن أقول في ضوء ما رفع إلي من تقارير أنها حققت نتائج ممتازة جداً في مكافحة الفساد.. لكن مذيع العربية تابع كلام الرئيس بسؤال آخر : هل حوسب أي مسؤول كبير...؟ أجاب الرئيس: أعتقد أن الفاسد الكبير ما بيمسكوه ؛ بيمسكوا الفاسد الصغير هذا في العالم كله ما مسكوا فاسد كبير... الآن عليك عزيزي القارئ أن ترمي كل مآسيك؛ وتقذف كل همومك الذي كدرت مزاجك؛ وعليك أن تدع التفكير في الحراك الجنوبي وحرب صعدة، والقاعدة، والتصعيدات الأخيرة بين السلطة والمشترك؛ كي تفكر معي كيف كانت إجابة الرئيس حول هيئة مكافحة الفساد. الرئيس يقول إن الهيئة حققت نتائج ممتازة ؛ لم يقل حققت نتائج مقبولة، أو جيدة، لكنه كان متجاوزا لهذه التقديرات، فمن خلال تصحيحه لدفتر هيئة الفساد قام بوضع تقدير امتياز لهذه الهيئة التي يشكك في أدائها الصغير والكبيربمن فيهم رئيس الهيئة وأعضاؤها؛ ليأتي الرئيس مؤخراً، ويقول إن أداء الهيئة كان ممتازا! يا للمفارقة! ما الإنجازات التي حققتها الهيئة؟ من المسؤول الذي تمت محاكمته؛ حتى ولو كان مسؤولا من العيار الأقل من الصغير؟ لماذا ازداد الفساد والفقر والبطالة والأزمات والانتهاكات بعد إنشاء الهيئة؟ لماذا استقال من عضويتها الدكتور سعد الدين بن طالب، وغادر البلد إلى سنغافورة شاكيا من الوضع الذي وصلت إليه الهيئة التي وصفها بأنها أصبحت وكراً للفساد؟ بعد أن سمعت كلام الرئيس أصبت بدوار كبير؛ لم أصدق ما قاله! سألت نفسي، ثم سألت من كانوا بجانبي: ما ذا قال الرئيس؟ فكان الجواب: إأن الرئيس يقول إن أداء الهيئة ممتاز.
فإذا كان أداء الهيئة ممتازا لماذا لم تقم بمحاكمة أي مسؤول كبير ولو واحد فقط ؛ ما أصابني بالإحباط الكبير هو اعتراف الرئيس أن الهيئة لا تستطيع أن تمسك الفاسد الكبير؛ لماذا لا تستطيع أن تمسكه هل لأن الفاسد الكبير لديه سلطة كبيرة على الهيئة، أم انه كما قال الرئيس في العالم كله لا يمسك بالفاسد الكبير؟ إذا كان كلامه صحيحا فلماذا تمت محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود باراك في قضية فساد صغيرة رغم أنه مسؤول كبير؛ ولماذا تمت محاكمة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك رغم أنهما من العالم الذي تكلم عنه الرئيس؟ ولماذ ا لم يتم تسمية الهئية بهيئة مكافحة الفاسدين الصغار كي تكون التسمية أكثر مهنية وأكثر موضوعية؟ إذن علينا أن نؤمن أنه طالما أن الفاسد الأكبر لم تستطع الهيئة أن تمسكه، فعلى الجميع أن يعلن أن الفساد في اليمن في تطور وازدهر بشكل كبير لأن معظم الفاسدين من الدرجة الكبيرة، ولن تستطع الهيئة إمساكهم، لذا نتمنى من الرئيس أن يأمر بإغلاق الهيئة أو تحويل اسمها إلى «هيئة مكافحة الفاسدين الصغار» ؛ أما لماذا لا تستطيع الهيئة محاكمة الفاسد الأكبر، فأعتقد أن الرئيس من يستطيع الإجابة على ذلك.