الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    تهامة.. والطائفيون القتلة!    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني .. والعملات الأجنبية تصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    تكهنات بانخراط الرياض في اتفاق دفاعي غير رسمي مع واشنطن وتل أبيب    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    أول تعليق أمريكي على الهجوم الإسرائيلي في مدينة رفح "فيديو"    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    الهلال يصعق الأهلى بريمونتادا مثيرة ويقترب من لقب الدورى السعودى    قيادي حوثي يفتتح مشروعًا جديدًا في عمران: ذبح أغنام المواطنين!    "الغش في الامتحانات" أداة حوثية لتجنيد الطلاب في جبهات القتال    شاهد.. صور لعدد من أبناء قرية الدقاونة بمحافظة الحديدة بينهم أطفال وهم في سجون الحوثي    العثور على مؤذن الجامع الكبير مقتولا داخل غرفة مهجورة في حبيل الريدة بالحج (صور)    حقيقة فرض رسوم على القبور في صنعاء    بأمر من رئيس مجلس القيادة الرئاسي ...الاعدام بحق قاتل في محافظة شبوة    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    الرئيس الزُبيدي يطالب بخطط لتطوير قطاع الاتصالات    فتيات مأرب تدرب نساء قياديات على مفاهيم السلام في مخيمات النزوح    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    البرلمان العربي يحذر من اجتياح رفح جنوب قطاع غزة    الذهب يصعد متأثراً بآمال خفض اسعار الفائدة الأميركية    فارس الصلابة يترجل    صورة.. الهلال يسخر من أهلي جدة قبل الكلاسيكو السعودي    عودة نجم بايرن للتدريبات.. وحسم موقفه من صدام الريال    السياسي الوحيد الذي حزن لموته الجميع ولم يشمت بوفاته شامت    مبابي يوافق على تحدي يوسين بولت    التشكيل المتوقع لمعركة الهلال وأهلي جدة    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    مليشيا الحوثي تقتحم قرية بالحديدة وتهجّر سكانها وتختطف آخرين وتعتدي على النساء والأطفال    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    صنعاء.. اعتقال خبير في المواصفات والمقاييس بعد ساعات من متابعته بلاغ في هيئة مكافحة الفساد    القاعدي: مراكز الحوثي الصيفية "محاضن إرهاب" تحوّل الأطفال إلى أداة قتل وقنابل موقوتة    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    عقب تهديدات حوثية بضرب المنشآت.. خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة ومصادر تكشف السبب    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرابة قرنٍ كامل على الفكرة وأربعون عامًا على التأسيس المؤتمر الشّعبي العام.. مسَارات وتحديات
نشر في المشهد اليمني يوم 24 - 08 - 2023


مقالات
د. ثابت الأحمدي
استهلال تاريخي
في أغسطس من العام 1928م وضمن المساعي السياسيّة التي قادها رئيس حزب الدستور التونسي الشيخ عبدالعزيز الثعالبي بين سلاطين الجنوب وأئمة الشمال في اليمن آنذاك وضع المذكور فكرة "مؤتمر يمني عام"، من كلا الشطرين، نصّت المادة الخامسة منه على "تأسيس لجنة دائمة، مؤلفة من أعضاء، يختارهم أمراءُ البلاد الممتازة، وأعضاء يختارهم الإمام، للنظر في حقوق ومطالب ومصالح الجهات الممتازة، وإذا حصلَ خلافٌ تنظر فيه". انظر الرحلة اليمنية 12 أغسطس 17 أكتوبر 1924م، عبدالعزيز الثعالبي، ص: 158.
تعثرت الفكرةُ التي لم يتحمس لها الإمامُ أساسًا؛ لأن الجنوبيين لن يأتوا إليه بالحُبوب والغِلال التي يتحصُّلها بالاستحواذ والقسر من رعيّة الشمال، كما لم يتحمس لها السلاطينُ في الجنوب أيضًا، لحساسيتهم التاريخيّة من نظام الإمامة التي يحملون عنها انطباعًا سيئا، ثم إن القرار في محصلته النهائية ليس بأيديهم آنذاك، كونهم واقعين تحت الاحتلال البريطاني.
في 11 أغسطس من العام 1963م انعقد "المؤتمر اليماني العام" في صنعاء، بمشاركة مجموعة من شيوخ القبائل، موجهًا الدعوة الى جميع المشايخ والعلماء للمشاركة فيه، للبحث عن طرق ووسائل حل المشاكل السياسية الداخلية للبلاد، وفي السابع عشر من الشهر نفسه بدأت أعمالُ المؤتمر الثاني الذي أقر توجيه نداءٍ إلى مشايخ القبائل المناصرين للنظام الجمهوري والواقفين إلى جانب الملكيين، كما وجه نداءً الى رجال الدين، يدعوهم إلى المشاركة في أعمال "المؤتمر اليماني العام" في عمران، للمساهمة في حل القضايا السياسية الداخلية للبلاد.
وانعقد المؤتمر آنذاك، لتحقيق مصالحة وطنية شاملة، من أجل حماية النظام الجمهوري والدفاع عن الثورة ضد الأعداء الإماميين، وقد عُقد المؤتمر بمشاركة 500 شخص، يمثلون المشايخ والعلماء والحكومة والقوى الوطنية، وكذلك ممثلي النقابات في جنوب الوطن. وفي سبتمبر من العام نفسه صدر قرارٌ بإنشاء الجيش الشعبي. كما صدر في مايو 1965م قرار جمهوري بتشكيل لجنة دائمة، تتكون من 27 عضوًا، كُلفت مؤقتا بالقيام بمهام مجلس الشورى، وفقًا لما نصّ عليه الدستور المؤقت الثاني، كأول برلمانٍ تشهده الجمهورية العربية اليمنية، الوليدة.
في ابريل من العام 1977م، وفي مدينة الحديدة تحديدًا أعلن الرئيس إبراهيم محمد الحمدي عن تأسيسِ المؤتمر الشعبي العام، ونظرًا لتحولات المرحلة وظروفها تعثر سير الفكرة. وقد ظهر الرئيس الحمدي متحدثا عن هذا الكيان الجديد في مؤتمر صحفي مصوّر.
وهكذا تعثرت كل الخطى الداعية إلى هذا المؤتمر اليمني العام الذي يجمع شتات اليمنيين تحت راية واحدة، منذ الفكرة الأولى، على الرغم من حاجة اليمنيين الماسّة لهذا الكيان الذي يوحد شتاتهم.
في 24 أغسطس من العام 1982م تم الإعلان رسميًا عن تأسيس المؤتمر الشعبي العام، واختيار علي عبدالله صالح أمينًا عامًا له، من قبل أعضاء اللجنة الدائمة المؤسسين، وعددهم ألف مؤسس، كما تم انتخاب الدكتور أحمد محمد الأصبحي أمين سر اللجنة الدائمة، وللتاريخ فقد كان الأصبحي دينامو المؤتمر الشعبي العام، وصائغ أغلب أدبيّاته التنظيمية، ومهندس برامجه وسياساته بثقافته الموسوعيّة وفكره العميق، وإلى جانبه أيضا آخرون، كانت لهم جهود وطنية رائدة.
بعد هذا الاستهلال، وبعد استقراء أربعين عامًا مضت من عمر هذا الحزب العريق نستطيع تقسيم مراحله إلى خمس مراحل:
المرحلة الأولى: 1982 1990م.
خلال هذه المرحلة نستطيع القول: أن المؤتمر الشعبي العام الذي تعثرت خطاه السابقة في جميع المراحل قد نجح في الوقوف على قدميه، ومثّل أول "لقاء مشترك" جامعٍ لكل اليمنيين بمختلف توجهاتهم وأطيافهم، في مرحلة تاريخية حادة من الصراعات الداخلية، جزء منها من امتداد الحرب الباردة، فقد كانت الأصابعُ على الزّناد بين أيديولوجيتي: "اليمين واليسار"، وكلٌ منهما على النقيض التام من الآخر؛ لكن بانضوائهم تحت راية المؤتمر الشعبي العام، وبرئاسة الرئيس علي عبدالله صالح احتكم الجميعُ إلى أدبيّات الحزب، بعد احتكامهم إلى فوهات البنادق خلالَ أربع سنوات مضت، من الحروب الأهليّة والداخليّة، عُرفت بحروبِ المناطق الوسطى التي شملت: شرعب وإب وريمة ووصابين وعتمة وآنس. وانعقدت الدورات الداخلية للمؤتمر بكل سلاسةٍ وديموقراطية، وقد حصل أحدُ عناصر "الحركة الإسلامية/ الإخوان المسلمين" آنذاك على الترتيبِ الأول في الانتخابات الداخلية، وهو الشيخ محمد حسن دماج، محافظ محافظة المحويت حينها، الذي انتمى للجماعة في تعز، سنة 1967م.
هذه النخبة التنظيميّة السياسيّة بجميع أطيافها شاركت في المؤتمر الشعبي العام، وشاركت أيضًا في الدولة، ولم ينفرد تيارٌ أو جماعة ما بالسيطرة خلال هذه الفترة، بمن فيهم علي عبدالله صالح نفسه الذي كان شوكة الميزان، وإن كانت أضواءُ الإسلاميين أكثرَ بريقا داخلَ المؤتمر خلال هذه الفترة.
المرحلة الثانية: 1990 1994م
عقب قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م تغيرت المعادلة السياسيّة في البلاد، وتحولت التيارات التنظيمية السرية إلى أحزابٍ سياسية علنية، تأخر لاعبون، وتقدم آخرون، وتم الإعلان عن التحالف بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، وشاع مصطلح: "الحزبان الحاكمان"، خفتت على إثره أضواء عناصر ما عرف بالحركة الإسلامية، "الإصلاح لاحقا"، وقد تحولوا إلى معارضة، متكئين على جمهور عريض استقطبوه خلال الفترة السابقة، أغلبه من الوسط التربوي والشباب الجامعي، إلا أن هذا الجمهور ليس أعرضَ من جمهور المؤتمر. وفي الجنوب أيضًا ليس أعرضَ من جمهور الحزب الاشتراكي.
في هذه الفترة تمايزَ المؤتمر الشعبي العام تنظيميًا، بعد أن غادرت كثيرٌ من عناصره السّابقة إلى حيث تجدُ نفسها، يمينًا ويسارًا. ومع هذا ظلت العلاقة وطيدة بينه وبين كل الأحزاب بلا استثناء، بما في ذلك الحزب الاشتراكي اليمني الذي أعلنت بعضُ قياداته الانفصالَ في مايو 1994م.
المرحلة الثالثة 1994 2006م
خلالَ الفترة الأولى من المرحلة الثانية، وعلى وجه التحديد فيما بين: 94 إلى 97م، تشاركَ المؤتمر الشعبي العام "السلطة" مع التجمع اليمني الإصلاح، كما تشارك "الحكومة" أيضا مع بقية الأحزاب والتيارات الأخرى، بمعنى أن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس الهيئة العليا للإصلاح يكاد يكون الرئيس الثاني بعد علي عبدالله صالح في مرحلة ما بعد 93م، سواء من موقعه القبلي، شيخا لمشايخ اليمن، أو من موقعه الحزبي للإصلاح، أو من موقعه البرلماني، رئيسا للبرلمان. وبهذا ظل الإصلاح شريكَ "سلطة"، لا شريك "حكومة" فقط. ونستطيع القول عن هذه السنوات أنها "سنوات العسل" بين الحزبين، "المؤتمر والإصلاح"، والتي تمثلُ امتدادًا لمرحلة ما بين 82 إلى 1990م، وإن شابَها بعضُ التوجس الخفي، كحالة طبيعية لأي شريكين في معركة ما؛ إذ يتوجسُ كل طرف من الطرف الآخر، ويبدأ الطرف الأقوى في الاستحواذ على الأضعف...إلخ.
المرحلة الرابعة: 2006م، 2014م
تكاد هذه الفترة تكون أزهى فترات المؤتمر الشعبي العام، جماهيريا وسياسيا، فعلى الصعيد الجماهيري استطاع علي عبدالله صالح الفوزَ في الانتخابات الرئاسية الجادة التي نافسته فيها أحزابُ اللقاء المشترك، بكل جدارة، وتعتبر أول حالة عربية تقريبا، للتنافس الجاد لمنصب الرئاسة، صحيح أنه سبقتها حالة عام 99م؛ لكنها لم تكن بمستوى حالة 2006م.
لقد جدد الحزبُ نفسه داخليا من خلال المؤتمر العام السابع، والذي انعقد في عدن في نهاية العام 2005م، ومثّل انتخاب الأستاذ عبدالقادر باجمال، رحمه الله، حالة إيجابيّة على الصعيد التنظيمي الذي شهد حراكا داخليا ملحوظا حتى العام 2008م، والذي تم فيه انتخاب عبدربه منصور هادي، نائب رئيس الجمهورية آنذاك نائبا لرئيس المؤتمر، أمينا عاما للحزب، خلفًا للأستاذ باجمال، فدخل الحزبُ حالة الصقيع والتجمد، وكان قبل ذلك شعلة متوهجة من النشاط.
خلالَ هذه الفترةِ ساءت علاقةُ المؤتمر الشعبي العام بأغلبِ الأحزاب السياسيّة الفاعلة على السّاحة، التي ناوأته بكل قوة، ووصل الجميع إلى قطيعةٍ شبه تامةٍ لأول مرة، ما كان ينبغي لها أن تحدث أبدًا، وتشكلت داخل اللجنة العامة والأمانة العامة للحزب ما عُرف بالصقور والحمائم، كان بعضهم ينفخ في نار الخلافات، منطلقا من مصالح ذاتية، فيما كانت للبعض الآخر رؤىً رزينة وازنة، كالدكتور أحمد عبيد بن دغر، والدكتور أبوبكر القربي وآخرين، إنما غلبت مخالب الصقور على مناقير الحمائم..!
ليس ذلك فحسب؛ بل لقد تصدرت لقيادة الحزب شخصيّاتٌ غارقة في الأمية السياسية والثقافية والتنظيميّة، كانوا سببًا في سوء العلاقة مع الأحزاب الأخرى التي تكتظ بصقورها المتطرفين والجهلة أيضًا.! آل الأمرُ في المحصّلة النهائية إلى أحداث 2011م التي انفرط فيها العِقدُ على الكل، والتي شهد المؤتمرُ فيها أعنف هزة تنظيميّة في تاريخه؛ لكنها على عُنفها هذا لم تؤثر عليه كثيرًا، وظل متماسكا بقوة؛ إذ شهد الحزبُ مغادرةَ بعض أعضائه منه، وإن لم يلتحقوا بأحزاب أخرى، مترقبين ما ستؤول إليه المعادلة في صيغتها النهائية، والتي طالت، ثم آلت إلى غيرِ ما توقع الجميع.
المرحلة الخامسة 2014م .....؟
في العام 2014م كانت الهزة السياسيّة الأكبر في تاريخ المؤتمر الشعبي العام، وهي جزءٌ من الهزة السياسيّة للدولة أساسًا، كما أنها نتيجة لخلل في التقدير وسوء في قراءة المشهد من قبل بعض قيادة الصف الأول للمؤتمر، لا من قبل المؤتمر كله. لم تمر هذه الهزة العنيفة بسلام كما مرت في 2011م؛ بل كان لها ما بعدها، وحتى اللحظة. وفي الواقع لا نستطيع الحديث عنها ما دمنا نعيش تفاصيلها؛ لأن الحديثَ عن أي فترةٍ سياسيّة يقتضي انتهاؤها أولا، حتى تتم قراءتها كليا، لا جزئيا.
ولا يفوتنا أن نشيرَ إلى أنه ما من حزب سياسي على الساحة إلا وتورط في مثلبة ما، تجاه الوطن، تُحسب عليه: تورط الناصريون في انقلاب على الدولة القائمة في أكتوبر 78م، وتورطت قيادة الحزب الاشتراكي في إعلان الانفصال عام 94م، وتورط التجمع اليمني للإصلاح في ثورةٍ غير محسوبةِ النتائج مع آخرين عام 2011م، وأخيرًا تورطت بعضُ قيادة المؤتمر الشعبي العام في التحالف مع أسوأ كيان إمامي بغيض في تاريخ اليمن. وللأسف فكلُّ حدثٍ من هذه الأحداث لم يستفد منه اليمن على الإطلاق، فقط الإماميون استثمروه لصالحهم، حتى كان إعلانهم النهائي في الانقلاب على الدولة في سبتمبر 2014م. ووفقًا للكاتب العربي الكبير ناصر الدين النشاشيبي الذي استقرأ الحالة اليمنية قبل هذا بسنوات: "فإن الأمرَ الأكثر مرارة في أوضاع اليمن شديدة التخلف قد تؤدي مناخات الحرية في ظل ضعف النظام السياسي إلى الفوضى وبروز نزعاتٍ يمكنها أن تقود إلى متاهات تمزُّقٍ جديدة، وصراعات يغذيها الإرث الإمامي". وهذا ما حصل.
المؤتمر.. وكعب أخيل..!
في الواقع إنّ الحديثَ اليوم عن الأحزاب السياسيّة سابقٌ لأوانه، وتجاوزٌ لما هو أهم، وهو الدولة، فقبل أن نتكلمَ عن الحزبِ نتكلم عن الدولة، باعتبار الحزب جزءًا منها، إنما ثمة مبررٌ قد يبدو موضوعيا في الحديث عن الحزبية اليوم، وهو أن جملة الأحزاب اليمنية إحدى الآليات لاستعادة الدولة، بحكم انهيارِ أغلب مؤسساتها، ومن جهة ثانية يقتضي الأمرُ الاستفادة من تجربة التجمع اليمني للإصلاح على وجه التحديد، في البناء التنظيمي الذي يُعتبر "كعب أخيل" بالنسبة للمؤتمر الشعبي العام..!
يمتلكُ المؤتمر قاعدةً جماهيريّة واسعة، ويمتلكُ نخبة سياسيّة مرموقة؛ إنما مشكلته الأساسيّة في بنيته التنظيمية، الحلقة الأضعف في بنائه، ويقال: تُقاسُ السّلسلة بأضعفِ الحلقات فيها..!
استطاع المفكر والسياسي الدكتور عبدالملك منصور أن يضعَ القاعدة الأساسيّة التنظيمية للحزب فيما بين 90 و 93م، كخبير سياسي، قادم من تنظيم حديدي صلب، انتقل إلى المؤتمر الشعبي العام سابقًا، بخبرته القديمة، عقب خلافه مع رفاقه، غير أنّ هذا البناءَ لم يكتمل؛ إذ غادرَ الدائرة في العام 93م، إلى دائرةٍ أخرى، ولو كان قدر له البقاء في هذه الدائرة على الأقل لمدةِ عشر سنواتٍ لكان الأمرُ متغيرًا تمام التغيُّر؛ لأن الدائرة التنظيمية لأيّ حزبٍ سياسي هي قطبُ الرحى، وحجرُ الزاوية فيه، وقد أصيبت هذه الدائرة فيه بالكساح من وقت مبكر، منذ غادرها السياسي المستنير عبدالملك منصور. وزاد الأمرُ سواء أن تعاقبَ على رئاستها سلاليون، وشيوخ قبائل لا يكادون يعون معنى "التنظيميّة"..!
بل لقد زاد الطين بلة أنْ رَأسَ هيئة الرقابة التنظيمية والتفتيش المالي في الأمانة العامة للمؤتمر منذ نهاية العام 2005م، سلاليٌّ عتيقٌ هو يحيى الشامي، خلفًا لابن عمه أحمد العماد، الذي جثم عليها فترة طويلة حتى وفاته، وكان من أبرز سياسة الأول الخفيّة وربما الأول والثاني التي مارسَاها، ولم نعرفها إلا لاحقًا هي عرقلة كل الترقيات التنظيمية داخلَ دوائر الأمانة العامة للناشطين التنظيميين، عدا مَن رضيَا عنهم من أتباعهما. أسجل هذا للتاريخ، وأنا شاهدٌ عليه من خلال عملي في الأمانة العامة للمؤتمر فيما بين 2006 إلى 2011م.
يقتضي العملُ التنظيمي نفَسًا واحدًا متواصلا، وإن بوتيرةٍ متباطئة، المهم ألا ينقطعَ أو يتعثرَ لحظة واحدة، وبالنظر إلى "دائرة التأهيل والتنظيم" بالتجمع اليمني للإصلاح نجد أنه منذ تأسيس الحزب في سبتمبر 90م لم يتعاقب على رئاسة الدائرة غير شخصيتين تنظيميتين: محمد قحطان، فيما بين 90 إلى 94م، ثم عبدالله قاسم الوشلي، منذ العام 94م، وحتى اليوم، في استقرار تام، وتفرغ متواصل للعمل، في الوقت الذي لم تستقر الدائرة التنظيمية للمؤتمر الشعبي العام نصف هذا الاستقرار، للأسف.
منذُ العام 90م خلت الدائرة التنظيميّة للمؤتمر الشعبي العام من مناهج تنظيمية داخلية، تمثل لأتباع الحزب عقيدة وطنية، على الأقل كما كان الأمرُ عليه قبل العام 90م، من خلال الميثاق الوطني الذي كان يُخصّص له يومٌ واحدٌ في الأسبوع في مختلف الدوائر الحكومية، وكما هو عليه الأمرُ مع الأحزاب الأخرى، بما في ذلك الإماميون الذين يستندون على أيديولوجية تاريخية وتراث مهول، وإن كان مملوءًا بالخرافات، أو قل كله خرافات؛ لكن هذه الخرافة عقيدة بالنسبة لهم، وهي عقيدة تشبه عقيدة شعب الله المختار في الاصطفاء، وهاتوا لي جماعة ما بلا خرافة..!
صحيح أنّ التخففَ من أعباء الأيديولوجيا في أحد أوجهه حالة إيجابية؛ لكن انعدام الأيديولوجيّة من أساسها ليست حالة إيجابية مُطلقا. وتفرُّق الحزب بالصورة التي عليها اليوم خيرُ دليلٍ على ما نقول، في الوقت الذي صمدت أحزابٌ أخرى أقل منه جماهيرية، كالتجمع اليمني للإصلاح، ذي البنية التنظيمية العتيدة والمتماسكة، وكالإماميين أنفسهم، المرتكزين على أيديولوجيا الاصطفاء والأفضلية. وهو ما يقتضي إعادة النظر في هذه الجزئية على وجه التحديد خلال المرحلة القادمة. أتكلم هنا عن الأيديولوجيّة المنطلقة من الهُوية التاريخيّة والحضاريّة لليمن، لا عن أية أيديولوجية دينية؛ إذ لدينا فائضٌ في الأيديولوجيات الدينية، يكفي للتصدير إلى المنطقة كلها..!
أيضًا فإن جُزءًا كبيرًا من الخلل الذي أصابَ الحزبَ تمثلَ في مجموعةٍ من الشيوخ والضباط الذين استحوذوا على قيادةِ الحزبِ بعد العام 94م، ثم بعد المؤتمر العام السّابع بصورةٍ أكثر، وشكلوا ظاهرةً صوتيّة فقط، بلا نظرٍ سياسي أو معرفة علميّة تعينُهم على القيادة السياسية المرتكزة على سند معرفي، ببُعد استراتيجي عميق، وإن كان السّياسي المستنير الدكتور عبدالكريم الإرياني في قُمرة القيادة؛ لكنه الحلقة الأضعف بين عُتاة المشايخ والضباط المرتكزين على قبائلهم ونفوذهم.
والآن.. هل اتضحت الصُّورة؟ وهل سنستفيدُ من دروسِ الأمسِ في طريقنا نحو الغد؟ هذا ما يجبُ أن يكون، برؤىً عصريّة، قائمة على المعرفةِ وعلى البرامج، وقبل هذا وذاك.. أين الدولة؟!!!
* المؤتمر الشعبي العام
* علي عبدالله صالح
* الوحدة اليمنية
1. 2. 3. 4. 5.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.