"خسرت كل أموالي" هكذا تحدث رجل ستيني في العاصمة صنعاء بصوت مرتفع بعد خروجه من إحدى المستشفيات الخاصة بعد أن أجرى فحوصات طبية واشترى بعض العلاجات التي اعتاد تناولها نتيجة إصابته بمرض مزمن منذ سنوات. يشكو كثير من المواطنين من المستشفيات الخاصة والتي تحولت إلى مراكز استثمار والحصول على أرباح كبيرة في حين تقدم خدمات طبية عادية بتكاليف باهضة، في حين تتدهور حالة المستشفيات الحكومية جراء استمرار الحرب وانقطاع رواتب الموظفين فيها. تكاليف باهضة يقول "غالب العمراني" أنه يصرف مبالغ كبيرة أثناء زياراته إلى إحدى المستشفيات الخاصة لإجراء الفحوصات الدورية وشراء بعض العلاجات، حيث يعاني من مرض السكر منذ أكثر من عشر سنوات. وأضاف ل "للمشهد اليمني" أن غياب المسئولية الوطنية لدى الكثير من مالكي المستشفيات الخاصة يحولهم إلى تجار يبحثون عن أرباح فقط، تاركين أخلاق مهنة الطب المقدسة خلف ظهورهم في تردي واضح". من الصعوبة الحصول على خدمات طبية جيده بتكاليف بسيطة، إذا لم تكن ثريا لن تستطع أن تتعالج في المستشفيات الخاصة التي بعضها يقدم خدمات أفضل من المستشفيات الحكومية التي أصبحت متدهورة وأكثر سوء. غياب الخدمات صحية تفتقر المستشفيات الحكومية في عدد من المحافظات إلى الأجهزة الحديثة العلاجات والأدوية الخاصة بالعمليات الجراحية والمحاليل الطبية اللازمة لها، بالإضافة إلى الحالة المتردية للأطباء والممرضين جراء انقطاع رواتبهم منذ أن سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء ، كل ذلك يجعل من الوضع الصحي كارثي. يقول طبيب في مستشفى الثورة الحكومي بصنعاء "أن الوضع الصحي في اليمن يعاني من مشاكل متراكمة بدء من البنية التحتية المتدهورة من قبل الحرب وصولا إلى ماتسببت فيه الإنقلاب الحوثي من تفاقم للمستشفيات". ويضيف الطبيب الذي طلب عدم ذكر اسمه ل "المشهد اليمني" أن انقطاع الرواتب كان الضربة القاصمة لجميع العاملين في المجال الصحي مما جعل الخدمات التي كانت تقدم للمواطنين بتكلفة اقل تتضاعف في ظل وضع إنساني متردي. وعن الشكاوى المنتشرة من قبل المواطنين في عدم الاهتمام بالمرضي في المستشفيات الحكومية قال الطبيب "أن غياب الاهتمام بالمرضى يعود إلى سوء الإدارات في المشافي الحكومية وعدم الرقابة على العاملين الذي يفترض أن يؤدون واجبهم بكل إخلاص". وعن سبب ذلك أشار الطبيب "أن تدهور الحالة المعيشة للكثير من الأطباء والممرضين جعلهم أقل اهتماماً، بحيث أصبحت مهنته المتعبة لا توفر له عيش كريم وهو ما جعل غالبية العاملين في القطاع الحكومي يبحثون عن أعمال في مستشفيات خاصة أو مغادرة البلاد". العلاج للأغنياء فقط لا يستطيع المواطن العادي الحصول على علاج بتكاليف بسيطة في أي مستشفى في اليمن، في حين تحولت المستشفيات الخاص "للأغنياء فقط" والذين باستطاعتهم دفع المبالغ الباهظة مقابل خدمات صحية قد تكون عادية، لكن سلطة المليشيات الحوثية جعلت المواطنين عرضة للابتزاز من جميع المستشفيات. يقول "طاهر الحسام" أنه أضطر لإسعاف زوجته التي كانت تعاني من آلام الولادة إلى احد المستشفيات الخاصة حيث كان الأقرب إليه وكان من الضروري إجراء عملية قيصرية لإخراج الجنين. وذكر الحسام ل "المشهد اليمني" أن العملية القيصرية لإخراج الجنين مع رقود في المستشفى ثلاثة أيام كلفته 700 ألف ريال ما يعادل 1500 دولار أمريكي وهو ما جعله مصدوم من المبلغ الذي لم يكن متوفر معه. وتابع "حاولت مع إدارة المستشفى تخفيض المبلغ بلا فائدة، وقرر بيع ذهب زوجته لتسديد فاتورة المستشفى الباهظة والتي لم أكن أتوقعها". مضاعفات الحرب فاقمت الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من عامين الوضع الصحي في اليمن والذي جعل المستشفيات الحكومية غير قادرة على استيعاب كل حالات المرضى الطارئة، فالمستشفيات تغرق بجرحى المليشيات العائدون من الجبهات مما جعلهم يستحوذون على الخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية دون غيرهم. كما أن انتشار الأوبئة والأمراض والتي تفشت بشكل كبير قد ضاعفت معاناة المصابين بأمراض مزمنة، لا سيما بعد نهب المليشيات للدعم الدوليالصحي، وتحويل المستشفيات الحكومية لخدمة المقاتلين التابعين لهم فقط، حيث يوجد الآلاف من مرضى الأمراض المزمنة، مثل السرطان والسكري والفشل الكلوي وأمراض القلب، يتهددهم الموت، بسبب نقص الأدوية الخاصة بهذه الأمراض، والتي تعتبر غالية الثمن. ويعيش المواطنون في اليمن بين حالة إنسانية سيئة جراء تدهور الوضع الصحي الكارثي جراء انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية في البلاد و التي تسببت بشكل مباشر في تدهور الوضع الصحي، وبين الاستغلال من قبل معظم المستشفياتالخاصة لحاجة الناس وغياب المسئولية الوطنية تجاه المواطنين والأخلاقية لعمل الأطباء الذين يطلق عليهم "ملائكة الرحمة".
