كانت ساحة "التغيير" في صنعاء مكاناً للشباب الحقيقيين الذين قرروا المرابطة هناك للتعبير عن تطلعاتهم الى مستقبل يحلمون أن يكون مختلفاً عن ماضي آبائهم ومختلفاً عن الحاضر أيضاً، بعد أن التقوا هناك يتناقشون ويتعارفون ويتشاركون معاً في صناعة ذلك المستقبل وتحت شعار "التغيير" الذي يعني ترك الماضي والخروج عما هو سائد، والإمساك بزمام المبادرة.. لكن سراق الثروات والثورات كعادتهم في انتهاز الفرص داهموا ساحة " التغيير" تحت شعارات مختلفة، فقيادات اللقاء المشترك دخلت الساحة تحت شعار مناصرة "ثورة الشباب"، والمشايخ دخلوها مع بعض أفراد قبائلهم تحت شعار مساندة "ثورة الشباب"، والفاسدون في المؤتمر الشعبي شعروا ألا مستقبل لهم فذهبوا إلى ساحة التغيير يعلنون تخليهم عن السلطة وحزبها والانضمام ل"ثورة الشباب"، وعلي محسن الأحمر أحاط بالساحة تحت شعار حماية الشباب، والأصوليون الذين ذهبوا إلى هناك في البداية يعلنون انها ستكون "خلافة إسلامية".. تكاثرت اعدادهم وأعداد أتباعهم الذين يعتنقون ثقافة الجمود والتخلف.. فأصبح الشباب في ساحة التغيير أقلية، وفوق ذلك تعددت المسميات التي يعملون باسمها وهي تدل على تباين واختلاف، وقد حدث ذلك نتيجة تقاسم المداهمين لهم، أو بسبب تعدد تلك الجهات التي انخرطت في ساحة التغيير. إن ساحة "التغيير" اليوم تكتظ بالفاسدين وحملة ثقافة الجمود والتخلف، وصار المتحكم الحقيقي بها قوى التحالف القبلي الإخواني، وهذا التحالف هو الذي جر الفاسدين إلى الساحة، وللأسف إن كثيراً من الشباب رحبوا بذلك باعتبارهم داعمين لهم، وبعض هؤلاء الشباب يبررون ذلك تبريراً فيه سذاجة، إذ يقولون: "سوف نتحرر منهم في النهاية".. متناسين أنهم ليسوا أغبياء، فسواء قبل أو لم يقبل بهم الشباب فقد قد انخرطوا في ثورتهم وصاروا يعدون أنفسهم جزءاً منها، وهم الذين يتوقعون تحقيق كسب مضاعف، فمن ناحية أن هؤلاء الفاسدين وقوى التخلف قدموا إلى الساحة ليعلنوا أنهم قد تركوا السلطة وحزبها، وقد رحب الشباب بهم كما رحبوا بالتحالف القبلي الإخواني، فصارت ساحة "التغيير"بمثابة "مغسلة" لتطهير هؤلاء، وهذا هو المكسب الحقيقي الذي تحقق لهم بالفعل، أما الثاني فهم شركاء في المستقبل لأنهم قد اندمجوا في "ثورة الشباب" وسيعيدون إنتاج أنفسهم من خلال الهياكل التي يتم أو سيتم تكوينها. إنني هنا لا أدعي الغيرة على الشباب، بل بصدد تقديم شاهد على الكيفية التي يتم بها إسقاط التجارب التاريخية الأصيلة وسرقة الثورات والمشاريع التقدمية على أيدي القوى التقليدية الانتهازية، وهذا الشاهد يدل على استمرار حضور تلك القوى التي انتزعت من ثورة سبتمبر روحها التقدمية، وأسقطت مشروعات حداثية أخرى في شمال اليمن، وأفسدت التجربة الاشتراكية في الجنوب اليمني، وكذلك دمرت الجزء التقدمي في المشروع الوحدوي. إنه شاهد يريك كيف تتحول ساحة دعاة " التغيير" إلى " مغسلة " للفاسدين، وكيف تبدأ الثورات فيسارع دعاة الجمود والرجعية لإفسادها، ويبدأ بقيادتها الثوريون ثم تنخرط فيها القوى الرجعية لتحرفها عن مسارها وتنتزع القيادة لصالحها.