التعليم نعمة من نعم الله على الإنسان، لا يقدرها ولا يعرف أهميتها إلا من حُرم منها. فمع بداية القرن الحادي والعشرين ازدهرت العلوم وتطورت التكنولوجيا، وزاد وبشكل ملحوظ عدد المتعلمين.. ولكن لازلنا- للأسف- نقيس عددهم بمقياس الكم ونتناسى أو نهمل مقياس الكيف. أصبحنا نسمع عن أرقام لا تحصى لأعداد المتعلمين والخريجين من مختلف التخصصات، وأرقى الجامعات المحلية والأجنبية، لكنا لا نسمع إلا القليل عن المتعلم (الفاهم) الذي يعرف لماذا تعلم، وكيف سيطبق ما تعلمه على الواقع، المتعلم العارف بأمور الحياة، وكيفية مسايرة مجرياتها.
من النادر أن أجد متعلماً يتصرف بحكمة، يملك نفسه عند الغضب، لا يستخدم الألفاظ النابية مع من أساء إليه.
بعض المتعلمين - للأسف- لا يعترف بوجود من هم أحسن منه، يريد أن يفرض سيطرته على من هو أضعف سلطة منه، سواءً كان على مستوى الأسرة مع الزوجة والأولاد والأقارب، أو على مستوى العمل، أو حتى على مستوى المجتمع بشكل عام.
إنه يتعامل مع الجميع وكأنه في معسكر، لغة أنا الأكبر ورأيي هو الذي سيطبق على الجميع لا تتيح الفرصة للآخر أن يعارض، أو أن يبدي رأيه.
يتجاهل تماماً أن هناك من يريد أن يتكلم، ويعبر عما بداخله. هناك من يتمنى أن تسمعه ولو لمرة واحدة، لكنك بتعاملك هذا جعلت بينك وبين الآخرين مسافات، عزلت نفسك عن العالم، وشوهت صورة التعليم والمتعلمين، جعلتنا نفتخر بمن لم يتعلموا لكنهم فهموا أن الابتسامة هي بداية الطريق إلى القلوب، وأن العنف لا يولد إلا عنفاً.
إن الزمن تغير وأسلوب القمع وفرض الرأي على الآخر قد انتهى، وإن الحوار والتفاهم هو البدليل لحل جميع القضايا.
فلو أنك عزيزي المتعلم قدرت النعمة التي حباك الله بها، وهي أنك تعلمت لكي ترتقي بنفسك لا بشهادتك، لو أنك تدبرت في قوله عز وجل «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» لعرفت أنه بالعلم ترتقي النفوس، وإذا ارتقت النفوس ارتفعت الأمم وتطورت، فهل ستقدّر ما أنت فيه وتتواضع، وتتحاور مع الآخر، أم ستظل كما أنت وتظل النظرة قاص.