منذ حكيم اليمنيون أنفسهم بعد تسليم العثمانيون مقاليد السلطة للأمام يحيى بن حميد الدين في عشرينات القرن الماضي, شهدت البلاد ثورات وانقلابات عديدة, وبإلقاء نظرة فاحصة وسريعة على دوافع ومسببات تلك الثورات والانقلابات ومراجعتها سنكتشف انها كانت نتاج الجوع والفقر والفساد. كما أن غالبية خبراء السياسية والاقتصاد يجمعون على أن الفقر وتفشي البطالة يأتيان في طليعة الأسباب التي أدت إلى تدهور الوضع الأمني في اليمن خلال الفترة الماضية. وهي ذات الأسباب التي أدت إلى إندلاع مظاهرات 2011 التي جمعت الملايين من الشباب العاطلين عن العمل للتعبير عن سخطهم ومعاناتهم من البطالة التي حاصرتهم بلهيب سعيرها ومطالبتهم بالتغيير إلى حياة أفضل, ولأن مطالبهم كانت عادلة فقد أطاحت ثورتهم بالرئيس السابق علي عبدالله صالح ولأنه لم يتم معالجة تلك الأحداث بشكل سليم بعد البحث في أسبابها فقد أدت لاحقاً إلى تدهور الوضع العام وأصبحت تؤثر بشكل سلبي على أمن اليمن والخليج. وفي العام الماضي قررت حكومة باسندوة رفع أسعار المشتقات النفطية, فكانت نتيجة مباشرة وسبب رئيسي لما بات يعرف ب" ثورة الجرعة" التي اتخذها الحوثي وسيلة للإطاحة بحومة باسندوة ومن بعدها شرعية الرئيس هادي, وأوصلت اليمن وشعبها إلى ما نحن فيه اليوم, حروب ومواجهات مسلحة في طول البلاد وعرضها, ورئيس في الخارج هو وبعض حكومته, ثم عاصفة الحزم التي نشهدها اليوم ونصحو وننام كل يوم يوم على أخبارها. وما لا يدركه المتصارعون وحلفائهم أن العاصفة لم ولن تكون الحل لإنقاذ اليمن مما هي فيه, ولابد أن يدرك زعماء الخليج اهميه بناء يمن اقتصادي قوي ليساهم في استقرار المنطقة, ويقطع الطريق على توسع إيران بالمنطقة, مع أن جميعنا نعلم علم اليقين أن مقاصد إيران وتطلعاتها لا تقتصر على اليمن وأن هدفها أبعد من حدود اليمن. على دول الخليج أن تدعم اليمن وتدخله ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي إذا أرادت أن تحصنه وتحصن نفسها من التدخلات الخارجية , وينبغي في الوقت نفسه أن لا يتم معاملة اليمن كالمتسول, مهما كان حجم المساعدات التي ستقدم له فهذا يزعج الكثير من اليمنيين وليست المساعدات وحدها حلاً لمشكلة اليمن. نعم.. يدرك اليمنيون تعاطف أشقائهم في دول مجلس التعاون الخليجي وتقديمهم لمساعدات كثيرة خلال السنوات الماضية ومساهماتهم الفاعلة في البنى التحتية وبناء المستشفيات والمدارس وغيرها من المشاريع من خلال الاستثمارات الخليجيه في اليمن لتشغيل العاطلين عن العمل, خصوصا أن اليمن تمتلك كم هائل من العمالة الشابة والمؤهلة والمعروفة بجديتها في العمل وتعطشها للفرص الوظيفية وملاحقتها في أصقاع الأرض كلما استطاعوا اليها سبيلا. وبموازاة الثروة البشرية التي يكتنزها اليمن, يرى كثير من خبراء الاقتصاد أن اليمن يمتلك مخزونا نفطيا كبيرا بمناطق الشمال والجنوب, إضافة إلى امتلاكه ثروات طبيعية عدة أكثر مما تمتلكه دول الخليج مجتمعة. ولكن الجمهورية أو الديمقراطية المزعومة لم تركز على تلك الثروات وكيفية استخراجها واستغلالها في تحسين أوضاع الشعب المعيشية, وبدلاً من ذلك ركزت على قمع الشعب وانشغل الحكام بأمور التشبث بالسلطة وتوريثها, وشراء الولاءات من الشيوخ والشخصيات المتنفذة في الشعب لإذلاله وحكمه بالأزمات والتجويع, فلم يجد الشعب سوى الخروج للشوارع وافتراشها للتظاهر والمطالبة برحيل الفاسدين. ولأن اليمن وصلت اليوم إلى هذه النقطة الحرجة وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من كارثة إنسانية ستنعكس أثاراها على المنطقة والعالم في حال وصلت إلى نقطة اللاعودة, فمن الواجب على دول الخليج أن تهتم باليمن أرضاً وإنساناً وأن تسرع في ضمه بعضوية كاملة إلى مجلس التعاون الخليجي وأن تساعده من خلال إمداده بالخبرات والكفاءاات الاقتصادية التي تمتلكها وتعمل على استقطاب الشركات العالمية لاستكشاف ثروات اليمن ليستفيد منها الشعب بدل من بقائها في باطن الأرض فيما اليمنيون يموتون جوعاً وغيضاً..! وعلى الجميع أن يدركوا أن تجويع اليمن وشعبها لن يكون بصالح أحد ولا يمكن أن يكون من أسباب الاستقرار في المنطقة ابدا, فتجويع اليمن من قبل السياسيين لن يذلهم بل سوف يخلق كل سنة ثورة جديدة في أحسن الظروف. ويبقى أن نقول لمن يراهن على أن العاصفة هي الحل, أنت مخطئ, وتوجهك هذا غير صائب, لأن الفقر والبطالة كانا وسيظلان أهم الأسباب المؤدية للحروب والثورات ودمار البلدان وفناء الأمم. مع تنبيهنا وتأكيدنا أن استقرار اليمن لن يتم إلا حين يتم توفير العيش الكريم لكل فرد وحينها سيعم الأمن والاستقرار والرخاء جميع شعوب المنطقة لأن استقرار الأمن في اليمن يعني استقرار الجميع فكل منهما مكمل للآخر.