في ظل فشل أمني وحكومي وعجز رئاسي، استظلت تحت مظلته كل رؤوس الدمار والفساد والقتل، يستمر مسلسل عمليات الاغتيالات الممنهجة ويستمر التجيير ضد مجهول كما عودنا المصدر الأمني عند كل عملية اغتيال، أو توجيه التهمة لتنظيم القاعدة نهاية الأمر.. هذا التنظيم الذي تحول إلى شماعة فشل وعجز للأجهزة الأمنية كلما أرادت إغلاق ملف جريمة من الجرائم التي تعلم جيدا مرتكبيها. عبد الكريم جدبان ليس آخر الضحايا وليس أولها، فمنذ العام 2011م لم تتوقف عمليات الاغتيالات للقادة العسكريين والمدنيين ولو مجرد أيام، بل على العكس من ذلك، نجدها خلال الفترات الأخيرة تزداد وتيرتها ومؤشر سرعتها يوماً بعد الآخر كمخطط مدروس ومعد مسبقا من اللازم تنفيذه بفترة زمنية محددة لقائمة طويلة من الأسماء، ينتظر كل اسم من أسمائها دوره التالي. لغة الرصاص وطريقة التنفيذ واختيار الضحايا جميعها مؤشرات تدل على طرفٍ معين من بين كل أطراف الصراع على الساحة اليمنية. هذا الطرف الذي اختار نهج تصفية الخصوم كحل امثل لتحاوره، وكوسيلة أسهل لإزاحة كل من يعترض خطاه المتسارعة نحو السلطة بتجرد كامل وتام من كل القيم الدينية والاخلاقية والإنسانية، بل وصل حد الدفع بالبلاد إلى هاوية الحرب الطائفية والقبلية، والدعوة إليها والتشجيع لها. تتصدر خطابه الفتوى الجهادية وتتقدم صفوفه ارتال المسلحين والقتلة. هذا الطرف الذي ظل ومازال يستثمر الدين ويتاجر بالقيم، متصدراٌ مشهد الدفاع عن الله ورسوله، موكلا لنفسه النيابة عن كافة المسلمين قتال أعدائهم وأعداء دينهم، والله ورسوله والمسلمون أبرياء منهم ومن أعمالهم التي لا تنتمي بدمويتها وتجردها من الضمير والدين لخانة الهمجية المقيتة والجهل المقدس. الآلاف من الجنود والضباط كانوا ضحايا هذه الجماعة ابتداء من محاصرة معسكر الصمع ونهم وانتهاءً بعمليات القتل الجماعي عن طريق العبوات والأحزمة الناسفة والانتحاريين، ليبقى الرمز التذكاري لشهداء مجزرة السبعين وصور شهداء منتسبي الطيران ومنتسبي الحرس الجمهوري شاهدا على جرائمهم التي لن يمحوها التاريخ ولن تنساها الأجيال. الإخوان المسلمون أو ما يسمى بحزب التجمع اليمني للإصلاح، هذا الحزب الذي يقتات الدماء ويعتاش على الفتن والحروب والخراب والدمار، مستفيداً من حالة الانفلات والتسيب الأمني الذي عمل جاهدا على توسيع فجوتها ومساحتها لتشمل معظم المناطق والمحافظات اليمنية، مستغلاٌ الغياب الشبه تام لوجود السلطة العليا المتمثلة بالرئيس هادي الذي يكتفي بعد كل حادثة إجرام واغتيال مدبرة بتشكيل لجنة تحقيق أو لجنة تقصي حقائق أو لجنة صلح ووساطة مثل لجنة تعز المشكلة بعد اغتيال الدكتور فيصل المخلافي برئاسة جنراله المشير لاحتواء الخلاف والخروج بوثيقة صلح، ثم تلتها لجنة التحقيق المشكلة لحادثة اغتيال الدكتور عبد الكريم جدبان وكذلك برئاسة مستشاره الجنرال ووكيل جهاز أمنه السياسي، وليست هذه اللجان إلا نموذجاً لعشرات اللجان المكلفة من قبله والمشكلة سواء للتحقيق أو الصلح، ليأتي لسان حال المواطن العادي - بل ورجال النخبة السياسية والمثقفة بالوسط اليمني - ليقول كيف يُكلف القاتل بالتحقيق في جريمته التي اقترفها؟ لتوصلنا هذه الحقيقة إلى قناعة أكيدة عن مدى الإحباط والفشل الذي يعانيه سيادة الرئيس. ليست لجان التحقيقات والصلح بحادثة مقتل المخلافي وجدبان هي الوحيدة التي أهلت أنوارها علينا بقرارات هادي، فهناك على أطراف شمال الشمال من هذه الأرض اليمنية تدار معارك طاحنة ينزف بها الدم اليمني بكل ثانية، كل الاهتمام الذي حصلت عليه من قبل الرئيس هادي تشكيل لجنة وساطة وصلح قبلي بين الطرفين لم تستطع القيام بعمل شيء حتى اللحظة عدا استلام ما يقارب من (14 مليون ريال) كدفعة أولى من خزينة محافظة صعدة إلى جانب المبالغ المرسلة من خزينة جمهورية - شارع الستين. التصفيات والاغتيالات الحاصلة، التي تكتفي السلطة - رئاسة وحكومة - بإرسال برقيات العزاء وتشكيل اللجان وكأنها لا تحدث في مساحة تقع تحت مسئوليتها واختصاصها وحكمها، اغتيالات يتم تنفيذها بتواطئ السلطات نفسها وإلا كانت استقالات المعنيين وإقالتهم قدمت ونفذت منذ عامين وليس الآن فقط، إن كنا في بلد تحترم سلطاته نفسها وتحترم دم أبنائه وأرواحهم المسلوبة دون وجه حق عدا أنها تعارض توجهات احدهم هو نفسه المسئول عن حمايتها. لا يوجد طرف ثالث مجهول، كما يحاول البعض الترويج له، موجهين إليه اتهاماتهم القيام بتنفيذ هذه الاغتيالات من اجل اشتعال الصراع بين الأطراف، كما حدث بمقتل الدكتور جدبان، بل يوجد طرفان لاغير، احدهما لا يريد لهذه الحرب ان تنتهي، ومن مصلحته استمراريتها للقضاء على الآخر، إلا إن كان هذا الطرف الثالث هو نفسه الطرف الرئيس الداعم لحرب أنصار الله والسلفيين والداعي لتحشيد المقاتلين والمفتي بوجوب الجهاد لنصرة طرف ضد الآخر بعد أن وجد من قضية السلفيين أرضية خصبة وهدفاً جيداً لتحقيق طموحاته وتطلعاته في ظل التعاطف والدعم الداخلي والخارجي لقضية حصار دماج ونصرة أهلها وهو ما لم يحصل عليه من قبل، ولهذا فاستمرارية الحرب تصب تماما في مصلحته ومصلحة ما يهدف إليه. سوف يستمر نزيف الدم اليمني، وسوف تستمر قراءة أسماء المستهدفين خلال الفترة القادمة، وسوف يستمر العجز والفشل الحكومي والتسيب الأمني، وسوف يستمر الرئيس هادي بتوجيه رسائل العزاء والمواساة وتكليف لجان للتحقيق والمصالحة.. ويستمر ذبح الوطن. * أسبوعية "المنتصف"