لم تعد الخسارة والفقد شيئين جديدين، في واقع فرض على الناس اجباريا، مما وضعهم امام خيارين لا ثالث لهما، أما قبول العيش تحت نير الكهنوت الجديد، أو مواجهة غزاته الجدد وافشال مشروعهم القاتل بكل الوسائل . اقول لم يعد الفقد مدعاة استغراب وتعازي وعويل ونحيب، بعد كل هذه الدماء المسفوكة على محراب الحرية، بل إن هذا الفقد على ضخامته وثقله قد أضاف على المجتمع افرادا ونخبا، مهمة أخلاقية جديدة، جوهرها إدراك عظمة الهدف الذي من أجله فُقد الاعزاء -أولاد واخوان ورفاق واصحاب - وإبقاءه حاضرا على الدوام لايفارق حياتنا ومجمل انشطتنا، كقيمة إضافية لمجد مابرحت الاجيال تدونه طوال مراحل التاريخ... شهداء اليوم في الجبهة الجنوبية تقاطروا على ذات الطريق، طريق الخلاص والحرية والكرامة الإنسانية، ما يجدر بنا حفظ عهدهم والمضي قدما لتحقيقه أو الجود بما جادوا به فلاخيار غير هذا... أعرف بعضا من شهداء اليوم ، اعرفهم من أفضل و انبل الشباب الذين جادت بهم تلك الانحاء ، حيث ولدوا وترعرعوا ومثلوا إضافة حياتية مهمة لمجتمعاتهم المحلية، عليهم عُلفت آمال كثيرة لتلك المجتمعات المحتاجة لكل جهد انساني ، لكن حين حل البلاء القادم من مجاهل العصور واساطيرها حُطمت الامال الحياتية للناس وانحسر كل شيء في كيفية وقف هذا الوباء القاتل مهما كانت الظروف، حينذاك اختار أولئك الشباب مقدمة الصفوف بما يعنيه ذلك من استحقاقات لاحصر لها، أعلاها وابلغها الجود بالنفس (والجود بالنفس أقصى غاية الجود). هكذا هي المسألة وهكذا علينا إدراكها وفهمها.. بعيدا عن أي حسابات عرجى خارج سياق الزمان والمكان . الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والنصر للاحرار .
