في العام 2011، كان لدينا عدد من الفاسدين والمجرمين، واليوم عندنا فائض من المسلحين، فائض مخيف يتدفق إلى الشوارع والطرقات في صنعاء، بثقافة رجل الجبل المتوحش، أو المجاهد الخارج للتو من معارك الصحابة الذين سلوا السيوف في وجوه بعضهم بعضا، قبل أكثر من ألف عام. في هذا العالم الفسيح الذي يسكنه أكثر من 7 مليار إنسان تبرز صورة الحوثي المسلح كرجل خارج من العصور السحيقة، وهي الآن في وسائل الإعلام العالمية الصورة الجديدة لليمني الذي يفتك بأخيه اليمني كل يوم. وجوه محاربة فقط، خارجة من المعركة أو داخلة في حرب جديدة، متجهمة ومتحفزة على الدوام، ولديها تصورها العنيف تجاه الحياة، والمرأة.
عندي القصة التالية: رجل قادم من الشارع يتحدث عن جريمة قتل، يصف لمن حوله خيط الدم الذي شق طريقه من تحت الجثة، والسبب التافه الذي قاد إلى الضغط على الزناد. ولأن القصة مكررة، والقتل يحدث كل يوم، يتراجع الاهتمام بهذه الجريمة، ويتوقف المجلس عن الحديث بعد 15 دقيقة تقريباً. بعد قليل يدخل المجلس شخص آخر، ساخط ومتجهم، ويتحدث بوجه غاضب عن المرأة التي وجدها تسير في الشارع بشعر لا يغطيه الحجاب.
في اليمن فقط، أوفي اليمن الذي يبدو في قناة المسيرة مثلاً، سوف ينسى الناس الدم الذي سال، ويتذكرون شعر المرأة. سوف يلعنونها ويردون إليها الأسباب التي أغضبت الله في السماء، وقتلت الناس على الأرض، وتسببت في تخلفنا علميا عن اسرائيل وبقية العالم. اثناء ذلك الصراخ لن يكترث أحد للرجل الذي أرتكب جريمة القتل في الشارع المجاور، إنه مجرد مجاهد حوثي آخر، يتوضأ ويذهب إلى المسجد كل يوم.
هذه واحدة من أكثر القصص التي تخنقني، ذلك أنها تعكس الاختلال الرهيب للقيم التي يحملها هؤلاء المسلحون في طريقهم إلى السلطة والحكم وفرضها بالقوة، أثناء ذلك يكفرون بالآيات القرنية والأحاديث النبوية التي يدعون ليلاً ونهاراً أنهم متمسكين بها أو يحاربون لتطبيقها.
لا أحد من أبناء المسيرة القرآنية له علاقة بالقرآن الذي ينال فيه القاتل أكثر الآيات تهديداً ووعيداً، ولا أحد له علاقة بالعالم الفسيح والمتنوع من حولنا، إنهم مجاهدون فحسب، وعندما يتوقف القتل سيفقدون وظيفتهم، لذلك يستمرون في هذا الطريق الذي ينتهي بهم وبنا في الجحيم.
قبل أربع سنوات، في مثل هذا الشهر تحديداً، خرجت إلى الشارع وهتفت ضد نظام صالح، ولو عاد بي الزمن لما ترددت في الخروج مرة اخرى، لأني لم أكن أعلم الغيب، أو بالمآلات الكارثية التي انتهت إليها الثورة.
خرجت بالأمس وسأخرج اليوم لو كنت في صنعاء، لأنه ليس لنا من بلد آخر سوى اليمن، وأكره أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام القتل وضد انتهاك الحريات، وضد إبقاء هذه البلاد في قبضة الشرير القاتل.