ما أشبه الليلة بالبارحة، فقد خرج معظم اليمنيين عام 2011م، من أجل التغيير وتصحيح مسار ثورة، "سبتمبر وأكتوبر"، من خلال نزولهم السلمي، إلى ميادين الحرية وساحات التغيير.. لم تكن ثورة أشخاص، ولا أحزاب، ولا جماعات، إنما ثورة شعب وكان لها هدف واحد واضح وضوح الشمس، هو إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، عنوانها العدالة والمساواة والتعايش, السيادة فيها للنظام والقانون. بالمقابل كان البعض يدرك أن الصراع السياسي واختلاف المصالح بين القوى السياسية، التي تجمعت حينها ضد الرئيس السابق، سوف تزيد الوضع الاقتصادي تدهوراً، واليمن سوف تتجه نحو الفوضى الخلاقة، لأن معظم الأحزاب السياسية في اليمن وفي مقدمتهم حزب الإصلاح "الإخواني"، سِمتها الأساسية هي الصراع والمؤامرة والتقاسم، والنزوع إلى تأزيم الحياة السياسية، فلا يخرجون من معركة حتى يبدأوا أخرى. هذه القوى الماضوية لم تترك لقوى التغيير المُضي نحو إزاحة الظلم والظلام، وبناء الدولة المدنية الحديثة، والحفاظ على وحدة الوطن، فسرعان ما اندست في أوساط الشباب، وسخّرت من أجل ذلك الإمكانات التي تضاهي إمكانات الشباب، فسيطرت على القرار، واستطاعت تحويل ثورة التغيير من ثورة شعب على حكم فاسد، إلى أزمة بين فاسدين ومجموعة أخرى من الفاسدين، وضاع الشباب ما بين هؤلاء وأولئك، وكان الشعب اليمني هو الضحية، الذي أصبح أمام غلاء يحرق قوت المواطن والموظف.. خزينة تكاد تشهر إفلاسها.. اقتصاد يترنح تحت ضغط العجز والمديونية والبطالة والفقر.. انفلات أمني غير مسبوق في تاريخ اليمنيين. فغاب المشروع الوطني، وانتصرت مشاريع القوى الظلامية، الذين يجهلون كل شيء عن السياسة، ولا يجيدون من فنونها سوى التمادي في الخصومات، وتوجيه الاتهامات الباطلة لمن يخالفهم الرأي، والتنكر للوعود، وتغليب قيم العنف والثأر على قيم الحوار، وضرب الخصوم بكل السبل المشروعة وغير المشروعة، للانفراد بالحكم وفرض رؤاهم على الآخرين، وعمليات الاستحواذ على كل مفاصل الدولة المدنية والعسكرية والأمنية. متميزون في إقصاء الآخرين من الحياة السياسية والوظيفية، بدرجة عالية لا يضاهيهم أحد، تطبيقاً لشعارهم: "من لم يكن معي فهو ضدي.. "فقاموا بتسكين جماعاتهم في المناصب القيادية، والذين لا يفقهون عنها شيئاً، على حساب أهل الخبرة والكفاءة، وتمت أخونة التعليم إدارياً ونظاماً ومنهجاً. جعلته بيئة خصبة لصعود "الإسلام الحزبي" وتوليد ظواهر التطرف الديني في اليمن، وكذلك تمت أخونة العدل والإعلام والكهرباء، وأخونة القروض الربوية من البنك الدولي، فأصبحت في عهدهم صكوكاً إسلامية، وحتى الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو الحج والعمرة، تم أخونته، فأخونوا الحجاج لهذا العام تحت يافطة المفاضلة، معظم الوكالات التي تفوح الحجاج والمعتمرين، منذ ثلاثة أعوام، ملك لبعض المسئولين في القطاع، ولقيادة اتحاد الوكالات ولحزب الإصلاح الإخواني بعد أن أخونوا مسئولي القطاع والاتحاد، أصبح الجمع بين الوظيفة والتجارة لهم مباحاً، ولغيرهم كفراً بواحاً!! فأجهضوا الثورة المدنية والديمقراطية، وكرسوا القبلية والمناطقية والمذهبية بين أبناء اليمن الواحد. هذه هي صورتهم بلا رتوش، وهي صورة برّرت للكثيرين فشل الثورة اليمنية.