أنا لا أخاف الموت بالنسبة لي توفيت نحو 15 يوما، وأنا ميت، أنا ما همنيش الموت ولا أخاف من الموت ولا أنزعج من الموت،بهذه العبارة خاطب صالح اليمنيين والعالم ليظهر لهم كم هو شجاع جدا ولا يبالي بالموت مرات عديدة شريطة الحفاظ على بقائه في كرسي الحكم. 1 صالح لا يخاف الموت لكنه يخاف التنازل عن الحكم، فتنازله عن كرسيه بالنسبة له هو الموت الحقيقي الذي يخشاه ويرفضه،ولا يهمه إن قتل ألاف اليمنيين، ودمر اليمن في معركته اليائسة للحفاظ على منصبه، وتوريثه لأبنائه وأقاربه، الذين يراهم الوحيدين الجديرين بحكم البلاد وتقلد المناصب العسكرية والمدنية الرفيعة،وهم من يستحقون الحياة والاستئثار بالسلطة والثروة في البلد الذي مزقه وحوله لإقطاعيات تابعة له ولأقاربه وللجوقة التي تسبح ليل نهار بنعمه وهباته، على حساب دماء وأرواح اليمنيين. 2 صالح مات سياسيا منذ اليوم الاول للثورة الشبابية السلمية التي خرجت قبل تسعة أشهر للمطالبة بإسقاط نظامه وإنهاء احتكاره للسلطة لأكثر من ثلث قرن، ومع مطالبات المجتمع الدولي له بالتنحي عن الحكم ونقل السلطة لنائبه، وتعزز موته السياسي بدخوله مرحلة العزلة السياسية جراء إحجام السياسيين والدبلوماسيين وزعماء دول العالم عن الحديث او التعامل معه سياسيا وتفضيل التعامل مع نائبه فيما يتعلق بالاحداث الجارية في البلاد، فالعالم لايرى فيه اكثر من شخص يمثل خطرا على اليمن نتيجة تشبثه وأقاربه بالسلطة استنادا لامتلاكهم ترسانة عسكرية مدمرة قابلة للانفجار لتحدث حجما كبيرا من العنف والدمار. ومات نفسيا ومعنويا في حادث النهدين الذي انهي 33 عاما من العمل الدؤؤب والمتواصل لتأمين بقاءه في الحكم، عبر الإنفاق الخيالي والمبالغ فيه على أمن وحماية صالح اعتمادا على الأجهزة الأمنية المتعددة الخاصة بالأمن الرئاسي، وهي الأجهزة التي رصد لها أكثر مما تم تخصيصه للصحة والتعليم والخدمات العامة، فقد فشلت تلك الأجهزة بترسانتها وعتادها في الاختبار الأول لتأمين حمايته، في عقر داره، ومن قبل اقرب المقربين إليه. 3 صالح لا يحكم اليمن اليوم كما قال في خطابة فهو منذ حادث النهدين أصيب بعجز صحي وسياسي، ولم ولن يكون قادرا على استعادة موقعه كصاحب قرار في الشأن اليمني، فقد سلبه أبنه وأبناء أخوة وإخوانه وفريقهم المساند ذلك القرار مستفيدين من هيمنتهم على الأجهزة العسكرية والأمنية وموارد البلاد الاقتصادية والمالية، وهم يرفضون فكرة ترك السلطة ومغادرة مناصبهم ونقل السلطة للنائب، أو أي شخص آخر. 4 يبدو صالح من خلال تصريحاته المتكررة والمتناقضة عن زهده في السلطة ورغبته في مغادرة الحكم منذ فترة طويلة، كشخص لايملك قرار نفسه، ويخضع لهيمنة ورغبات الاخرين بالبقاء في منصبه حتى لو كان ذلك على حساب حياته، وصحته، وتاريخه السياسي الطويل. كان صالح هو الرئيس الأكثر تبرما (ولو شكليا)من بقائه على سدة الحكم، لما يقارب 33 عاما،لكنه يبرر بقائه في منصبه برغبته العارمة لإرساء تقاليد تؤسس لانتقال سلمي للسلطة وضمان الانتقال الآمن لها. ومثلما كما كان الرئيس المصري السابق مبارك يذكر المصريين في خطاباته الأخيرة قبل تنحيته عن الحكم في 10 فبراير الماضي بعد ثورة 25 يناير ببطولاته في حرب 1973 ودوره كطيار في تحقيق ذلك النصر ، وتضحيته ومخاطرته بروحه من أجل مصر ، والمحاولات المتعددة لاغتياله في مصر او خلال زيارته لاثيوبيا عام 1993م ، يذكر صالح اليمنيين في معظم خطاباته السياسية قبل وبعد الثورة ،بالمشقة التي تحملها منذ توليه لمقاليد الأمور في اليمن في 17 يوليو 1978م ، والمخاطر التي تعرض لها منذ الأيام الأولى لتوليه الحكم والانقلاب الناصري الذي تعرض له بعد اقل من ثلاثة أشهر على توليه الحكم ، وغيرها من المحطات السياسية التي مر بها وعاشتها اليمن خلال فترة حكمة. 5 في خطابة الأخير الجمعة الماضية حاول صالح التلاعب باليمنيين وبالعالم عندما قال أنه يرفض السلطة وسيتخلى عنها في غضون أيام، وقبل أن يفهم العالم رسالته بطريقة مغايرة لما يقصده استدرك قائلا «ولكن هناك رجال يمسكون السلطة هناك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه سواء كانوا مدنيين أو عسكريين سيمسكون الوطن، مستحيل أن هؤلاء يخربون الوطن أنا أمشي وراسي في يدي..» ما أسوأ أن يكون الكذب هو رأسمال السياسي خاصة حين يكون رئيسا لدولة، حيلة ترك السلطة لم تعد تنطلي على أحد سواء داخل اليمن أو خارجها، وللعالم تجارب كثيرة مع تصريحات صالح بهذا الخصوص، فقد كذب واستخدم هذه الحجة كثيرا ،ونقل عنه زعماء ودبلوماسيين عرب وأجانب رغبته في ترك السلطة، وبعد أن يصرحوا برغبته تلك كان يسارع للنفي وتكذيب تلك التصريحات. استقبل العالم زهد صالح عن الحكم والسلطة للمرة الأولى في 17 يوليو 2005م بالكثير من الدهشة والإعجاب لمثل هكذا سلوك من حاكم عربي ، عرف سابقوه ومعاصروه أن طريقة التنحي عن الحكم لا تتم سوى بطريقتين الأولى عبر الانقلابات العسكرية والثانية عبر الموت المفاجئ، لذلك عندما أعلن عدم رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية في 20 سبتمبر 2005م وقال في خطابة الذي قوبل بمعارضة مصطنعه من حزبه أنه لن يترشح للرئاسة " لقد مللت الشعب وملّني"، حينها أصيب العديد من المراقبين والمحللين السياسيين بالدهشة، بينما اعتبر عدد آخر ممن يعرفون سلوك ومناورات المستبدين إن ذلك التصريح بمثابة مناورة سياسية لا اكثر. وفعلا لم يستطع صالح الصمود طويلا والإيفاء بوعده، فبعد أقل من عام قال انه استجاب لرغبة الجماهير ورغبة حزبه سيترشح لكنه أعلن تراجعه عن ذلك القرار في 24/6/2006م وقال "لست (تاكسي)" أجرة تستأجروني لصالح المؤتمر أو القوى السياسية.. أنا في المقام الأول أرعى مصلحة هذه الأمة، ولستُ مظلةً لفساد حزب سياسي أو قوى سياسية". 6 صالح هو الشخص الاكثر إدراكا باستحالة بقائه في منصبه، واستحالة العودة لمربع التوريث لابنه او احد اقاربه مرة أخرى، ويدرك جيدا أن تصريحات البركاني مثلا من نوع تصريح قلع العداد الرئاسي، أو كسر ضلوع الثوار لجيفارا الامن المركزي، تمنح الثورة والشباب دافعا لانجاز ثورتهم واستعادة السلطة للشعب من أيدي ناهبيها، والتلميح للعودة للتوريث ليست اكثر من فكرة مازالت تسيطر على هاجس عدد من أفراد أسرته والمستفيدين من تلك الفكرة السطحية، وهي فكره غير أخلاقيه سيقف جميع اليمنيين في مواجهتها وفاء لدماء الشهداء والجرحى، ومعاناة اليمنيين الذين يتعرضون لعقاب جماعي منذ بداية الثورة. 8 التاريخ لا يرحم وفرص الرحيل الآمن لا تكون متاحة دوما، والشعوب لا تهزم ولا تستسلم، تواطأ العالم مع صالح ورجالاته عبر سلسلة من التنازلات والضمانات بعدم الملاحقة والمسائلة القضائية لصالح وأركان نظامه، لايمكن للثورة أو لشبابها التراجع أو الاستسلام والتخلي عن حلم التغيير والحرية، وتلك رسائل يبعثها صمود اليمنيين في ساحات وميادين الحرية والتغيير، متحملين كافة انواع العقاب والتنكيل والقتل التي تمارس ضدهم. مارس صالح وأسرته جميع الوسائل والأسلحة في مواجهة اليمنيين، ولم تنجح تلك الوسائل والأسلحة في إثناء اليمنيين عن مطالبهم بالتغيير السلمي.