تحالف ديني مذهبي يمني يستهدف الجنوب    رئيس الوزراء "معين بن بريك" يغادر إلى الرياضك "نموذج ساقط للإعلام المعادي"    المعلا: مديرية بلا مأمور أم مأمور بلا مديرية؟    هل ينجو حزب "الإصلاح" من ماضيه الإخواني الأسود عبر بوابة إسرائيل؟    مكاسب كيان الاحتلال من القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة    مكاسب كيان الاحتلال من القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة    محمد وزهير الزعكري .. شهيدان اقتفيا أثر والدهما    حزب جبهة التحرير لقيادة الإصلاح: تميز حزبكم بصلابة مواقفه في الدفاع عن المكتسبات الوطنية    بايرن ميونيخ يخسر جهود غيريرو قبل مواجهة تشيلسي وهوفنهايم    الاهلي السعودي يتخطى ناساف الاوزبكي في دوري ابطال اسيا    الحالمي يؤكد : تفاعلنا مع بطولة بيسان تقديرًا للحروي وحرصًا على إنجاح البطولة    قمة الدوحة تدعو إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل    بيان إدانة    ناطق الإصلاح: العمل السياسي لم يعد ترفاً بل واجباً لحماية حق اليمنيين في الحرية والكرامة    شبكة المسيرة تعلن تضامنها مع صحيفتي 26 سبتمبر واليمن    أكاديمية الدفاع البريطانية تحظر الطلبة الصهيانة على خلفية حرب إبادة غزة    الذهب يسجل أعلى مستوى تاريخي جديد    التضخم في السعودية يسجل أعلى وتيرة ارتفاع منذ أكثر من عامين    ضبط كمية من الذرة المجروشة غير الصالحة للاستخدام في تعز    تدشين العمل بشق قناة تصريف مياه الأمطار في بني الحارث بمبادرة مجتمعية    ما زال الموت يذكرنا بأصدقائنا المنسيين    شرطة العاصمة عدن تستعيد مسروقات ثمينة من فندق في خور مكسر وتطيح بالمتهم.    المنصوري يتسلم مهامه وكيلًا للعاصمة عدن لشؤون الدفاع    حالتها مستقرة.. جلطة ثانية تصيب حياة الفهد    ديسمبر.. «شمس الزناتي 2» في دور العرض    افتتاح مدرسة الطارفة في أبين بعد توسعتها بتمويل إماراتي    محافظ شبوة يستقبل فريق مبادرة دليل شبوة الطبي الإلكتروني    اليمن يدعو إلى تدابير عربية واسلامية لكبح السياسات الصهيونية التوسعية في المنطقة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة عبدالله يحيى الآنسي    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    صحيفة أمريكية: رغم العقوبات الأمريكية صنعاء تواصل أطلاق الصواريخ والمسيرات    المرة الأولى منذ 2019.. النصر يبدأ الدوري بفوزين    برشلونة يكتسح فالنسيا بسداسية    ميان والعنود تدعمان دفاع سيدات القادسية    ضروري من قنبلة دين وضمير    اندلاع اشتباكات بين قوة عسكرية ومسلحين قبليين شرق حضرموت بعد اعتراض ناقلات نفط    الدكتور عبدالله العليمي يؤكد دعم مجلس القيادة الرئاسي للبنك المركزي اليمني    منظمة صحفيات بلاقيود : مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    أحلام تُطرب جدة    يوفنتوس يقتل إنتر في ديربي إيطاليا    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    في محراب النفس المترعة..    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف بدأت الأغنية وكيف انتهت؟ هل تطوّر الغناء وتخلّف الشّعر؟
نشر في المشهد اليمني يوم 28 - 06 - 2022

الكاتب العصري الذي ينثر الفُصحى حول أغنية مبتذلة اللفظ والمعنى، يعذّب حاله متكلّفًا في سرد فوائد البرتقالة، والسّكر المحلي.. وبوس الواوا؛ ليثبت ذائقته الفنّية وإحساسه المرهف وفكره الحداثي- كواحد مما خلق الله يتكلّف أن يقول ما لا يفعل، ليثبت أنّه شاعر-
فليأخذ هذا العصري- إن كان ما يسوّقه فنًا أو أدبًا- أشهر أغنية في الوسط الغنائي في عصرنا، ولتكن (بنت الجيران مثلًا)، ويلقي كلماتها كما تُلقى القصيدة على جمهور الشّعر، ثمّ ينظر هل من مستمع؟
لا أظن حاله سيكون أفضل من حال كلبٍ نبح في مسجد، فمن ذا يسرّه سماع كلام سوقيّ في ديوان العرب؟
إذا ساءك قولي "كلام سوقيّ"، وسرّك أن تقول "كلام عاميّ"، فقل ولا حرج، فسيّان، القاموس المحيط لا يرى فرقًا بين اللفظين، هو أيضًا إذا عكس اللفظ (فصيح) قال (سوقي)، ويزعم أن الفصحى لغة القرآن والأدب، وأن العاميّة (السّوقيّة) لغة السّوق.
- بحسب المحيط- الأغنية لم تعدّ شعرًا لأنّ قاموسه يعرّف الشّعر بالكلام الموزون المقفّى، ولم تعدّ أدبًا، لأنّ لغة الأدب هي الفُصحى، فما هيه إذن، خوار بقرة تشابهت علينا؟
أظن والله أعلم، أن القينة الرّوميّة لمّا تحررت من العربي، تحررت معها الأغنية من العربية، فاستبدّت الرّوميّة بالأغنية كلمات ولحنًا وخلقًا (ورخيز بباقوش من قُزل)! ولعمرك إن كلّ تحرر محمود إلا هذا، كتحرر سمكة من الماء.
أمّا ما ينفع النّاس فيمكث، فلله درّ القصيدة، لا تزال تحافظ على أصالتها، فُصحى كلسان امرئ القيس، تسير على خُطى المذهبات السّبع والبيت الأول، ولعمري إنّك تقرأ لشعراء العصر قصائدًا تودّ أن تشيّد لكلّ واحدة كعبة، فتعلّقها. في حال أن الأغنية- للأسف- لم تعد إلا كما ترى وتسمع على قناة غنوة- رمّانة تتحدرج وتجري، وتهتز أحيانًا على صدر راقصة، وتركب الحنتورة- وقد كان أصلها القصيدة- يا للشّرف العالي- بها تعمّ زهوها وتثمر، بل كانت أشرف نسبًا من أصلها، لأن القصيدة تنتمي إلى عامة الشّعر- أي شعر، قد يكون رديئًا أو جيدًا- أمّا الأغنية، فإلى نخبة الشّعر تنتمي، لقد كانت انتقائية ذوّاقة تفتّش عن أجوده، فماذا فعلتم بها يا أولاد الحنتورة؟
قال عبد الملك بن مروان لجلسائه ذات سمر، وقد تذاكروا الغناء:
قبّح الله الغناء ما أوضعه للمروءة وأجرحه للعرض وأهدمه للشرف وأذهبه للبهاء. ثمّ ألتفت إلى عبد الله بن جعفر، وقال له: ما لك يا أبا جعفر لا تتكلّم؟
قال: ماذا أقول وعرضي يتمزّق؟ قال: أما أني نبيت أنك تغني؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: أف لك وتف!
قال: لا أف ولا تف، قد تأتي أنت بما هو أعظم من ذلك. قال: وما ذاك؟
قال: يأتيك الشّاعر الجافي الزّور يقذف المحصنات، فتأمر له بألف دينار من بيت مال المسلمين، وأشتري أنا قينة من حرّ مالي وأختار لها من الشّعر أحسنه، فتغنيه، فهل في ذلك من بأس؟
أطرق ابن مروان خجلًا وقال: لا بأس.
لا بأس أن تكون من القصائد أحسنها، لا بأس أن تزيدها من الأصوات أعذبها، وهل يفسد الحَسن الاستزادة من الحُسن؟
قال بعض المفسرين في قوله تعالى "يزيد في الخلق ما يشاء" هو الصّوت الحسن.
اختلف النّاس في خير القرون حول الغناء، فقيل أجازه عامة أهل الحجاز، وكرهه عامة أهل العراق، وتضاربت آراء الخاصة من أهل الإسلام، فقيل أعدل الآراء ما أخذ الغناء على سبيل الشّعر، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح.
وإنّما كانت حجّة من أجازه، أن أصله الشّعر الذي حثّ عليه النبي صلى الله عليه وسلّم ولم ينه عنه، فألحق الفرع بحكم أصله، فما حجّة من يجيزه اليوم وعلى أي سبيل يأخذه ولا أصل له ولا فصل؟
وماذا نقول اليوم لو أن أحدهم رمى الغناء بقول عبد الملك بن مروان (وضيعٌ للمروءة هادمٌ للشّرف)؟
هل بإمكاننا أن نردّ عليه بقول عبد الله بن جعفر، (إنّما هو من الشّعر أحسنه)؟
لا والله ما هو من الشّعر، لا أحسنه ولا أقبحه، ولا نقول إلا صدقت يا أمير المؤمنين. لقد خرجت الأغنية من ديوان العرب إلى سوق العنب (العنب العنب العنب..)، ليكتبها كلّ من يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق عدا الشّاعر، لا تحلّ قلمه- إلا إذا تكلّف السّوقيّة والابتذال- فصار بينها وبين القصيدة ما بين سحبان وباقل، فكيف يجتمع الشيء وضدّه على منصّة واحدة؟
عن كُتّاب الأغاني والملحنين والمغنّين، إن جارت عليهم الفصحى، فأي فنٍ يسوقون وعن أي أدب يتحدّثون. أم زعموا مراعاة ذوق الجمهور، فكذبوا وربّ الكعبة.
في الأشهر القليلة الماضية لم تنتشر أغنية لفنان يمني عربيًا مثل أغنية مادلين العبسي، لأنّها غنّت شيئًا لامرئ القس.
لو كانت الأغنية اليوم كشيء من الأدب، همّها إيصال معنى شريف بأسلوب يشنّف السّمع ويلفت الأنتباه، لأعتبرناها فصيحة، لكن الكلمات المبتذلة ذات المعنى السّخيف التي تعفّ سمعك عن سماعها إذا قيلت أو قرأت، تطرب لها وتحفظها إذا غُنّيت، فأي شيء أخطر من الأغنية على وعي المرء وثقافته وذائقته ولغته وأخلاقه؟
هذا الصّوت الذي يخدّرك حتّى يفرغ في تكوينك محتواه وفحواه الهابطين، هو التّخدير في عملية استئصال شيمة وزراعة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.