المنازل في عدن تتحول الى افران نتيجة انعدام الكهرباء    ترامب: حماس ردت بروح إيجابية ووقف إطلاق النار ممكن في الأسبوع المقبل    من المنتصر؟ تحليل متعمق للحرب الأمريكية الإسرائيلية على إيران    تشيلسي يضرب موعدا مع فلومينسي في نصف نهائي مونديال الاندية    تصدير النفط مقابل تشغيل مطار صنعاء    في ظل انسداد الأفق: هل آن الأوان لحكومتين مؤقتتين في الجنوب واليمن؟    لا خلاص إلا بإرادة حرة ترفض الذل والوصاية معاً.!    مصر تمتلك واحدة من أقوى الدفاعات الجوية في الشرق الأوسط (صور)    الجبالية يشبهون الملاريا في تخفيهم من عدسات المجهر    عدن تستحق أن تُعرف... وأن يُعرّف بها!    فوز برازيلي ثامن يوقف قطار الهلال السعودي    أمم أوروبا.. سيدات ألمانيا يكسبن الجولة الأولى    كيز الخامسة.. المصنفات الأوليات يتساقطن في    حين يتحوّل السكن إلى أزمة .. مغالاة الإيجارات في إب وغياب آليات الضبط الرسمية    ساير الوضع    ساير الوضع    وكالة الطاقة الذرية تسحب مفتشيها من إيران مع احتدام الأزمة    مراسلون بلا حدود: تراجع اليمن في مؤشر حرية الصحافة وسط حملة اعتقالات وخطف للصحفيين    فان غوخ همدان: حين تخذل البلاد عبقريًا    غدًا.. انطلاق أعمال لجنة تحكيم "أمير الشعراء" في عدن برعاية وزارة الثقافة الإماراتية    صحيفة تتحدث عن وساطة أممية لابرام صفقة تتضمن اعادة تصدير النفط وتشغيل مطار صنعاء    الكشف عن مسودة اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة    لمواهب اندية تعز. تواصل الإعداد لبطولة الفقيد محمد علي سنان    5 جرحى في اشتباكات حوثية في إب    انهيار شبه كلي لخدمة الكهرباء في عدن وسط موجة حر غير مسبوقة    الوكالة البريطانية للأمن الصحي: انتشار متحور كوفيد الجديد "ستراتوس"    انتقالي سقطرى يعبر عن رفضه لأية تدخلات من البرلمان اليمني    تنفيذي الشعيب بالضالع يقف أمام التحديات التي تواجه العمل الإداري والخدمي    غضب يمني وعربي غير مسبوق    اليمنيون يؤكدون .. ثابتون مع غزة ومستعدون لأي تصعيد    ترتيبات لإنشاء مكتبة رقمية للبردوني بذمار    الجنوب العربي أصل البشرية    اختيار ذمار ضمن 5عواصم محافظات فيها معاهد مهنية تخصصية    اختتام فعاليات 4 مخيمات طبية بذمار    انتقالي زنجبار ينفذ نزولًا ميدانيًا إلى مستشفى المديرية للاطلاع على الخدمات الطبية    استقرار أسعار الذهب مستفيدة من قرار خفض الضرائب في الكونغرس    تحذير أممي من انهيار كارثي للريال في عدن    أسطورة وقائد الزمالك يعلن اعتزاله كرة القدم ويحدد وجهته القادمة    لوجه الله.. استشعروا المسؤولية ودعوا الأنانية والحساسيات جانبا    تهديد إسرائيلي علني بالاعتداء على مصر بعد إيران!    الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك "أحيا الصلاة" بعد إماتتها وقمع الطاغية الحجاج بن يوسف    معنويات السوق تدفع البيتكوين نحو 110000 دولار    وفاة اللاعب الفلسطيني مهند الليلي في قصف إسرائيلي    اكتشاف مذهل في الأهرامات.. نقوش هيروغليفية تُغيّر تاريخ مصر القديمة    وفاة أسترالي نتيجة الإصابة بفيروس خفافيش نادر وغير قابل للعلاج    تغاريد حرة .. حقبة ملعونة بالغباء والجهل    عناقيد العطش… ومآذن الجوع في وطنٍ يُصلب كل يوم    مصافي عدن تكشف عن اعمال صيانة واعادة تشغيل وحدات حيوية ورفع القدرة التخزينية    صرخة في الفضاء الفارغ    الأمم المتحدة تعلن عن اتفاق طرفي الصراع في تعز لإدارة منظومات إمدادات المياه    الضالع: وفد من منظمة "سيفيك" الدوليةيزور النقاط الأمنية المؤمّنة لطريق الضالع–صنعاء في منطقة مريس    فكري الحبيشي يسدل الستار على 18 عاماً من التألق: مهرجان اعتزال يكرّم أسطورة الهجوم اليمني    حكيم العرب "أكثم بن صيفي" يصف رسول الله وهو الرابعة عشر من عمره الشريف    إن لم يُنصَف الأكاديمي والمعلم اليوم، فأي جنوب سنبنيه غداً؟    "النمر" يكشف خطأ شائعًا: خفض الكوليسترول لا يقي من الجلطات والوفيات إلا باتباع طرق مثبتة طبيًا    الجوبة وماهلية ورحبة في مأرب تحيي ذكرى الهجرة النبوية    الكثيري يشيد بجهود وزارة الاوقاف والإرشاد في تنظيم موسم الحج ويؤكد أهمية ترشيد الخطاب الدعوي الديني    شركة النفط والغاز تنظم فالية بذكرى الهجرة النبوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن وجع لن ينتهي
نشر في الاشتراكي نت يوم 14 - 01 - 2015

كنا في طريق عودتنا من المدرسة نمر بالبيوت الواقعة على الطريق، وحين الظهيرة يكون الجميع قد استكان وهدأ من فورة أعمال النهار الشاقة، كنت طالبة ذات شهرة، وكانت النساء يثقن في رأيي حول كافة المواضيع ما عدا تلك المتعلقة بأمور العمل في الأرض فقد كنت أكسل من أن أكون ضليعة في أمور الأرض.
المهم، مرة كنت عائدة من المدرسة وكعادتها العجوز الطيبة التي تصنع الفخار تحدثت معي، لكنها طلبت مني أن أنتظرها تحت الشجرة القريبة من منزلها، وجاءت سعيدة تحمل في يدها مظروف، عرفت فورا أنه جواب آخر بعثه إليها ابنها الذي ذهب إلى صنعاء ليلتحق بالشرطة العسكرية أو بالكلية الحربية لا أتذكر بالضبط، وكنت سعيدة مثلها.
لم تفتح الظرف ولم تمسه حملته كما هو، تناولته أنا وفتحته وإذا بها صورة لطلعة بهية: شاب في العشرينات بنظرة فخورة جدا على رأسه تلك القبعة الرائعة كانت الصورة تنطق بالنشيد الجمهوري في مخيلتي تلك اللحظة وأضاء - بشكل لا يمكن نسيانه - وجه الأم وقبلت الصورة ثم اعتذرت كونها لم تكلف نفسها فتح "الجواب" ثم مضيت في طريقها ترتل الدعوات وتدعو جاراتها لمشاهدة الصورة: كان فخرا لم أعد أصادفه قط.
في كل بيت شاهدت صوره كانت دائما في الطليعة صور الفتية الذين دخلوا الجيش، هناك دائما في الغرف الضيقة المليئة بالكراكيب وفي الغرف الأنيقة النظيفة صور لفتية يرتدون الميري ويطلون بتلك النظرة المغرورة الشجاعة، كان في السابق الجميع يخدمون في الجيش، والجميع إذا ما ذهبوا بعثوا تلك الصور في السنة الأولى وفي السنة الثانية، ثم حين التخرج، والأمهات دون خشية قاذروات الذباب والأتربة يلصقنها هناك أمام الباب حتى تراها كل نساء القرية وحتى يطل هو من علياءه فخورا زاهيا متصنعا الحكمة العميقة، وبالطبع كن الفتيات يقعن في غرامهم: في الأرياف كانت كل علاقة حب تحوي صورة والصورة الأكثر مصداقية وأكثر حبا هي صورته مرتديا الميري وخلفها اسمه و"أحبك!" أما هن فلم يعرفن الكاميرات سابقا.
أعرف فتيانا عملوا في مجال البناء " شقاة " طوال السنة التي تفصل بين الثانوية والجامعة كي يتدبروا أمر النقود التي ستذهب بهم إلى صنعاء ومن صنعاء بداية مشوار الحلم : فتية ليس لديهم من سيصرف عليهم في الجامعة يختارون التأمين على مستقبلهم من خلال الالتحاق بكلية تضمن لهم التدريب والمال مستقبلا، فتية ليس لديهم خيارات أخرى لا مزارع والأراضي ولا مغتربين في السعودية، يعدون ملفاتهم وكيسا فيه ملابس ونقودا قليلة وخوفا من صنعاء الكبيرة ودعوات أمهات لا تنضب ولا تستكين .
خارت قوى سيدة مسنة في الباص نهار التفجير، وانهارت باكية، كنت أيضا بجانب النافذة أبكي بصمت، أما هي فقد رفعت يديها للسماء واستمرت بالنحيب والدعاء، كانت غاضبة وحزينة مثل كل واحد سلبه النبأ ورقم الضحايا لبه ودمعت عيناه متخيلا وجع الثكالى، لكنها أم! وهذا ما لا يقارن به، أم!
إن كان جثة أو كان نائما في البرد، إن كان أشلاء أو كان جائعا حين الظهيرة، أم لا تعرف وجعها، إنها مسكونة بوجع الآخرين، ظلت ترفع يديها وتلطم رأسها وخديها وكانت هناك وحيدة ليس من مشاركة سوى لعنات من كانوا في الباص للجميع بالاسم: الله يلعنك يا حوثي الله يلعنك يا عبد ربه الله يلعنك يا على عبد الله صالح الله يلعنكم يا عيال الأحمر .... إلخ .
أخبرونا الآن كيف نتعافى من أوجاعنا؟ قلت هذا وأجبت: لن نتعافى قط! لأننا في كل يوم سنجرح من جديد وسنبكي من جديد وسترفع الأمهات أذرعتها عاليا جدا ولن يسمعهن أحد، وسيكف الآخرون عن القول البغيض: العرقنة والصوملة. نحن نتطور بسرعة مدهشة: لم تكن هناك مناطقية ثم صارت، وفجأة أصبحنا نموذج قذر من طائفية الأشقاء في لبنان والعراق، وتطورنا لنجتاح المدن وننهي شكل الدولة في صورة أفظع من تلك التي في الصومال، ثم بذرنا في استخدام السلاح مجاراة لإخوتنا في ليبيا وسنتفوق! نحن نهبنا المعسكرات بعتادها الثقيل، وأخيرا صارت صنعاء بغداد لكن بأكثر بشاعة: مدارس الفتيات والأطفال أيها اليمنيون الأعزاء !
في الأزمنة والتواريخ السابقة، كان هناك الكثير من جملة: ما دخلني! صار: دخلكم بقوة يا ساكني صنعاء، صارت الرهان الآن على أوجاعكم الأشد قوة: أطفالكم وبالذات بناتكم تلكم البريئات الهادئات، أيام كانت المعسكرات تباد كنا نقول معا: ليحمي الجيش نفسه، من غير المعقول أن نعمل العكس! وحين اجتيحت المدن قلنا جميعا: هذا شأن دولة وقتال بين هؤلاء الجامحين من الطرفين حملة السلاح الآتين مما قبل قبل قبل قبل الدولة والمدنية والتعايش والقانون والنظام، لكن اليوم، هؤلاء الآتين مما قبل، الذين إما عيانا بيانا يتجولون في شوارعنا ويصرفون من خزينة دولتنا ومن ضرائبنا ومقدراتنا وإما متخفين يزرعون العبوات الناسفة ويرسلون الانتحاريين ويذبحون الجنود ومن يعرف ماذا يفعلون أيضا، هؤلاء معا يستهدفون حياتنا حرفيا: ليست تفاصيل الحياة إنما الحياة ذاتها، حيث كل دقيقة تتوقع أن تموت أو أن يموت من لن تعيش بعده .
وكنت أتمنى لو كان هؤلاء أعداؤنا فحسب! عدونا الأكبر هؤلاء الذين يحملون أيضا الشرعية، الذين منحناهم نحن ما اكتسبوه وبالذات هذا النذل النائم على كرسيه الخائن لكل قسم ولكل مسئولية، المتنصل حتى من خطاب يكذب فيه أو يتصنع المسئولية، عدونا أيضا كل أطراف العملية السياسية الحقيرة التي تتواطأ مع ما يحدث على الأرض وتسهم في صنعه، ليس من أحد بريء فيهم، حتى لو أصروا على ذلك ..
ليس من بريء سوى نحن، وسوى من قالوا فجرا: الله يستر لو فجروا بنا! ثم تطايرت أشلاؤهم ولم يستر الله، ولم نقل بعد نحن شيئا ن بكينا في الطرقات وفي الباصات وأمام شاشات التلفاز، وسنبكي كثيرا، سنبكي إن اكتفينا بالبكاء ولم نقل لهم: ارحلوا عن شوارعنا ومدارسنا ومساجدنا ومدننا وأفكار أبناءنا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.