مهما كانت الجهود التي يبذلها الجنود على الأرض، إن لم تكن مسنودة من حكومة واعية ووطنيّة وعلى مستوى الحدث والتّحدي، فإنّها تظلّ متعثّرةً تراوح مكانها، هذا إن لم تتقهقر. الحكومة هي ضابط المسار، وهي من يُعَوّل عليها صياغة خطّة التحرير واستثمار انتصارات الأبطال في الأرض ومراكمتها وتعضيدها. طوال الفترة السّابقة أكثر ما كان يحزّ في النّفس هو غياب الحكومة عن الأرض، عن ميدان الفعل، وبقاؤها في المنفى بلا مسوّغات منطقيّة. كان لذلك وَقعٌ محزن ومثبّط، وكنّا قد اندفعنا لمهاجمة هذه الحكومة الوليدة أيضاً حين وجدناها تؤدّي القَسَم في المنفى، معتبرين ذلك مؤشراً على أنّها تقتفي أثر سابقاتها. لكنّ ما وجدناه منها بالأمس، في عودتها الميمونة إلى أرض الوطن، من رباطة جأشٍ في أتون حادثٍ وحشيٍّ مروّعٍ، يجعلنا نحتفي بها على نحو ما تستحقّ ويليق. هذا الالتفاف الّذي شهدناه منذ الأمس من كلّ اليمنيين حول الحكومة الجديدة، جديرٌ بأن يكون بداية مرحلة جديدة تماماً، بالذّات على صعيد علاقة المواطن والجنديّ بقيادته الشرعية. إنّ ما أدّى إليه حادث الأمس من نتيجة هي العكس لما كان يريد مفتعلها، حيث مضت الحكومة متحدّيةً هذا الإرهاب، وحيث بدا أنّ مكونات الشرعيّة لم تزدد إلا إدراكاً لمدى خبث العدوّ وكيف أنّ التوقّف عند الخلافات البينيّة يخدمه هو بشكلٍ أساسيٍّ ومباشرٍ، فإنّ كلّ هذه المعطيات تعطي أملاً بأنّ القادم سيكون مختلف. ستكون الشرعيّة أكثر تماسكاً وتصميماً، وسيعود ذلك الانسجام الضّروري والثقة المتبادلة بين القيادة والشّعب، وهذه بحد ذاتها مسألة حاسمة. بالطّبع ثمّة صعاب كبيرة وخطيرة، فنحن في النّهاية في مواجهة مع ميليشيات مسنودة من قوى عالمية، قوى لن توفر أيّ وسيلة لزيادة شتاتنا وتمزيقنا أكثر، وستظلّ تفرش طريقنا للتحرير بالشظايا وبالدّم، لكننا سنظل معوّلين على كفاءة حكومتنا الجديدة وتصميمها، والّتي استفتحت عملها في الأمس بما يليق بها وبما تقتضيه المرحلة من استعداد للفداء. "تحيا الحكومة اليمنية"، هذا ما سنبقى نردّده بحماسٍ متلاحمٍ ما دامت الحكومة ماضية في تمثيلنا كما ينبغي، داعين كلّ الأصوات التي أدمنت التبرّم أن تراجع نفسها في ذلك، وأن تتحسس تلك المساحة الكونيّة الفاصلة بين النّقد الواعي وبين التذمّر الانهزامي.
