لقد تعب الناس كثيراً ، وفيما يبدوا أن المهزلة لن تتوقف ، الأيام تمر ولا تسجل إلا مزيداً من العجز وقلة الحيلة ، لا شيء يصمد أمام كابوس الظلام سوى صمت مشؤوم ، ها هو يترندع بكامل حريته ولا أحد منا يجرؤا على فعل شيء ، نبدوا أمامه كالبلهاء كلما فكرت أننا جميعنا نستجدي الساعة التي يعتقنا فيها من وحشته ، نظل بانتظارها ونحن نعلم أنه سيعاود بكآبته مجدداً فيما نعاود الاستمرار في الإذعان له والتسليم بعجزنا أمام عتمته الظالمة ، نجح و باءت كل محاولاتنا بالفشل والإخفاق الذريع ، انتهت المبررات وتآكلت فيما الحجج الواهنة لا تفارق تلك الظلمة الكالحة. الظلام يتحدانا بمفرده ونغرق في الهزيمة فرادى وجماعات ، يتسلى بنا ، ويعبث بأيامنا ويستبيح ما بدى له من كرامتنا ، بمفرده استلب الدولة وجردنا من معانيها ، نتذكر كل نهار أننا قادمون على ظلام دامس ونشعر كما لو أننا عبيداً له ولجبروته ولم نتحرر بعد من سطوته اللعينة ، نلوذ للنوم صاغرون ونحن نكاد نتفطر كمداً وغيظاً ، نصحو بسخطنا بوجوه عابسة ولا حديث لنا إلا عن ذلك الظلام الأحمق الذي انتهك حرمتنا وعشنا تفاصيل كابوسه ومغامرات الأشرار القذرة . الظلام يحتفي كل ليلة بانتصاراته ، يتباهى بقدرته الهائلة في إذلالنا ، ويبتهج بكل ما فيه من هيمنة وغرور ، لم يعد من معنى لوجود الاستعراضات العسكرية ولا الاجتماعات الوزارية ، تنهار الهيبة والمهابة لكل شيء وتبدوا كما الخدعة التي عشناها طويلاَ وها هو الظلام يجردها أمامنا ويعري حقيقتها ، يستل سواده ليمحو بياض كل شيء ويمرغ كل ما له علاقة بالسلطة والدولة والحكومة والسيادة في الوحل ، يجعلنا نعيش بلا كبرياء ويسلبنا كل ما تبقى لدينا من إحساس ينذر بوجودنا في زمن يعج بطفرته الرقمية ولم يعد مؤمناً بشيء مما نعيش . يا الله كم يخنقنا الصمت والعجز والخوف والتبلد والحيرة ، إنها تخنقنا وتقسوا علينا أشد من قسوة الظلام وكابوسه اللعين... - المنتصف نت