هكذا يقول اليمني أينما كان.. ويقولها بصوت عالٍ، قد يصم أذنيه ومن حوله، وذلك لسبب واحد؛ لأنه لا يشعر أنه موجود، وخاصة في بلاده، في الوقت الذي يجد فيه نفسه، بكل ما يمتلك من طاقة وإبداع ونبوغ وذكاء وفن، على الأقل هناك من يخبره أنه إنسان طبيعي وموجود، ثم يثبتون له أنه مبدع حقيقي، وهذا ما يجعله يحفر في الصخر ليفوز، ليفوز حتى بإثبات وجوده، وما نشهده في هذه الفترة بالذات، رسالة إلهية لنا لنفرح ونتفاءل ونصرخ بأعلى صوت في وجوه السياسيين والخونة الذين باعوا الوطن وباعوه معنا: نحن هنا.. نحن هنا يا عالم.. بدءاً بالمنتخب اليمني، والجمهور اليمني من المغتربين الذين أذهلوا أصحاب البلد والعالم، الذين لا يعترفون باسم (يمني)، المنتخب "الشباب" الذين تلعب بهم وزارة الشباب، يسرقون باسمهم ويسرقونهم، ويبحثون عن مدرب وملعب للتدريب، وكل واحد يحمل في قلبه من الهموم والأوجاع والانكسارات ما يفتك بأمة، يلعبون في الملعب كمقاتلين، كأن قلوبهم تريد أن تخرج كل ما يدوس على نبضها من وجع وقهر وهزيمة وضياع، وجاء الجمهور، من مختلف الفئات، العمال المغتربين بالمطاعم والبناشر والمحلات، الذين يعملون ليلاً ونهاراً ويتحملون قسوة الغربة، وإهانات الناس، ليقفوا خلف منتخبهم الوطني مشجعين وداعمين، ليأتي بعد ذلك رجال أعمالنا ومسؤولينا ويعترفون بهذا المنتخب وهذا الجمهور، ويعلنون عن تبرعاتهم السخية بعد فوات الأوان، في الوقت الذي يتحدث عنهم المعلقون والمحللون الخليجيون خاصة عن ما يحملون من إبداع وصبر وعزيمة وقوة واحتمال، وهم يعلمون من أين أتوا، وأنه لا وجه للمقارنة بين ما تمتلكه الفرق الأخرى وفريقهم، والجمهور يكتسح المدرجات، في الوقت الذي تفتقد مقاعد مشجعي الفرق الأخرى لعشرة منهم، هذا فضلاً عن رفعهم لعلم اليمن وتقبيله وترك أعمالهم.. لتأتي (لمياء الشرفي) وتحوز على المركز الأول على مستوى الخليج والعالم العربي في حفظ القرآن وتلاوته وتجويده، لتسطر لوحة أخرى من لوحات الابداع المحفور بدم القلب ودمع العين، لكن لم تلفت لها الأنظار طبعاً، لأنه قل منا من يقرأ القرآن ويتابع مسابقاته، في الوقت الذي لو كانت فيه مغنية، لكتبوا عنها وقرأوا وتداولوا صورها وسألوا عن عمرها وطولها ووزنها ودراستها و.. و..إلخ. ثم يأتي وليد الجيلاني ويقدم صوتاً يمنياً في أهم برنامج يتابعه كل العالم، ويعتبر فرصة للنجوم المشاهير، الذين يستضافون به، وخرجوا منه، ليقف بشموخ وبساطة وطيبة وعفوية وحزن مختبئ خلف ابتسامة رجل، رجل يقول: لأجل اليمن.. كأنه يريد أن يقول أنظروا إلينا نحن هنا، لم تقتلنا السياسة والحروب والجروح والدماء والخيانات والحكومة، ولدينا ما نقدمه، في الوقت الذي ينظر إليه حتى المشتركين في نفس البرنامج نظرة دونية على الرغم من تفوقه عليهم، على طريقة كلامه وحتى تعليقاته، فقط لأنه يمني، لكن هذا اليمن، جعل العالم يعرف أنه مازال في الخارطة مجد اسمه اليمن، وهناك يمنيون سيبدعون مهما كانت ظروفهم. والأكاديمي اليمني د/ فارس البيل، الذي نال درجة الدكتوراه في النقد الأدبي بأعلى درجة تمنحها جامعة عين شمس بمصر مثال آخر على كل هذا الصمود، وكل هذا النبوغ الذي مهما فعلوا لقتله والتخلص منه لن يصلوا، ولهم الكراسي ولنا المآسي، لكن لا تنطفئ شمعة فرحنا، ولن يخبو وهج إبداعنا.. فافعلوا ما شئتم حكومة وأحزاباً.