"احذر فأمامك عائق اتجه إلى اليمين".. ستنساب تلك الكلمات إلى سماعة الأذن المتصلة بأذن الكفيف المستخدم "للنظارة الذكية" منبهة إياه ليغير طريقه إن كان أمامه ما يعيق سيره. وسر همس تلك الكلمات في أذن من حرم من عيناه متمثل في مجسين يوضع كل منهما على ذراعي الكفيف متصلين عبر الأسلاك بلوحة تحكم صغيرة، وبمجس يوضع في النظارة السوداء، حتى إذا واجه عائقًا أمامه أرسلت تلك المجسات تنبيهًا له بذلك. ودأبت الفتاتان الغزّيتان إيمان الشياح خريجة هندسة الحاسوب ورفيقة مشروعها جهاد أبو شقرة خريجة هندسة الكهرباء على اختراع تلك النظارة الذكية منذ شهرين لتنيرا الدنيا أمام من حرم نعمة الإبصار منذ ولادته أو من رحل نور عينه مؤخرًا. وفكرة المشروع توضحها الشياح بقولها لمراسلة الأناضول إن "واجه الكفيف أثناء سيره أي عائق سترسل النظارة إشارة سلكية للوحة التحكم والتي سترسل بدورها رسالة تنبيه صوتية عبر سماعة أذن متصلة بها". وتتابع صاحبة ال 22 ربيعًا: "أما إذا كانت هناك عوائق على اليمين فسيرسل المجس رسالة ليتوجه الكفيف يسارًا وهكذا بالنسبة للجهة اليسرى، وإذا كانت العوائق على الجانبين فسيدرس المجس سريعًا الطريق الآمن ويخبره به ليتجه نحوه". واستغرقت المخترعتان شهرين حتى تمكنتا من اختراع "النظارة الذكية"، وكانت المدة ستقصر لو أن المواد التي تحتاجانها توفرت لديهما كما تقول الشياح. تلك النظارة لن يتوقف عملها في مراحل متقدمة على إنارة الطريق أمام المكفوفين وحسب، بل سيسمح لهم بمعرفة الألوان دون وسيط بعد اليوم حيث ستحدد للكفيف ثلاثين لونًا وتخبره بإمكانية التنسيق بينها. وشاركت "النظارة الذكية" في مؤتمر أقيم في طاجاكستان في مايو/ أيار الماضي ولقيت استحسانًا كبيرا من زوار المؤتمر. وتقول صاحبة وشريكة الاختراع أبو شقرة أهم صعوبة واجهتهما أثناء العمل هي" الحصار وعدم تمكنهما سريعًا من الحصول على الأدوات التي تساعدهما في مشروعهما، والتي تتوفر في الولاياتالمتحدةالأمريكية ووصلت لهما مؤخرًا". وتسعى المخترعتان لتسويق مشروعهما كمنتج تجاري مهم لفئة المكفوفين، بعد أن يتم تطويره بعد شهر من الآن كما تقول أبو شقرة. واختيار الفتاتان لمشروعهما نبع من رغبة كلاهما في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام، ليستقر بهما القرار أخيرًا على الفئة التي يرونها أكثر تهميشًا "المكفوفين"، فجمعتا بين تخصصهما الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب لتنتجا "النظارة الذكية". وتقدر أبو شقرة تكلفة النظارة للمستهلك في حال تم تسويقها ب 1800 دولار أمريكي. وتعمل المهندستان الآن على تطوير تلك النظارة لتصبح لاسلكية، وتتمكن من قراءة العملات النقدية، وقراءة النصوص القرآنية. وتوضح الشياح أنه سيتم تطوير النظارة لاحقا لقراءة اللغة الإنجليزية والعربية، ولكن مازالت تدرس وزميلتها إمكانية حل مشكلة قراءة اللغة العربية لاختلاف أنواع الخطوط. ورأى مشروع النظارة الذكية النور بعد التحاق المخترعتين بمشروع "مبادرون 2" الذي وفر لهما الدعم المالي واللوجستي بعد أن أخفقت محاولتهما الفردية بسبب تكلفة المشروع المرتفعة وشح المواد. ومشروع "مبادرون 2" تنفذه الجامعة الإسلامية للمرة الثانية، ويهتم بدعم وتطوير مشاريع أصحاب الأفكار الإبداعية في مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالات والمحاولة لجعلها مشاريع مدرة للدخل يمكن تسويقها على النطاق المحلي أو الإقليمي. ويقول طارق ثابت مدير مشروع "مبادرون 2" لمراسلة الأناضول: "نسعى للحد من البطالة المنتشرة في قطاع غزة وتوفير فرص عمل من خلال تحويل أفكار الشباب -التي يصعب تنفيذهم لها بمفردهم بسبب عوائق مادية أو غيرها- إلى مشاريع مدرة للدخل". ويمضي قائلا:" يقدم دعم مالي و لوجستي 100% للمشاريع المنتسبة لمبادرون، وتمويل المشروع من مؤسسة التعاون وبمنحة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي"، مشيرًا إلى أن المشروع حقق نجاحًا كبيرًا في مرحلته الأولى قبل عامين ووفر 70 فرصة عمل مستمرة إلى الآن. ويعاني 30% من سكان قطاع غزة الذي يصل تعداده إلى قرابة المليوني مواطن من البطالة. ولفت إلى أن نسبة الفتيات المشاركات في المشروع وصلت إلى 30%، ومن خلال مبادرون تم إدخال صناعات جديدة إلى السوق المحلية. ويستهدف مشروع "مبادرون 2" فئة الشباب من 19-29 عامًا، ويدعم ثلاثين مشروعًا.