مقالات الخضر سالم بن حليس نابتة شبابية مزهوّة تنادي (الرسول) - عليه الصلاة والسلام - باسمه المجرد، وتصفه بتعابير أقرب للتهكم والازدراء، وتترفع – عنتا - عن حفظ مقامه السامي، وألقابه الشريفة. في مضامين الخطاب القرآني تربية أسلوبية دقيقة في رسم معالم الحديث مع الأنبياء، وتعليم الذوق الأمثل في احترام مكانتهم وألقابهم، ففي ثلاثة عشر موضعًا جاء النداء الإلهي (يا أيها النبي)، وفي موضعين (يا أيها الرسول) ولم يناده باسمه المجرد (محمد) أبدًا، والاسم في مواضعه الأربعة في سياق التعريف والتعيين. ثم توالت التعاليم القرآنية تلقن المجتمع المسلم طرق التعامل مع شخصيات النبوة، وتحفظ لهم ألقابهم، وتمنع من دعائه كدعاء بعضهم، ورفع صوتهم عنده كرفعه مع بعضهم، وندائه كنداء بعضهم. حفظا لمركزيته في الأمة، وتنبيها على مقامه السامي، ووضعه في الموضع اللائق الشريف. لقد جاء النص القرآني يحذر المجتمع من خلط الألقاب، وتمييع المقامات، مع جناب النبي *﴿لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا﴾* فالبيئات التي غابت الذوقيات في تعاملاتها جديرة أن يُلفت انتباهها إلى محاذاة الانضباط، وإيقاف درك الانحطاط. ثم تداولت مدونات السير والتاريخ كيف احتفى أصحابه به، ووقروه، وأنزلوه بينهم منزلة عالية فريدة، وبالغوا في احترامه وتكريمه حدا لم تعرفه الرسالات، ولا سجلته طقوس الحضارات، ولا حضي به أو ناله الرجالات، وسارت الأجيال على تلك المراسيم، ما هو مزبور في تراجم كل عصر. تناول العلماء هذا الذوق الخطابي ضمن فهارس الحقوق النبوية، وفي قوائم الاحترام الإسلامي للنبي الكريم، ففي القرن السادس الهجري، سجل القاضي عياض المالكي(ت:544) وثيقة حقوقية متينة لقوائم الحقوق النبوية، والآداب المرعية، ومواطن الاحترام الشرفية، أسماها (الشفا) وتناولتها الأوساط العلمية والشخصيات العلمائية عبر القرون مرددة: (لولا الشفا لما عُرِف المصطفى) تعبيرًا عن موافقتها لمحتوياتها، وتأييدا لمسرد مضامينها، فأذاعت المقدمة: «صرح الله تعالى بفضله في كتابه، ونبه على جليل نصابه، وأثنى عليه من أخلاقه وآدابه، وحض العباد على التزامه وتقلد إيجابه، فكان جل جلاله هو الذي تفضل وأولى، ثم طهر وزكى، ثم مدح بذلك وأثنى، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى». فلست أدري ما مبررات هذه النابتة الشبابية التي تغادر مناطق الإجلال، وتوقع نفسها مرابض الإخلال، وتضع ذواتها في دائرة الملام والاتهام؟ 1. 2. 3. 4. 5.