ما إن تم إعلان السيطرة على مدينة عدن وبعدها دخول المقاومة الشعبية قاعدة العند حتى بدأ الحراك السياسي والدبلوماسي من أطراف دولية وأممية تريد أن لا يفرح اليمنيون بوقت الخلاص من الميليشيات ومن الدولة العميقة لنظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي عاث في الأرض فساداً وأحرق ودمر بحقده ونزعته الانتقامية كل شيء جميل في البلاد واضعاً في حسبانه ملجأه الأخير ومستقر راحته مدنه الجديدة في دبي التي تشبه في طريقة بنائها وزخرفتها مدينة صنعاء القديمة. التطورات المتسارعة باتجاه الزحف نحو صنعاء ومعاقل الحوثيين وحليفهم صالح حركت المنظمة الأممية ومبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي بدأ يتحدث عن سبع نقاط يرى أنها قد تضع حلا لوقف الحرب وهذه النقاط تتركز في : انسحاب الميليشيات الحوثية من المدن التي سيطرت عليها عقب الانقلاب على الشرعية، وقف إطلاق النار، ووضع آلية لمراقبين دوليين ذوي خبرة عسكرية تحت إشراف الأممالمتحدة لمراقبة الانسحاب ووقف القتال، وعودة الحكومة الشرعية لممارسة مهامها، والسماح بدخول السفن التجارية وهناك نقطة غاية في الأهمية بالنسبة للأمريكيين تتثمل في صياغة خطة لمكافحة الإرهاب بكل أشكاله تتفق عليها الأطراف اليمنية، وكل ذلك يوصف بأنه خطوات لبناء الثقة بين أطراف الصراع قبل الشروع في التفاوض حول الموضوعات السياسية. المبعوث الأممي ولد الشيخ يعود للظهور من جديد حاملا معه النقاط نفسها والمبادرة السياسية نفسها التي تم الإعلان عنها قبل الدمار والخراب ولا أدري ما الفائدة من مثل هذا العبث الذي تعلمه كل الأطراف الدولية سواء تلك التي لا تزال تبحث عن دور ما للرئيس المخلوع صالح وحزبه الليبرالي كما يحب أن يسوقه قادته للأطراف التي لديها حساسية ما من الإسلاميين، أو دور للميليشيات الحوثية التي خبرها الجميع بأنها لا يمكن أن تكون جزءا من حل سياسي قائم على التعهدات والالتزامات لأن هذين الحليفين أي المخلوع والحوثي لا يلتزمان بأي عهود أو مواثيق، وربما يرى ولد الشيخ أن مساعيه الجديدة جزءا من رفع العتب عن المنظمة الدولية التي راوغت كثيرا ومالت أكثر من اللازم إلى طرف بعينه والنتيجة ما يشهده الجميع دمار في كل مكان وأنهار من الدماء سفكت وشرد الملايين وتحول شعب بأكمله إلى المعاناة والفاقة . ربما يجهل ولد الشيخ أحمد ومعه من يريد تقديم طوق النجاة للمخلوع أن هناك طرفا جديدا في اليمن أصبح له حضور كبير ولا يمكن تجاهله وهو من يبسط سيطرته على الأرض ويقدم التضحيات الجسيمة وهذا ما أدركته قيادات من حزب المؤتمر الشعبي العام والحوثيين عندما قاموا بالتواصل مع الشيخ حمود المخلافي رئيس مجلس تنسيق المقاومة الشعبية في تعز وطلبوا منه رفع العقوبات الدولية عن صالح وعبد الملك الحوثي مقابل انسحابهم من المحافظات الجنوبية وتعز والبيضاء لكنه رفض هذا الطرح وأصر على استكمال ما وصفه بخطة الحسم، وهذا يعني أن للمقاومة رؤيتها رغم الضغوط التي تريد وضع العقبات في طريق الوصول إلى صنعاء وإعادة الشرعية إلى قصرها الرئاسي. عبد الملك الحوثي الزعيم الروحي للميليشيات الحوثية وبعد أن رأى المعركة تسير في غير صالحه انبرى خطيبا أمام حلفائه ومن يصفهم بالمجاهدين ليسرد في مائة وسبع دقائق هي مدة خطاب الأحد كل الكلمات والأوصاف والعبارات التي تشد من أزر الهاربين من مواقع القتال ويلقي خطابه باللائمة على من يصفها بقوى العدوان والاحتلال، ولم ينس أن يصف ما حدث بعدن بالحدث الجزئي الذي لن يؤثر في سير المعركة، لكن أسلوبه المتوتر والمنفعل على غير العادة يؤشر إلى ما يعتمل في نفسه من ألم حاول تخفيفه بتوجيه اللوم والانتقاد بشكل لافت إلى حليفه المخلوع علي عبد الله صالح ورجال مرحلته وحكومته التي وصفها بأنهم كانوا في ما سبق منقادين إلى السعودية إلى أن ثار عليهم اليمنيون، وهذا اللوم ربما يكون مؤشرا إلى قرب انقلاب من نوع ما بين المتحالفين. مشاهد الدمار في كل شوارع المدن التي مرت منها الميليشيات التي لا تقل عبثية وضراوة عن مشاهد الدمار في الحرب العالمية الثانية كفيلة بأن تجعل المبعوث الأممي يغذ الخطى إلى عدن وبعض المناطق التي أصبحت تحت سيطرة المقاومة ربما ليبلغ من يوحي إليه زخرف القول غرورا، أن الوضع في اليمن بحاجة إلى مقاربة جديدة تضع حدا نهائيا وفاصلا لمجرمي الحرب وترك الشعب اليمني يقرر مصيره فهو الوحيد الذي يعلم من يحيك ضده المؤامرات ويتلاعب بمستقبل أجياله ومن يقدم كل أنواع الدعم والمساندة لإعادة الأمل وتسهيل طريق قوى الخير لإعادة البناء ونشر ثقافة السلام.