في الوقت الذي تزعم فيه مليشيا الحوثي مناصرة القضية الفلسطينية، وتدّعي الدفاع عن غزة، تواصل الجماعة ارتكاب جرائمها اليومية ضد المساجد وروادها في مختلف المحافظاتاليمنية، في تناقض فجّ يفضح زيف شعاراتها الإعلامية. فخلال الأربع والعشرين ساعة الماضية فقط، اقتحمت المليشيا عددًا من المساجد في عمرانوإب، وقتلت إمامًا أثناء الصلاة، ونهبت محتويات دور عبادة، قبل أن تشن هجومًا مسلحًا على منزل ومسجد الشيخ صالح حنتوس في ريمة، في واحدة من أبشع جرائمها الموجّهة ضد القرآن الكريم ومعلميه. تأتي هذه الانتهاكات ضمن سياق ممنهج تنتهجه الجماعة منذ ظهورها، يستهدف التعليم الشرعي وحلقات التحفيظ ودور القرآن، ويجرّم أي نشاط ديني لا يخضع لسلطتها، تحت تواطؤ شخصيات محلية تصطف إلى جانب المليشيا في تنفيذ هذه الاعتداءات. في هذا التقرير، يستعرض "الصحوة نت" خلفيات الجريمة التي طالت الشيخ صالح حنتوس في ريمة، والتي تأتي ضمن سلسلة من الاعتداءات الحوثية المتزامنة على المساجد وروادها في مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي.
- محاصرة وقصف منزل الشيخ حنتوس: قصفت مليشيا الحوثي، فجر الثلاثاء، منزل الشيخ صالح حنتوس، مدير دار القرآن الكريم السابق في مديرية السلفية بمحافظة ريمة، عقب حصار استمر لساعات، رفض خلاله الشيخ الاستسلام، مؤكدًا في تسجيل صوتي أنه يتعرض لمحاولة اغتيال وسط صمت مجتمعي.
وقالت مصادر محلية ل"الصحوة نت" إن المليشيا استخدمت قذائف هاون وأسلحة متوسطة لقصف منزل الشيخ، ما أدى إلى إصابته وزوجته، واحتراق أجزاء من المنزل، وسط حالة ذعر واسعة في المنطقة، ومنع تام لأي محاولة لإسعاف الجرحى أو رفع الحصار.
وأضافت المصادر أن الشيخ، البالغ من العمر قرابة الثمانين عامًا، لا يمارس أي نشاط سياسي ويُعرف بتفرغه الكامل لتحفيظ القرآن الكريم، وهو ما جعله عرضة لحملات المليشيا التي تعتبر أي تعليم مستقل تهديدًا لسلطتها الدينية الطائفية.
وكانت المليشيا قد أغلقت قبل خمس سنوات دار القرآن الكريم التي يديرها الشيخ، ما دفعه لمواصلة رسالته من خلال تدريس القرآن في المسجد القريب من منزله، بمساعدة زوجته، قبل أن تطاله يد القمع الحوثية أخيرًا في واحدة من أبشع صور الإرهاب الفكري.
- جرائم متزامنة بحق دور العبادة: في ذات الليلة، أقدمت مليشيا الحوثي على اقتحام مسجد بلال بن رباح وسط مدينة عمران، وأطلقت النار على الإمام أثناء وقوفه في محراب القبلة، ما أدى إلى مقتله على الفور، وسقوط اثنين من المصلين قتلى في مشهد مروع صدم الأهالي وأثار حالة من الهلع.
وأكدت مصادر محلية ل"الصحوة نت" أن الجريمة نُفذت أثناء صلاة العشاء، عندما دخل المسلحون المسجد وأطلقوا الرصاص دون سابق إنذار، مخلفين مجزرة دامية اختلطت فيها دماء الضحايا بالمصاحف، دون مراعاة لحرمة المكان أو قدسية الصلاة.
وفي محافظة إب، اقتحمت المليشيا مسجدين في مديرية العدين، ونهبت محتوياتهما بالكامل، في سياق حملة ممنهجة تستهدف المساجد المستقلة عن نفوذ الجماعة، وسط صمت الجهات المجتمعية في المنطقة، وتواطؤ بعض الأعيان المحليين.
وتزامنت هذه الانتهاكات مع اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى، في تطابق صارخ بين ما تفعله المليشيا في اليمن، وما يمارسه الكيان الصهيوني في فلسطين، رغم رفع الجماعة شعارات "المسيرة القرآنية" والدفاع عن القدس.
- تناقض صارخ بين الشعارات والممارسات: في "تصريح للصحوة نت" قال عبدالكريم محفل، وكيل محافظة ريمة، إن جريمة استهداف الشيخ صالح حنتوس تمثل امتدادًا لنهج الجماعة الانتقامي من العلماء، مؤكداً أن هذا العمل الوحشي يكشف زيف الشعارات التي ترفعها الجماعة باسم الدين.
وأضاف أن المليشيا حاصرت منزل الشيخ الذي يقيم فيه مع زوجته وعجوز مسنّة تتجاوز التسعين، ثم أمطرته بالقذائف دون رحمة، رغم أنه لا يملك سوى مصحف وكرسي خشبي، ولم يرتكب أي ذنب سوى مواصلة تعليم كتاب الله في أحد المساجد.
وشبّه محفل ما حدث في ريمة بما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي في غزة، قائلاً: "تفجير المساجد، قتل المسنين، نسف دور التحفيظ... كلها أعمال مشتركة بين العصابة الحوثية والكيان الصهيوني، والفرق فقط في الشعار الذي يخدعون به الناس".
وأكد وكيل المحافظة أن الجماعة تنفذ أجندة طائفية دخيلة على اليمن، تسعى لطمس هوية المجتمع، واستبدالها بمنهج الرسيين، محذرًا من خطورة صمت الوجهاء على ما يحدث، ومطالبًا بمحاكمة المتواطئين مع المليشيا وتسليمهم للعدالة.
ولفت محفل إلى أن هذه الجرائم مؤشر على قرب نهاية الجماعة، قائلاً: "حين تصل المليشيا لمرحلة قصف المسنين في بيوتهم، فاعلم أنها تتخبط وتنهار، وستزول كما زالت العصابات التي سبقتها".
- الوجه الحقيقي للحوثي: قال عضو مجلس الشورى شاكر الهتاري في تصريح ل"الصحوة نت" إن الجريمة التي ارتُكبت بحق الشيخ صالح حنتوس في ريمة تفضح تمامًا كذب خطاب الحوثي حول نصرة غزة، مشيرًا إلى أن الجماعة تحارب أهل القرآن في اليمن، وتنافق باسم القضية الفلسطينية.
وأوضح الهتاري أن الشيخ صالح رجل مسن تجاوز الثمانين، لا علاقة له بالسياسة، ولم يملك سوى دار تحفيظ بناه فاعلو خير، أغلقه الحوثيون قبل سنوات، ومع ذلك واصل التعليم في المسجد، فلاحقوه بقذائف الهاون والرصاص حتى كاد يُقتل.
وأضاف: "كيف تنصر غزة وأنت تفجّر دور القرآن وتقتل الأئمة في عمران؟ هذا ليس دعمًا لفلسطين، بل تزويرًا للوعي وتغريرًا بالشباب، والشيخ صالح اليوم شهيد القرآن كما في غزة شهداء المسجد الأقصى".
وأشار الهتاري إلى أن الجريمة وقعت أمام صمت وجهاء ريمة، داعيًا إياهم لاتخاذ موقف شجاع، وأضاف: "إذا لم يتحرك مشايخ ريمة الآن، فسيندمون حين تمتد نيران الحوثي إلى بيوتهم ومساجدهم".
وأكد الهتاري أن الحوثي وهو في أضعف حالاته يرتكب جرائم حرب، فما الذي سيفعله لو تمكّن من السيطرة الكاملة؟ مشددًا على أن هذه الممارسات الوحشية هي التي ستعجّل بنهاية الجماعة قريبًا.
- تواطؤ بعض الشخصيات ودعوات للمحاسبة: اتهمت مصادر محلية في ريمة شخصيات اجتماعية بالتواطؤ مع المليشيا في تنفيذ الهجوم على منزل الشيخ حنتوس، بينهم المدعو فارس روبع والمدعو أبو نصر الحسني وغيرهم، الذين شاركوا في الحصار وتسهيل دخول الأطقم إلى المنطقة.
وأكد وكيل محافظة ريمة، عبدالكريم محفل، ل"الصحوة نت" أن هؤلاء الأشخاص يمثلون الواجهة لجرائم المليشيات في ريمة، ويعملون على تسهيل الاعتداءات على المساجد والعلماء، مطالبًا بكشف هويتهم ومعاقبتهم، والتشهير بكل من يشارك في دعم المشروع الحوثي داخليًا.
ودعا البيان الرسمي الصادر عن السلطة المحلية في ريمة كافة المشايخ والوجهاء إلى إدانة الجريمة والضغط لوقفها، محذرًا من تداعياتها على النسيج الاجتماعي، وداعيًا الأممالمتحدة والمجتمع الدولي للتحرك العاجل ووقف الانتهاكات الحوثية.
وعبَّر ناشطون عن سخطهم إزاء الجريمة الحوثية، مشيرين إلى أن ارتكابها في هذا التوقيت يعكس ارتباكًا سياسيًا وعسكريًا داخل المليشيا، ما يدفعها لمزيد من التصعيد الداخلي، واستخدام العنف ضد المدنيين والعلماء في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.