الجنوب، ممثلاً بالحراك الانفصالي، التحولات التي تجري يومياً تحاصر أطروحاته، وحركة التغيير جنوباً وعلى مستوى اليمن تفقده قوته وتحشره في زوايا ضيقة، استمرار صرخاته اليومية لم تعدّ مجدية في خدمة أجنداته، كل أنشطته توظف في صراعات أخرى لا علاقة لها بأهدافه!! ** اليمني باطني لا يدافع عن مصالحه صراحة، وحده الحراك الانفصالي صريح، وباطنية جغرافيا أبين والضالع ولحج لا يصرحون أن حضرموت وعدن هي المجال الحيوي لجغرافيتهم.. الحضرمي أكثر صراحة في أطروحاته إن تحدث!! ** مركزية الشمال لم تعدّ قادرة على حماية نفسها ولملمة الجغرافيا الشمالية والجنوبية بمركزية شديدة طموح لم يعدّ له معنى، ولا الجنوب قادر على لملمة جغرافيته، لا أطروحات المنظومة المنتصرة في 94م قادرة على الاستمرار ولا مقولات الحزب الاشتراكي انعكاس لحاجات الجنوب وتشكيلاته التاريخية، أما دعاة فك الارتباط والحوثة فخارج المعقول الذي تنسجه التحولات.. اليوم الحلول الممكنة واضحة كالشمس لمن أراد أن يشوف ما يجري!!! ** المشكلة أن الثورجية قوى محافظة وتعاني من الخوف من التغييرات البنيوية الجذرية، لا يمتلكون روح المغامرة، جريئة فقط في مخاصمة التسامح ومتهورة في صراعات مراكز القوى، ونزعاتها التصفوية لكنها تخشى خوض غمار التجارب الجديدة!!! ** الجغرافيا اليمنية في تجلياتها النضالية قروية، وقواها الأكثر شراسة تبدو مدنية، وهي الصورة الأبرز لوعي القبيلة، لذا فإنها في مطالبه متحولة ومشتتة وسريعة في تغيير تلك المطالب، كما أن قراءتها للواقع تربك التغيير، قلة من منحوا الحكمة من منظومة مدعي المدنية. هذه القوى المنتشرة هي جديدة وامتداد لقوى منفعلة حداثوية، هي ليست تعبيراً عن قوى مؤثرة وفاعلة في الواقع وقوتها مركزة في الكلام وكلامها لا يعكس مصالح متجذرة في الواقع، لذا لن تجدها قادرة على حمل مشروع التغيير وأصابها الفشل في كل دورات الصراع وعادة ما تكون عاملاً معيقاً لأي تغيير فعلي وتبدو كقشرة سطحية موظفة في صراعات الفراغ الحاجبة لصفقات القوى الأكثر فاعلية ومهما كانت تناقضات القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المالكة لزمام القرار إلا أنها تتمكن من حسم التغيير بما يساعدها على توزيع الموارد بأشكالها المختلفة.. يلعب الخارج الإقليمي والدولي دوراً مؤثراً في ترتيب مسارات التغيير وفاعلاً إيجابياً في تخليق التوازنات التي تعيد صياغة واقعنا!! ** من يتابع التحولات في اليمن سيجد اختلاطاً ومزيجاً غريباً في التحالفات وفي تركيبة القوى التي يشكلها واقعنا اليمني، لا يوجد حدّية في القطاعات المختلفة التي تشكل مجتمعاتنا ولا حدّية في تركيبة التيارات السياسية، فالتشكيلات الاجتماعية والسياسية متشابهة ومتداخلة ولا يوجد فرز واضح داخل الجغرافيات ولا على المستوى الكلي لجغرافيا اليمن، الفرز الأوضح ذات طبيعة قبلية ويتجلى وعي القبيلة من خلال المناطقية والمذهبية وإن كانت غير واضحة ومن خلال العرقية المتخيلة في بنية القبائل بشكلها التقليدي، ومؤخراً برزت الهاشمية في بعض المناطق في مواجهة البقية وهي حالة طارئة أفرزتها الحوثية كفاعل يحاول بناء قوته استناداً على وعي القبيلة بشكله الأكثر تناقضاً مع الهاشمية ككتلة مدنية جذورها ضاربة في المجتمع اليمني!! الواضح أن الجغرافيا هي التي تفرز الصراعات ولم تتمكن النخب الممتدة من تجاوز هذه الإشكالية وهذا النوع من الصراع أفقد كل جغرافيا حيويتها في فهم حتى مصالح وانتهى الأمر بتركيز القوة بأيدي تحالفات نخبوية!! إعادة توزيع القوة المركزية بداية لتفعيل حيوية الحراك الاجتماعي داخل كل جغرافيا وعلى المستوى الوطني، ما يهم اليوم هو ضبط الانتقال حتى لا تتفجر الجغرافيا على أصحابها في صراعات عبثية مدمرة!!! ** مشكلتنا في اليمن التنظير والتنظير المضاد، والأخطر الحلول المثالية، التي يراد انجازها بين ليلة وضحاها، والأخطر نفي التجارب التي خضناها وعدم استيعاب ايجابياتها وسلبياتها، التأسيس للجديد كلما كان أكثر مثالية ومغايراً لتجربتنا التي مارسناها وهي واقع متحرك أياً كانت الأخطاء المفترض دراسة واقعها والبناء على الايجابي ومعالجة الأخطاء.. أي انتقال إلى مرحلة جديدة يحتاج التأسيس لها في الواقع العملي خطط متدرجة محكومة باستراتيجيات كلية وهذا الأمر لا يعتمد على التنظيرات المتعالية التي تسوق الحلول ووصم المعارضين بالأشرار والمخربين، المعترض قد يكون أكثر خبرة بالواقع ومستنداً على وقائع.. إن مخرجات الحوار ووثائقه ليست ملابس جاهزة إنها أفكار تحتاج إلى تموضع في الواقع وتموضعها يحتاج جهوداً جبارة وخططاً تفصيلية وخبراء في التعامل معها لا خيالات أصحاب الغرف المكيفة. الانتقال إلى مرحلة التنفيذ يحتاج طاقات لها الخبرة والطموح.. المشاريع الكبرى لا يمكن ان تتحرك في الواقع ما لم نمتلك قيادات جديدة تدمج بين خبرة الحكماء وطموحات القيادات الشابة التي لديها خبرة عملية ومتحفزة في تخليق الإبداع الذي يمكن الجديد المبني على خلاصة تجربتنا من العمل بفاعلية، مع ملاحظة ان بناء الجديد دون استيعاب ما هو موجود لا يخلق قطيعة مع الماضي بل يتحرك في فراغ ويفقد حيويته وتظل التجارب السابقة في وعي الناس فاعلاً معيقاً لجديد متعالٍ يشتغل يحاول أن يؤسس لنفسه دون امتلاك جذور تغذيه وتنعش وجوده!!