فجأة رحل جليس الأسمار الرمضانية، رحل رجل المعلومة والكلمة الطيبة، رجل الأمل والعمل رجل الرحمة والعطاء، رجل الإخلاص والتفاني.. نعم رحل ثاني هلالي رمضان رحل يحيى علاو لتنتهي برحيله قصة إعلامية حافلة بالعطاء، لكن سطورها ستظل محفورة في ذاكرة الأيام الموثقة في سجل التاريخ الناطق، حتى ما بعد النفس الأخير. نعم إنها القامة الإعلامية السامقة التي طالما أضاءت الدرب وحفزت الهمم وبذلت الجهد في صولاتها وجولاتها طوال العام كالنحلة تجمع الرحيق من كل زهر، لتذيقنا إياه شهداً طيبا على موائد رمضان. ويا ليت شعري كيف حال رمضان القادم بدونك أيها الراحل العزيز. نعم فقيدنا الغالي ما أصعب فراقك، وما أصعب شهر الصوم بدون إطلالتك التي ألفناها، بل أدمناها! على مدى أكثر من عقد ونيف طالما صنعت فيها الابتسامات وجئت بالمعلومات وصححت المفاهيم، وجعلت الناس في شغل شاغل بحثا عن استفهاماتك ناهيك عن أخذك بأيدينا إلى كل سهل وجبل بحر وشاطئ لتكتشف لنا كنوز بلادنا، ومن ثم تقدمنا للعالم أجمع بأفضل عطاء وأروع صورة. فعلى أنغام صوتك لطالما طاب لنا السمر، ولطالما جمعت بإطلالتك الرمضانية القلوب والعيون حول مشهد واحد (فرسان الميدان) ..وهأنت يا فارس الفرسان في عز تألقك ومجدك وشغف القلوب بك تفارقنا فجأة، وأنفسنا لم تطاوعنا بعد على التسليم بفراقك الأبدي (لولا التسليم بقضاء الله الذي لا راد لقضائه ولا يحمد على مكروه سواه)، لا لشيء إلا لحسن صنيعك في مجتمعك الذي لم يفتقدك كنجم متألق عبر شاشته الصغيرة.. فالنجوم هكذا كثر.. والقليل القليل منهم من أضاء شمعة في درب الآخرين، وأحسبك من ذلك القليل وإلا ماذا يعني اندفاع كهل ضرير يعول خمسة مكفوفين ليشد عصاه من منطقة نائية في محافظة بعيدة مع قائده الصغير ليصل إليك عله يحظى بومضة عين منك، حينها يرتاح لصنيعه الذي اعتبره أقل القليل في حق صنيعك له ولمن يعول. قصص لم نعهدها سوى في أمجادنا الغابرين وهأنت تجددها لنا، وعلى عادتهم لم يكشفها لنا سوى رحيلك الأليم.
رحلت عن دنيانا لكنك باق في قلوب الآلاف الذين جاؤوا يوم وداعك الأخير ليغسلوا جسدك المسجى بدموعهم الغزيرة وليدفنوا أديمك بين أفئدتهم الكسيرة. رحلت لكنك لم ترحل من وجداننا فستظل أنت الباقي، ونحن الراحلون وأنت الباقي بإخلاصك وتفانيك، وحبك لوطنك وأبناء مجتمعك، ونحن الغافلون بما سخّرت من أجله حياتك «والآخرة خير وأبقى».
ومع ذلك سيبقى رحيلك خسارة لن تعوض وبدونك تبقى شاشتنا الصغيرة بدون معنى إلا لمن شاء له الله .. غير أن عزاءنا فيك هو من صنيع حظك بتلازم ظهورك بحلول شهر العبادات والفضل والجود والمغفرة، ما يعني أن فقدان إطلالتك فيه سيعود عليك بدعاء الآلاف من الصائمين والركع السجود الذين سيفتقدونك بعد رفقة طويلة حافلة بالمتعة والعطاء، فعلى روحك الطاهرة السلام، وعلى جسدك المسجى تحت الثرى شأبيب الرحمة والغفران.