قبائل ذي السفال والسياني في إب تُعلن الجهوزية لمواجهة الأعداء    الإمارات تدعو لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار والحرب الأهلية بالسودان    العلامة مفتاح يؤكد حرص الحكومة على دعم صندوق المعاقين وتمكينه من أداء دوره في خدمة الأشخاص ذوي الإعاقة    الكاتبة اليمنية آلاء الحسني تُطلق روايتها "حينما تأكلك الجزيرة"    محور طور الباحة يؤكد ملاحقته للعناصر المتورطة بالهجوم : "الجريمة لن تمر دون عقاب"    محمد الحوثي: الطريق الوحيد للمقاومة اللبنانية هو "الجهاد"    وقفة احتجاجية في بلحاف بالمهرة للمطالبة بحلّ أزمة المياه جذرياً    جامعة صنعاء تحقق المرتبة الأولى على مستوى الجمهورية في نشر الأبحاث    تنفيذية انتقالي حالمين تعقد اجتماعها الدوري لشهر نوفمبر    نائب وزير الخارجية يلتقي مسئولة الصليب الأحمر باليمن    قتلى وجرحى في محاولة اغتيال لمحافظ تعز الموالي للاحتلال    مدرب المنتخب اليمني: الفوز على جزر القمر هو هدفنا للبقاء في كأس العرب    كان عاقلاً مع الوحدة.. ثم أصبح مجنوناً مع الإنفصال    فضيحة مدوية : حسابات الدعارة على إكس.. أرباح بالملايين تحت إدارة استخبارات الحوثيين    الأزمة تخنق الجنوبيين... صرخة النقيب إلى من بيدهم القرار    الأمن في عدن ينجح في استعادة حقيبة تحتوي على وثائق هامة خلال ساعات من سرقتها    منتخب اليمن للناشئين يكتفي بعشرة أهداف في شباك غوام ويواصل سعيه نحو الصدارة    الضالع تستعد لأول مشاركة في مهرجان التراث الدولي    مصادر حكومية: انفراج مرتقب في صرف المرتبات وتحولات اقتصادية تعزز فرص الاستقرار    ميسي يحطم رقم قياسي جديد    الكثيري يُعزّي في وفاة الشاعر والأديب ثابت السعدي ويشيد بإرثه الأدبي والثقافي    شبوة برس تنشر صور تظهر لقاء صلاح باتيس بالمرشد للإخوان محمد بديع (صور)    صعدة: العدو السعودي يقصف قرى سكنية في مديرية رازح الحدودية    تسجيل 26 حالة وفاة وألف و232 إصابة بالحمى الشوكية منذ مطلع العام الجاري    الأرصاد يحذر من رماد بركاني واسع الانتشار وأجواء باردة في عدة محافظات    بن بريك يعلن إجراءات تقشفية تشمل تقييد سفر الوزراء والمسؤولين للخارج    المحامي رالف شربل يقود ديكيمبي ديكسون لانتصار ضد ثالث كأس العالم    لقاح وقائي لسرطان الرئة يدخل التجارب السريرية    رئيس الوزراء يؤكد استمرار الإصلاحات وتعزيز حضور الدولة وتقليل السفر الخارجي    آخر حروب الإخوان    رئيس سياسية الإصلاح يلتقي مسؤولا في الحزب الشيوعي الصيني لبحث العلاقات وأوجه التعاون    تحديد موعد انتهاء السحب البركانية من اليمن    ريال مدريد يقع في فخ إلتشي    أرسنال يضرب توتنام.. وفيلا يعاقب ليدز    لايبزيج يقفز إلى «الثاني» بثنائية بريمن    تقرير عبري: نصف الإسرائيليين يعانون أمراضا نفسية بعد 7 أكتوبر    عبدالله العليمي والإصلاح بعد قرار ترامب.. الرئاسي والشرعية في مهب الريح    وزير الخدمة المدنية يؤكد أهمية ربط مسار التدريب بالمسار العملي في وحدات الخدمة العامة    وزارة الزراعة تؤكد استمرار قرار منع استيراد الزبيب الخارجي    الدوري الايطالي: ميلان يحسم الديربي ضد الانتر لصالحه    أزمة وقود خانقة تدفع محافظة المهرة نحو كارثة إنسانية    (وَمَكرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ) .. عملية أمنية اتسق فيها التخطيط مع التنفيذ    عدن.. العثور على رضيع متوفى داخل برميل قمامة    قراءة تحليلية لنص "أم شريف" ل"أحمد سيف حاشد"    تقرير دولي: توسع إماراتي لشبكة قواعد عسكرية حول البحر الأحمر وخليج عدن    يوم كانت المائة الشلن أهم من الوزير    اختتام الدورة الثالثة لمسؤولي التيقظ الدوائي في المصانع الدوائية    الربيزي يعزّي مدير عام مكتب الصحة والسكان في لحج بوفاة والده    صنعاء.. الحكم بالإعدام على قاتل فتاة الفليحي    استئناف إصدار وتجديد الجوازات بتعز    قراءة تحليلية لنص "حرمان وشدّة..!" ل"أحمد سيف حاشد"    هيئة أسر الشهداء تُنفذ مشاريع تمكين اقتصادي بنصف مليار ريال    قراءة تحليلية لنص "فرار وقت صلاة المغرب" ل"أحمد سيف حاشد"    الدوحة تفتتح مهرجانها السينمائي بفيلم فلسطيني مؤثر    حديقة عدن مول تتحول إلى مساحة وعي... فعالية توعوية لكسر الصمت حول مرض الصرع    الأوقاف والخطوط اليمنية توقعان اتفاقية لنقل أكثر من 6 آلاف حاج    ميزان الخصومة    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف بدأت الأغنية وكيف انتهت؟ هل تطوّر الغناء وتخلّف الشّعر؟
نشر في المشهد اليمني يوم 28 - 06 - 2022

الكاتب العصري الذي ينثر الفُصحى حول أغنية مبتذلة اللفظ والمعنى، يعذّب حاله متكلّفًا في سرد فوائد البرتقالة، والسّكر المحلي.. وبوس الواوا؛ ليثبت ذائقته الفنّية وإحساسه المرهف وفكره الحداثي- كواحد مما خلق الله يتكلّف أن يقول ما لا يفعل، ليثبت أنّه شاعر-
فليأخذ هذا العصري- إن كان ما يسوّقه فنًا أو أدبًا- أشهر أغنية في الوسط الغنائي في عصرنا، ولتكن (بنت الجيران مثلًا)، ويلقي كلماتها كما تُلقى القصيدة على جمهور الشّعر، ثمّ ينظر هل من مستمع؟
لا أظن حاله سيكون أفضل من حال كلبٍ نبح في مسجد، فمن ذا يسرّه سماع كلام سوقيّ في ديوان العرب؟
إذا ساءك قولي "كلام سوقيّ"، وسرّك أن تقول "كلام عاميّ"، فقل ولا حرج، فسيّان، القاموس المحيط لا يرى فرقًا بين اللفظين، هو أيضًا إذا عكس اللفظ (فصيح) قال (سوقي)، ويزعم أن الفصحى لغة القرآن والأدب، وأن العاميّة (السّوقيّة) لغة السّوق.
- بحسب المحيط- الأغنية لم تعدّ شعرًا لأنّ قاموسه يعرّف الشّعر بالكلام الموزون المقفّى، ولم تعدّ أدبًا، لأنّ لغة الأدب هي الفُصحى، فما هيه إذن، خوار بقرة تشابهت علينا؟
أظن والله أعلم، أن القينة الرّوميّة لمّا تحررت من العربي، تحررت معها الأغنية من العربية، فاستبدّت الرّوميّة بالأغنية كلمات ولحنًا وخلقًا (ورخيز بباقوش من قُزل)! ولعمرك إن كلّ تحرر محمود إلا هذا، كتحرر سمكة من الماء.
أمّا ما ينفع النّاس فيمكث، فلله درّ القصيدة، لا تزال تحافظ على أصالتها، فُصحى كلسان امرئ القيس، تسير على خُطى المذهبات السّبع والبيت الأول، ولعمري إنّك تقرأ لشعراء العصر قصائدًا تودّ أن تشيّد لكلّ واحدة كعبة، فتعلّقها. في حال أن الأغنية- للأسف- لم تعد إلا كما ترى وتسمع على قناة غنوة- رمّانة تتحدرج وتجري، وتهتز أحيانًا على صدر راقصة، وتركب الحنتورة- وقد كان أصلها القصيدة- يا للشّرف العالي- بها تعمّ زهوها وتثمر، بل كانت أشرف نسبًا من أصلها، لأن القصيدة تنتمي إلى عامة الشّعر- أي شعر، قد يكون رديئًا أو جيدًا- أمّا الأغنية، فإلى نخبة الشّعر تنتمي، لقد كانت انتقائية ذوّاقة تفتّش عن أجوده، فماذا فعلتم بها يا أولاد الحنتورة؟
قال عبد الملك بن مروان لجلسائه ذات سمر، وقد تذاكروا الغناء:
قبّح الله الغناء ما أوضعه للمروءة وأجرحه للعرض وأهدمه للشرف وأذهبه للبهاء. ثمّ ألتفت إلى عبد الله بن جعفر، وقال له: ما لك يا أبا جعفر لا تتكلّم؟
قال: ماذا أقول وعرضي يتمزّق؟ قال: أما أني نبيت أنك تغني؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: أف لك وتف!
قال: لا أف ولا تف، قد تأتي أنت بما هو أعظم من ذلك. قال: وما ذاك؟
قال: يأتيك الشّاعر الجافي الزّور يقذف المحصنات، فتأمر له بألف دينار من بيت مال المسلمين، وأشتري أنا قينة من حرّ مالي وأختار لها من الشّعر أحسنه، فتغنيه، فهل في ذلك من بأس؟
أطرق ابن مروان خجلًا وقال: لا بأس.
لا بأس أن تكون من القصائد أحسنها، لا بأس أن تزيدها من الأصوات أعذبها، وهل يفسد الحَسن الاستزادة من الحُسن؟
قال بعض المفسرين في قوله تعالى "يزيد في الخلق ما يشاء" هو الصّوت الحسن.
اختلف النّاس في خير القرون حول الغناء، فقيل أجازه عامة أهل الحجاز، وكرهه عامة أهل العراق، وتضاربت آراء الخاصة من أهل الإسلام، فقيل أعدل الآراء ما أخذ الغناء على سبيل الشّعر، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح.
وإنّما كانت حجّة من أجازه، أن أصله الشّعر الذي حثّ عليه النبي صلى الله عليه وسلّم ولم ينه عنه، فألحق الفرع بحكم أصله، فما حجّة من يجيزه اليوم وعلى أي سبيل يأخذه ولا أصل له ولا فصل؟
وماذا نقول اليوم لو أن أحدهم رمى الغناء بقول عبد الملك بن مروان (وضيعٌ للمروءة هادمٌ للشّرف)؟
هل بإمكاننا أن نردّ عليه بقول عبد الله بن جعفر، (إنّما هو من الشّعر أحسنه)؟
لا والله ما هو من الشّعر، لا أحسنه ولا أقبحه، ولا نقول إلا صدقت يا أمير المؤمنين. لقد خرجت الأغنية من ديوان العرب إلى سوق العنب (العنب العنب العنب..)، ليكتبها كلّ من يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق عدا الشّاعر، لا تحلّ قلمه- إلا إذا تكلّف السّوقيّة والابتذال- فصار بينها وبين القصيدة ما بين سحبان وباقل، فكيف يجتمع الشيء وضدّه على منصّة واحدة؟
عن كُتّاب الأغاني والملحنين والمغنّين، إن جارت عليهم الفصحى، فأي فنٍ يسوقون وعن أي أدب يتحدّثون. أم زعموا مراعاة ذوق الجمهور، فكذبوا وربّ الكعبة.
في الأشهر القليلة الماضية لم تنتشر أغنية لفنان يمني عربيًا مثل أغنية مادلين العبسي، لأنّها غنّت شيئًا لامرئ القس.
لو كانت الأغنية اليوم كشيء من الأدب، همّها إيصال معنى شريف بأسلوب يشنّف السّمع ويلفت الأنتباه، لأعتبرناها فصيحة، لكن الكلمات المبتذلة ذات المعنى السّخيف التي تعفّ سمعك عن سماعها إذا قيلت أو قرأت، تطرب لها وتحفظها إذا غُنّيت، فأي شيء أخطر من الأغنية على وعي المرء وثقافته وذائقته ولغته وأخلاقه؟
هذا الصّوت الذي يخدّرك حتّى يفرغ في تكوينك محتواه وفحواه الهابطين، هو التّخدير في عملية استئصال شيمة وزراعة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.