"أقوى الناس هُم الأكثر عُزلة، لا شيء في الخارج سوى مصنع للحماقة و إختلاط الحمقى بالحمقى و هذا كل ما في الأمر." ديستوفيسكي
سأل اللمبي أمه - خالتي فرنسا - عن "اللي مخنوق من مراته و من أمه" الإجابات التي قالتها ليست مهمة فمن يبحث عن إجابات سريعة مجرد شخص عديم صبر، الأسئلة البسيطة سنجد لها إجابات ما ، لكن الأسئلة المعقدة و المركبة يصعب الإجابة عنها.
اللي مخنوق من الشرعية ماذا عليه أن يفعل؟ و اللي مخنوق من أداء بعض مؤسساتها كالخارجية مثلاً ماذا عليه أن يفعل؟ يقول أحد المارين جوار سكة القطار ، " لو علم هذا الغبي أن حركته تحدث اندفاعاً كبيراً للرياح يمكن أن تنتج طاقة، فلماذا لا تستخدم سكك القطار لتوليد الطاقة؟! " ، "يا عمي أنت فاضي للقطارات و الطاقة تعال شوف عندنا ..معنا قطار في تصريحات الساسة السابقين و اللاحقين "، لا نعرف قطار و لا شيء، و بيني و بينك أنا درست ثانوية أدبي لا أفهم كثيراً بالسرعة و الحركة ، لكن لو صاحبي مروان موجود كان سيساعدك في فهم معادلة سرعة القطار، فهو أيضاً له علاقة بتوليد الطاقة بحكم عمله ، لكن مروان أيضاً خيب حلم والده الطيب عمنا عبده في صناعة دينامو للحمار لشفط الماء من البير وتعبئة "الدبيب" على رأي أهل صنعاء أو "الدباب" على رأي أهل شرعب، ومن ثم يعود الحمار وقد أتم العملية بنفسه بدل التعب، لكنه لم يحدث شيئاً من ذلك.
قبل عام زرت عائلة عربية، صديق و زوجته و طفليه، أكلنا من خبزهم و شربنا العصير و الشاي، كنت مطرقاً إلى الأرض مخنوق مثل اللمبي و أكثر ، سألتني زوجة صديقي :" ماذا بك يا أستاذ؟ "، قلت :"لا شيء ، فقط الأخبار من عدن ليست جيدة"، قالت:" لا أظن أن هذا ما يشغل بالك!!" "ها ما الذي تظنين؟" سألتها، فقالت : " إذا متضايق من المزة تبعك غيّرها" .. انفجرت ضاحكاًً و فكرت "هذا اللي ناقص الآن".
طيب سهل واحد يغيّر المزة تبعه مش مشكلة ، ينفع يأخذ أختها أو حتى إن شاء الله بنت خالتها، سألتها، وأنا أضحك، قلت لها و زوجها حاضر : "طيب اللي مخنوق من (الشرعية)؟؟؟"، أجابت بسرعة:" ممكن يأخذ واحدة (عرفي) إذا دماغه عالية"، قلت طيب نزوركم في الأفراح إن شاء الله، و غادرتهم، و قلت في نفسي :" الناس عايشين حياتهم و يفكرون بحلول عملية مضحكة، لكنها ممكن تفك "الخنقة" ".
نحن في "زمن النطلة" بحسب صديقي حمزة ، و كل ما حولنا نطلات ...كل واحدة أكبر من أختها، يقول إنتهازي ملمع أحذية :" هاه وهاه لا تشد و لا ترخي أمسك العصى من المنتصف و بقى لك أصحاب " ، "أين تعلمت كل هذا؟! "، سألته. فقال:" الدنيا تعلم"، قلت له:" علمتك تلميع الجزم!"، فقال:" معانا جهال"، قلت له :" كويس ربيهم على الذل و أكلهم لقمة مغموسة بالإنحناء"، قال:" مش مهم"، سألني ذات مرة:" ما الفرق بيني وبينك؟؟".. ابتسمت و قلت :" أنت تتمنى أن تظل تلمع تلك الجزم " - و عددتها له بالإسم من الانتهازيين الذين أتت بهم رياح النطلة و صاروا اليوم في الواجهة - و أنا لا أراك أنت و لا هم صالحين لتلميع جزمتي القديمة التي قدمت استقالتها قبل ستة أشهر في محطة الباصات المتجهة جنوب هذه البلاد" . لم يمتعض فهذا الكلام عادي بالنسبة له، فهو أيضاً نطلة.
سألت حمزة :"ماذا تعني بالنطلة؟" فلم يفتح الرسالة إلى الآن، و النطلة في اللهجة الخبانية الدارجة تشير إلى السقوط المدوي، و إلى الحثالة، و هذا المعنى لا علاقة له بالقاموس لكنه مستخدم، في زمن هذا السقوط تجد الصغار يبحثون عن تافه يجملون وجهه لأجل الفتات، و يظنون ذلك من الوطنية في شيء، هؤلاء الصغار مقهورين كأبائهم وعملهم كله تطبيل لمن يمنحهم الفتات لا يتجرأ أحدهم على قول رأي معين في قضية أو حدث عابر فيكتب بإسم زوجته و يقحمها فيما لا يعنيها، على رأي المثل البلدي عندما أحس الجبان باللص وقد دخل بيته أسرع باتجاه خالته يقدمها لتقوم بالمهمة وعندما سألته" لماذا أنا يا ولدي" قال لها " اقدمي يا خالة فأنت بدون كعل" وما أكثر التافهين الذين جاءوا في زمن النطلة.
وأنا أتحدث إلى نطلة جاء يحثني على لمّ الشمل في الخارج، و أنه ليس من الضروري أن ننقل خلافتنا في اليمن إلى الخارج، قلت :" له تعرف جمال بنعمر وإسماعيل ولد الشيخ ومارتن جريفث؟ "قال :" نعم"، فقلت له :" قد الأممالمتحدة في الداخل تبحث في ملفات البلد، و مشاكلنا صارت عالمية بعد الانقلاب القادم ..من زريبة حرب كبرى عالمية كما يقول زاملهم. " لم يقتنع وأخبرني أن الجالية و السفارات اليمنية لا علاقة لها بما يحدث في اليمن، قلت له :" هذه خدعة الهاشمية السياسية كما رسمتها لها خارجية آيات الله الإيرانية، لتمرر مشاريعها بهدوء".
رئيس الجالية المنتخب بانتخابات شكلية أياً كانت، جاء انتخابه بناء على اللائحة و اللائحة بنت القانون و القانون ابن الدستور و الدستور ابن الجمهورية اليمنية ، و الانقلاب الهاشمي السافل انقلب على الدولة و الهوية و الأمة اليمنية و انقلب على القانون و الدستور و على الشعب، فال جالية لا تمثل الانقلاب و منظماته ، لكنها تتعامل بإنسانية مع المحسوبين على الانقلاب بدون مساعدتهم في أنشطتهم و برامجهم الناعمة التي تحاول تجميل وجه الانقلاب في الخارج.
قال صديقي:" و سفراء اليمن هم ممثلين للشعب اليمني في الخارج"، قلت له:" نعم بموجب القانون و الدستور و اليمين التي أدوها أمام الرئيس هادي فهم يمثلونه و شرعيته و دولته ، و لا يمثلون الانقلاب، و هم يتعاملون وفقاً للمصلحة العليا للبلد، و حضور أي سفير لأنشطة الحوثيين لتجميل الانقلاب هو مخالف للقانون و الدستور و خيانة للأمة اليمنية ، لم يقتنع فماذا سيقول للنطلة الذي أرسله ليقنعني بلمّ الشمل و الكلام الفاضي، أخبرته أن الإنسانية مقدمة على السياسة فمن كان مع الانقلاب و هو بحاجة إلى مساعدة فلتساعده السفارة و الجالية لا مشكلة، لكن تجميل وجه الانقلاب مرفوض.
قبل حوالي شهرين التقيت بصديقي العربي الذي زرته وعائلته سابقاً، وكان يبدو عليه من الضيق ما الله به عليم،" لما أنت وحدك يا صديقي ؟؟"سألته، قال الأولاد وأمهم يقومون بجولة تسوق وحان موعد قدومهم إلى هنا"، "لماذا تبدو عليك آثار القلق شارد الذهن خير أخبرني"، فقال:" لا شيء ظروف الحياة و مشاغل"، قلت له :"إذا المزة تبعك تعبتك غيرها"، أكملت الجملة و زوجة صديقي و ولديه وصلوا ، كانت قد سمعتني أنصح زوجها، فقالت :"أنت تحرضه على الشر "، قلت :"لا هي بس نصيحة، فكما تعلمين النصيحة تلف تلف و ترجع لصاحبها".
النطلات تتوالى و وعي الناس يتأثر، وباعة الوهم يجملون التافهين أينما كانوا، وها نحن في سبتمبر العظيم مولد المجد وإنبعاث الأمل، لكن التافهين مازالوا ينادمون الهاشمية السياسية و يحتفلون معها و بحضور قيادتها في الخارج، حدث هذا العام الماضي و سيحدث هذا العام في عديد من سفارات هادي الرجل الطيب الذي بشرنا أن صحته بخير قبل أيام من واشنطن.
هادي لا يعلم أن سفراءه و ممثلوه لا يحلمون بدولة في عهده، يحلمون بأن يرثونه ويكونون بدلاً عنه، و الأحلام من حقهم لكن الوظيفة العامة فاصلة بين الحلم و الأداء العملي، ستسقط أحلامهم، الواقع كفيل بمحو كل نطلة، ومن نطلة إلى نطلة فرج.