مر عام على رحيل عبدالرب الشدادي، لست أدري أمر العام منذ رحل أم منذ جاء، ألا ترون أن الشدادي يحضر على الدوام؟! حين كان طلبة الجامعة يؤسسون ساحة التغيير التي أطاحت بنظام صالح، كان الموت يتناوشهم على جوانب الساحة، لكن كهلًا كان بالقرب يربت على أكتافهم ويقول: لا تخافوا، نحن هنا من أجلكم، نحن هنا جميعًا من أجل ما تريدون.
صدّقه طلبة الجامعة، وكان أحد القلائل الذين صدقوهم، ذلك أنه لم يكن يتحدث أكثر ما يفعل، وأن صمته فعل وفعله ما يجترحه الكبار.
مرت الثورة من محطتها الأولى، لتصاب بنكبة الحوثيين، ويقف الثوار أمام استحقاق استكمال ثورتين، إنه عبء تنوء بحمله الجبال، لكن الشدادي أثقل من جبل.
عاد إلى مأرب وقال لأهلها، لقد حملتكم الأقدار هذه المسؤولية، ولم يكن أبناء مأرب ممن يترددون عن معاقرة البطولات.
أبناء مأرب الحقيقيون، ليسوا عناوين صالح التي عرف بها أحفاد ملوك سبأ، ليسوا قاطع النور كلفوت ولا الدويدار حسين حازب، قالت ذلك مطارح نخلا وقاله الشدادي.
في أقسى لحظات خيبة أمل الإنسان اليمني، كان رجلٌ يبني مداميك جيش الجمهورية، كان يشعل صحوة اليمني بعد نصف قرن من زيف جيش حسبناه يحرس جمهوريتنا، وبدا أنه كان يأكل لقمة عيشنا ليتقوى بها على اقتراف الخيانة الثقيلة.
قال الشدادي نحن الشعب المقاوم، نحن جيش الجمهورية، فعل ذلك أكثر، وعرفنا مأرب التي ليست كما شاء صالح، لقد احتزمنا بمأرب وتبندقنا بها، وغد الواحد منا يهفو قلبه لزيارتها والبكاء فوق كفيها، كما يبكي البعيد العائد بين يدي أمه.
مأرب، بساتين البرتقال التي لا تضن على ضيف، وصخر الصوان الذي يفتت رؤوس الأعداء، هذه الثنائية ذاتها جسدها عبد الرب، تنظر إليه فتجده ما أسهله وما أصعبه، يبتسم كطفل ويقطّب فتخال الجبال تخر لغضبته. خاطر ما ينغزني: ولكنه مات، لتستيقظ اللحظة على فقد كل شيء، يا للمرارة التي تخفيها وتتصبر عن البوح بها كي لا يبتهج الأعداء.
على أننا سنظل نبكيك حتى تنتصر وننتصر، ثم سنظل نبكيك كي لا يضيع النصر من أيدينا، سنبكيك ما حيينا، وسنوصي أبناءنا بالبكاء عليك، فليس مثل فقدك فقد يا أبانا.