ليس ثمة شك في أن الحقيقة نسبية وأن ادعاء امتلاكها كاملة ضرب من الانتفاخ الكاذب.. هذا ما أثبتته مداولات الفكر الإنساني على مدى قرون متتالية غير أنّ مثل هذا القول لا ينفي اقتراب الناس من الحقيقة بمسافات متفاوتة يُفترض أن تكون أقصرها للمثقفين الذين وصلوا إلى مرحلة من الوعي تجعلهم ليس فقط أقرب الناس للحقيقة وإنما أيضا أكثر الناس تعريفا بها ودفاعا عنها فإذا ما تخلى المثقف عن ذلك فقد شرعيته وفاعليته وتخلّى عن قناعات يفترض أن تكون في تكوينه المعرفي والإنساني أشبه ما تكون بالمبادئ الراسخة التي لا تزعزها عواصف الترهيب ولا موائد الترغيب. وتعد النوازل العظيمة هي المحك الحقيقي الذي يميز المثقفين الحقيقيين عن المتلبسين بهذه الرسالة من الكتبة والمدعين والمعيار في ذلك هي الموضوعية ومنطق الواقع فإذا رأيت كاتبا ما يقفز على الواقع فاعلم أنه مدع كاذب وإن حسنت عبارته وتفنن أسلوبه ذلك أن لحن القول لا يمكن له أن يقلب الحق باطلا والباطل حقا. الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة اليمنية كشفت حقيقة كثير ممن كنا نعدهم أساطين الثقافة في المشهد اليمني وكنا ننتظر مهم دورا بارزا في الانحياز للحقيقة والحقيقة وحدها بعيدا عن تلك الرؤى الضيقة التي يتقمّصها كتبة الأحزاب الذين تشبعوا بقيمهم الإيدلوجية عما سواها من القيم الإنسانية.. لقد تحولت طائفة كبيرة من هؤلاء المثقفين إلى مجرد أبواق إعلامية تردد ما يملى عليها تحت طائلة سيف المعز وذهبه، وبذلك تحولت الثقافة لديهم من رسالة سامية تتغيا الحقيقة إلى دكان لبضاعات رخيصة يقدمونها لمن يدفع لهم وتتنوع بحسب الطلب. ويدهشك حد الذهول كتبة قفزوا إلى المضمار بعنهجية شديدة يتصدرون لتزييف الواقع وقلب الحقائق حتى تلك التي تتصل بقضايا وطنية كبرى ينبغي أن لا يحول التمترس الحزبي دون الانتصار لها والوقوف في خندقها. لقد رأينا من هؤلاء من يجلد الضحية ويترك الجلاد، ومن حوّل قلمه إلى آلة قبيحة لا تجيد غير صناعة التهم الملفقة ضد خصومه السياسيين، ولعل أغرب ما في هؤلاء تنقلهم بين المربعات المشبوهة بوقاحة مستفزة يشعر المتأمل فيها أنه أمام سماسرة ونخاسين دينهم وديدنهم المال لا سواه، وليذهب بعد ذلك الوطن إلى سواء الجحيم. ستبقى الحقيقة قائمة وسينطفئ هؤلاء قريبا لأنهم ليسوا أهلا لصناعة التحولات الكبرى وعموم الناس يدركون بأنهم ليسوا سوى مكرات بائسة آيلة للانكسار وأنهم ليسوا مثقفين وإنما مجرد كتبة.