أجمعت آراء المحللين وقطاع كبير من الشعب اليمني أن علي عبدالله صالح بات العقبة الكبرى والوحيدة أمام حل مشاكل اليمن وزوال معاناة أبنائه، فما يزال مصر على التمسك بالكرسي مع كل الآلام والخسائر التي يسببها بقاؤه في السلطة, وعلى الرغم من الثورة الشعبية المطالبة بعزله ومحاكمته هو وأولاده وكل من تورط إلى جانبهم في قتل اليمنيين خلال الأشهر المنصرمة .. ولقد ازدادت صدمة صالح حينما طالبه العالم كله بالرحيل الفوري تحت شعار نقل السلطة .. فما من مبادرة ولا تصريح لمسئول أممي أو عربي إلا والمطالبة برحيله قاسم مشترك مهما اختلفت صياغاتها, فالعالم تابع توقيع أحزاب اللقاء المشترك والحزب الحاكم للمبادرة الخليجية قبل أشهر, ولم يتبق إلا توقيع صالح فقط لتصبح سارية المفعول وإعلان نهاية معاناة اليمنيين من هذا الحاكم المستبد .. وكم كان مخجلاً والعالم يشاهده يعلن تكراراً تأييده واستعداده لتوقيع المبادرة الخليجية وأنه سئم السلطة , ثم يتهرب ويماطل من توقيع المبادرة منذ أربعة أشهر وآخر مراوغاته تفويض ناقص للنائب, طمعاً في البقاء في السلطة بضعة أيام أخرى أو أشهر إضافية .. ثم وهو يستجدي تأييد العالم بتقديم التنازلات تلو التنازلات ليواصل البقاء في السلطة وكأن 33 عاماً غير كافية, حتى أصبح محل سخرية المجتمع الدولي ووسائل الإعلام العالمية وهو مستمر بالتبجح بالقول: إن ملايين اليمنيين يؤيدونه ,فيما العالم يرى ملايين اليمنيين معتصمين في الساحات منذ أشهر مطالبين برحيله وسقوط نظامه .. بعد أن جربوا سنوات حكمه ال33, عانوا خلالها تدهور أحوالهم وتفاقمت معاناتهم , وضياع ثروات البلاد في تلبية نزواته وأزماته المتتالية, وتضاؤل آمالهم في مستقبل زاهر لهم ولأبنائهم , ثلث قرن لم يشهدوا خلالها غير الأزمات والحروب , فما أن يخرجوا من أزمة طاحنة, حتى يدخلوا حرباً مهلكة .. وهكذا.. والحقيقة أن عدم سقوطه حتى الآن يعود في مجمله إلى عاملين رئيسين: الأول أن علي صالح عمل خلال ثلث قرن لمواجهة مثل هذا اليوم , والثاني أنه كرس كل جهده وثروة البلاد ليس لبناء اليمن, إنما لتثبيت بقائه في السلطة بكل الطرق, والتوريث لأولاده من بعده, وفي سبيل ذلك استعد ومن وقت مبكر لمواجهة أي ثورة شعبية تفشل مخططاته وتقضي على آماله, فسعى لتدمير كل مقومات القوة في المجتمع, وتهميش الشخصيات القيادية وإذلالها وضمان تحطيمها, وإفساد الحياة السياسية بتزوير الانتخابات وتغييب إرادة الشعب, في ظل آلة إعلامية تروج لقدرات الزعيم الخارقة وفضائله وتسامحه, وتضليل الرأي العام بالحديث عن إنجازات وهمية, وإطلاق الوعود الكاذبة لتخدير المجتمع بالآمال المزيفة.. وللتمهيد لعملية التوريث.. اتبع سياسة تعيين أبناء المسئولين السابقين وزراء وسفراء كما شجع أبناء النواب على الترشح خلفاً لآبائهم الموت, وسط ترويج المخابرات في الشارع إشاعات متتالية تُقدم أحمد علي باعتباره الرئيس القادم ورجل المرحلة المقبلة, وأنه سيخلف أباه لا محالة , وذلك لزرع اليأس والاستسلام لدى جموع الشعب، وفي سبيل تأكيد هذه الشائعات لتصبح حقائق على أرض الواقع، عين أبناءه وأقرباءه وأحفاده ومنذ وقت مبكر قادة معسكرات وهيأهم لقمع الشعب, وزرع معسكراتهم في صنعاء وحَوْلها وفي أماكن استراتيجية للسيطرة على العاصمة وخنقها ومحاصرتها من كل الجهات، في نفس الوقت حرص على إضعاف الجيش النظامي وإنهاكه من خلال إقحامه في معارك طويلة تستنزف قواه وتدمر معداته ,وحرمانه من التسليح وقطع الغيار والتي لم يزود بها منذ حرب 1994م, فيما حصر التسليح الجديد على الحرس والقوات الخاصة التابعة لأبنائه, طبعاً هذه الانتقائية والإهمال وتحويل مهام الجيش من حماية الوطن إلى حماية شخص كان على حساب الوطن ومقدراته, لاحظنا إهمال علي صالح للحدود والمناطق الهامة وتركها عرضه للانتهاك وانتعش التهريب على مرأى الجميع , ومن هنا شاهدنا جيوش أولاده ترتكب أبشع المجازر بحق شباب الثورة في الساحات وتستميت في عدم التنازل عن بضعة أمتار في جولة النصر «كنتاكي» فيما فرطوا كأبيهم بمحافظات بأكملها كصعدة وأبين مثلاً..وبحدود طوال مقابل تحسين علاقاته الشخصية بهم دوناً على الوطن .. الذي يعرف علي صالح عن قرب يجده شخصاً محدود الأفق والكفاءة , فاقد الذكاء باستثناء إلحاق الأذى وزرع الفتن في صفوف المجتمع , تهيمن عليه نزعة الشر والإضرار بالآخرين , تناقض أقواله أفعاله , وقد وصل إلى السلطة في غفلة من الزمن ولحظه استثنائية إثر مقتل ثلاثة رؤساء خلال أشهر معدودة, وخدمته الظروف وطيبة الشعب ليستمر في الحكم ثلث قرن, ونجح في اللعب بورقة التناقضات ومبدأ فرق تسد, وحياكة المؤامرات لإضعاف الخصوم وكلها سياسات تدميرية, وما أسهل الهدم والتدمير, تلك مهارة يجيدها أي شخص , أما البناء فلا يتصدى له إلا الأكفاء وذوي المهارات العالية, تسيطر عليه عقدة جهله وأميته, لذا عمد لتدمير العملية التعليمية والمتابع يلحظ مدى تدهور التعليم من عام لآخر، يحقد على المتعلمين وذوي الكفاءات ويضطهدهم ويسخر منهم , ولا يتعامل معهم إلا مضطراً ولتحقيق مصلحته فقط.