السياسة دائماً هي قلب الحدث، فحتى كرة القدم هي لعبة سياسية يكتنفها المكر والكر والفر والمراوغة من أجل تحقيق الأهداف، ولا أبرع من رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز في هذه اللعبة، الذي بات يتعين عليه ابقاء ناديه على قمة الاندية العالمية، ليس فقط في المداخيل المادية او التسويقية بل بالنتائج الكروية وتحقيق الألقاب أيضاً. في 2009 عندما بدأت حقبة برشلونة الذهبية بقيادة بيب غوارديولا، حيث أصبح أول ناد اسباني يحرز ثلاثية في موسم 2008-2009، بفوزه بدوري أبطال اوروبا والدوري المحلي وكأس الملك، كان يتعين على بيريز خطف الأضواء من الغريم التقليدي وتشتيت الاهتمام العالمي منه وتوجيهه الى ناديه بعدما نجح في استعادة رئاسة الملكي من رامون كالديرون، فحطم الرقم القياسي العالمي بقيمة بدل الانتقالات بضمه نجم مانشستر يونايتد كريستيانو رونالدو بعدما جذب الانظار بضمه نجم ميلان كاكا وبعدها لاعب وسط ليفربول تشابي الونسو بصفقات قاربت 200 مليون يورو. الدهشة في ما فعله بيريز جاءت بسبب ما كان يجري في العالم حينذاك، حيث نهشت الأزمة المالية كل مصارف العالم، وقادت دولاً عدة الى انتهاج سياسة التقشف وأخرى الى الافلاس، فكان الرئيس المنتخب للريال يسبح عكس التيار لكن بفضل المساندات المصرفية المحلية ونفوذه السياسي نجح في انجاز صفقات ألهبت الخيال، لكن اليوم بات الامر مختلفاً رغم ان الظروف شبيهة بقبل سنوات. فاليوم بيريز مطالب بجذب الأنظار مجدداً الى المعقل الملكي، وهو أيضاً مطالب بالفوز بالانتخابات التي ستجرى في مطلع الشهر المقبل، وهو أيضا مطالب بترميم صفوف الفريق خصوصاً بعدما نجح غريمه التقليدي برشلونة بانجاز صفقة ضم أحد أفضل المواهب العالمية الصاعدة، البرازيلي نيمار، خصوصاً في ظل استمرار الأزمة المالية العالمية وضغوطات من الاتحاد الاوروبي على المصارف الاسبانية التي تمول صفقات النادي الملكي. أولاً، سينجح بيريز في الانتخابات كي يتسنى له جلب نجم أو اثنين في الاسابيع التالية، لكن هذه المرة من دون الدعم المصرفي، بل من مداخيل النادي والتي سترتفع بعقود رعاية خيالية قد ينجزها بيريز أيضاً في الاسابيع المقبلة. الآن كيف سيرمم بيريز فريقه ما بعد حقبة مورينيو؟ وكيف سيرد على صفقة نيمار؟ الصفقة التي تبدو قريبة جداً لكنها أيضاً بعيدة ومعقدة، هي صفقة ضم النجم الويلزي غاريث بيل من توتنهام، الذي سيكون سعيداً بمبلغ 60 مليون جنيه للتخلي عن خدمات نجمه، لكن العقدة في هذه الصفقة ان هناك ضغطاً وطنياً انكليزياً بابقاء بيل في البريميرليغ، حيث ستتدخل شركات راعية كبرى من أجل تمهيد بقاء أفضل المواهب العالمية في الدوري الانكليزي، وقد يكون مع توتنهام بعد مضاعفة راتبه ورفعه الى 140 ألف جنيه اسبوعياً، لكن بامكان بيل ان يحصل على اكثر من هذا المبلغ، لكن الأهم رغبته في اللعب في مسابقة دوري الابطال مجدداً، وهنا سيدخل على الخط مانشستر يونايتد وتشلسي ومانشستر سيتي مدعومين برغبة محلية جامحة لابقاء بيل محلياً، وأيضاً توفير منافسات التشامبيونزليغ له، لكن ما قد يرفع من فرص الريال للحظي ببيل هو رغبة اللاعب الجامحة باللعب له ومع مثله الأعلى كريستيانو رونالدو، وهنا أيضاً نقطة مهمة، وهي ان يلعب بيل “مع” كريستيانو وليس “محله”، لان في حال لم يوفر بيريز المبلغ الكافي لضم بيل فانه سيفكر في بيع أحد نجومه الكبار وبينهم رونالدو، ليس فقط لضم بيل بل لضم آخرين وتعزيز كل خطوط الفريق. علماً ان مركز بيل لن يتعارض مع مركز رونالدو على الجناح الأيسر، لان بيل تألق في الثلث الاخير من الموسم مع توتنهام عندما لعب حراً خلف المهاجم، بل أبدع أكثر عندما لعب على الجناح الأيمن حيث سجل أجمل أهدافه. وهنا بامكان جماهير الريال تخيل الثلاثي رونالدو – اوزيل – بيل خلف مهاجم فذ. الهدف الثاني الذي بات قريبا من الريال هو هداف ليفربول لويس سواريز، والذي لن تقل قيمة بدل انتقاله عن 40 مليون يورو. ورغم ان النادي الانكليزي متمسك جداً بنجمه الاوروغواني، الا ان الأحداث السلبية التي مر بها في انكلترا ستقوده الى رحيل وشيك، فهو عانى ايقافات عدة بعد اتهامه بالعنصرية وبالتمثيل على الحكام، وآخرها حصل على 10 مباريات ايقاف بعد “عضه” مدافع تشلسي ايفانوفيتش، وهو ما قاده الى التصريح “ان الاعلام الانكليزي يؤذيني وانا لدي زوجة واطفال ولا استطيع الاستمرار”، مضيفاً ان “من الصعب قول لا لريال مدريد”، وفي رأيي الشخصي أعتقد ان صفقة سواريز أقرب الى الريال أكثر من صفقة بيل، لكن هل تكون كلا الصفقتين رداً كافياً على صفقة نيمار؟ بيريز سيسير خطوة خطوة، فأولاً عليه أن يعزز موقفه بالفوز بالانتخابات المقبلة، ثم يقدم مدربه الجديد (أنشيلوتي) رسمياً، وقبل 15 يونيو سيكون حسم صفقة بيل وربما قبلها صفقة سواريز أيضاً، لكن تبقى مشكلة صغيرة من أين سيجمع هذه المبالغ؟ ومن سيبيع من لاعبي الريال؟