تركيا رغم علمانيتها التي لم تشفع لها لدخول الإتحاد الأوروبي , ورغم الشروط المذلة التي فرضت عليها , وديون البنك الدولي المتراكمة عليها , ومعدل التضخم الذي وصل مستويات خطيرة أصبحت فيها أصغر ورقة نقدية تحمل على جبينها ستة أصفار. فقد تغيرت أوضاعها الاقتصادية والسياسية رأساً على عقب عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2004م , وتطور نشاطها الاقتصادي بشكل كبير وزاد حجم التبادل التجاري مع دول العالم من 180مليار دولار إلى ما يقرب من 500 مليار دولار , وارتفع معدل دخل الفرد من 3300 دولار إلى 10000دولار سنوياً , وبمعدل نمو يتراوح بين 7% و9% على مدى ست سنوات وغزت بمنتجاتها وشركاتها أسواق الشرق الأوسط وأوروبا ,ووقعت اتفاقيات شراكة اقتصادية وتجارية مع العديد من الدول . أما في الجانب السياسي والدبلوماسي فقد تبنت إستراتيجية الانفتاح على الجميع وخاصة الدول العربية والإسلامية ,العمق الاستراتيجي تاريخياً وسياسياً وجغرافياً لتركيا , وهي بذلك توجه صفعة للإتحاد الأوروبي , الذي وضع أمامها العراقيل العديدة حتى لا تصبح عضوا فيه .كونها دولة إسلامية بعدد سكان يزيد عن سبعين مليون نسمة, فيما يعتبره الأوروبيين تهديداً إستراتيجياً للهوية المسيحية لإتحادهم , وبالرغم من توجهها شرقاً إلا أنها لم تيأس ولم تغلق باب المفاوضات مع الأوروبيين. وحاولت جاهدة على حل الأزمة السياسة مع أرمينيا على خلفية ما يدعيه الأرمن بجرائم إبادة تعرضوا لها أثناء العهد العثماني , وبسبب احتلال أرمينيا لإقليم قره باخ الأذري .
وهناك اتفاقية لتطبيع العلاقات وفتح الحدود بين البلدين. وفي الوقت نفسه مدت الجسور مع إيران وكسبت ثقتها فقد وافقت الأخيرة على تبادل اليورانيوم المخصب على أراضي تركيا وبمشاركة البرازيل ولكن هذه الاتفاقية لم تحظ بترحيب الولاياتالمتحدة وحلفائها.
أما الصراع العربي الإسرائيلي فقد أحتل أولوية في السياسة التركية , وحاولت تركيا تقريب وجهات النظر بين إسرائيل وسوريا , واستضافت جولات من المفاوضات غير المباشرة التي توقفت بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة , وعلى خلفية تلك الحرب صعدت تركيا من حملتها الدبلوماسية ضد إسرائيل وكلنا نتذكر انسحاب أردوغان من مناقشات منتدى دافوس عندما كان بيريز يبرر للعدوان .
وازدادت العلاقات تدهوراً بعد إهانة سفير تركيا من قبل نائب وزير الخارجية الإسرائيلي , والذي هددت تركيا بسحب سفيرها ما لم تعتذر إسرائيل رسمياً وخطياً وكان لها ما أرادت . أما دور تركيا في تسيير أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة فقد تكلل بتسعة شهداء في عرض البحر الأبيض المتوسط قتلتهم البحرية الإسرائيلية , واستطاعت تركيا وضع حصار غزة على قائمة الأجندة الدولية ,وكسبت سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً وتعاطفا شعبياً خارجياً وداخلياً , وأصبحت أعلامها وصور قادتها ترفرف في العديد من المدن في كل أنحاء العالم. فقد أحرجت الكيان الغاصب وكشفت عن عنصريته وطبيعته العدوانية , وبسبب الضغوط التركية هناك لجنة دولية ستشكل للتحقيق في ملابسات الاعتداء الصهيوني على أسطول الحرية .ويبدو أن تركيا تسير يخطى ثابتة نحو كسر الحصار , وإحكام العزلة الدبلوماسية على إسرائيل.
وبالرغم من ذلك لا نريد أن نحمل تركيا أكثر من طاقتها , ولا أن نتوقع منها أن تكون عربية أكثر من العرب . ولكنها أدت دوراً مشرفاً تشكر عليه وهي بذلك تعود لأمجاد الإمبراطورية العثمانية ولكن هذه المرة ليس على أساطيل الجيش العثماني الفاتحة , ولكن على أساطيل وقوافل كسر الحصار على غزة والتضامن مع القضية الفلسطينية . فهل يتعلم حكام العرب من أردوغان أن العمل من أجل مصلحة بلدانهم ,والدفاع عن قضايا أمتهم , هو المكسب الحقيقي والضمانة الحقيقية للتلاحم مع شعوبهم , وأن الارتهان للأجندة الأجنبية هو الخسارة الكبيرة داخلياً وخارجياً ؟؟؟ هذا ما أتمناه . تحية ً لتركيا العدالة والتنمية تركيا أردوغان .