لا تزال الأطراف السياسية في البلاد تعمل بقصد ودون قصد على إظهار ثورة الشباب بأنها مجرد صراع وتصفية حسابات شخصية ،ويزيد في تأكيد ذلك تصريحات النظام وخصومه. مطلع الأسبوع الجاري أكد رئيس الجمهورية أنه مستعد للرحيل وأنه سيرحل خلال أيام قليلة قادمة ولكنه لن يسلم السلطة إلا لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهو يقصد بذلك إنه لن يسلمها لخصومه التقليديين (حزب الإصلاح وأولاد الأحمر واللواء علي محسن) وبالمقابل ظهر الشيخ صادق الأحمر يؤكد شخصنة الأزمة،فيما لا أحد يبدي بالا للطريق الذي تسلكه بسببهم البلاد والانهيار الذي تعيشه على كل الاتجاهات. يقول الأحمر مجددا "لن يحكمني صالح ما دمت حياً، فهو طرف ونحن طرف ". وفي رده على سؤال بشأن اشتراط صالح مغادرة أولاد الأحمر اليمن في مقابل تخليه عن السلطة، أكد زعيم قبيلة حاشد استعداده وإخوانه تنفيذ ذلك، وقال "نحن مستعدين.. يتوكل على الله نحن وهو وأولاده وأولاد أخوه ما عندي مانع من أجل هذه البلد والشعب اليمني ". أما خطاب الرئيس الأخير أمام عدد ضئيل من أعضاء مجلسي النواب والشورى فقد أثار ردود أفعال مشككة في جديته بنقل السلطة ،حيث عبرت المعارضة عن تشكيكها في إعلان علي عبدالله صالح، عن نيته التخلي عن السلطة خلال أيام، ووصفت خطابه ، بأنه مناورة لتخفيف الضغط قبل جلسة مجلس الأمن الدولي الذي سيناقش فيها تقرير مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن الذي غادر صنعاء بعد رفض صالح توقيع المبادرة الخليجية، والآلية التنفيذية لها التي اقترحها بن عمر.وقال الناطق الرسمي باسم أحزاب اللقاء المشترك إن خطاب صالح ووعده بالتخلي عن السلطة خلال أيام يعتبر استنساخا لخطابات ماضية، وأضاف محمد قحطان: سبق للرئيس وأن أعلن رفضه من أن يكون "تاكسي تقل الفاسدين والمتمصلحين وأصحاب المصالح وذلك قبيل انتخابات 2006م"، وأعلن أنه لن يترشح، لكنه تراجع عن ذلك وسبق له أيضاً أن أعلن "3" مرات بأنه سيوقع على المبادرة الخليجية ولكنه يتراجع في كل مرة. وتابع قحطان : على العالم أن يدرك أن الرئيس صالح يعد لحرب ونطلب من أشقائنا رفع الحرج عنا ونحن كفيلون بإسقاط بقايا النظام خلال ساعات، ونحن قد منحنا أشقاءنا فرصاً لتنفيذ المبادرة الخليجية وتحاشينا أن نكون عقبة في تنفيذها وقبلنا آلية مبعوث الأممالمتحدة وقبلنا بالمبادرة بعد تعديلاتها، وجلسنا للحوار مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية لكي لا نكون عقبة أمام هذه الجهود، لكننا نعتب على إخواننا وأشقائنا في الخليج لعدم تحديدهم موقفاً من الطرف الذي تسبب في عرقلة تنفيذ المبادرة الخليجية. أما القيادي الاشتراكي علي الصراري فقد دعا المجتمع الدولي إلى التنبه لما وصفها بأساليب الاحتيال التي يقوم بها صالح والهادفة إلى إرباك المشاورات الدولية في مجلس الأمن بخصوص الأوضاع في اليمن. وأكد أن علي عبدالله صالح الذي تحدث عن أنه سيسلم السلطة غير جاد، لأن "هذا الرجل لم يكن جادا في أي يوم من الأيام، وسبق أن قال مثل هذه الكلمة وبحماس أكبر. وأضاف: هذا الرجل متشبث بالسلطة، وهو اليوم أكذب من أي مرة سابقة، ولا أعتقد أن بمقدورنا أن نثق به هذه المرة".وعبر عن أمله في أن يتنبه المجتمع الدولي لأساليب الاحتيال هذه، مؤكدا أن علي صالح لا يريد أن يغادر السلطة وإذا غادرها فهو سيغادرها للعسكريين والمدنيين كما تحدث عن ذلك في خطابه. وأكد أن ما يطرح من قبل صالح هو خروج كامل عن المبادرة الخليجية، متمنيا على المجتمع الدولي أن يسحب بند الضمانات عن المبادرة الخليجية في حال صدور أي قرار بتطبيق المبادرة. وفيما يحاول النظام البحث عن مخرج مؤقت يجنبه أي قرار إدانة أو موقف من مجلس الأمن خاصة في ظل تصاعد المخاوف من تدويل الملف اليمني فقد أبدى وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي مخاوفه من انتقال ملف اليمن إلى مجلس الأمن الدولي، معتبراً أن ذلك ليس في مصلحة أي طرف من أطراف الأزمة في البلاد، لأنه يفتح الباب امام الأجندات الخارجية وقال "أخذ الملف إلى مجلس الأمن يفتح الباب أمام الأجندات الخارجية، الأمر الذي سيضع كافة الأطراف تحت مجهر المجتمع الدولي وتأثيراته ومواقفه منهم وبما يسلب السيادة والإرادة الحرة للوطن".واضاف القربي في حوار صحفي أن المبادرة الخليجية وضعت أسس الحل للأزمة اليمنية، وأن أمام اليمنيين فرصة لإحداث التغيير المطلوب في أجواء مصالحة وطنية شاملة . وتابع" يجب ألا تجعل الأطراف المختلفة من عودة الرئيس علي عبدالله صالح بمثابة "قميص عثمان" لوقف الحوار للخروج من الأزمة القائمة، قائلاً إن من حق الرئيس أن يفوض نائبه ببعض الصلاحيات الممنوحة له بموجب الدستور، وهو ما قام به الرئيس مؤخراً . ورفض الوزير القربي توجيه اتهام طرف بعينه بالوقوف وراء الأزمة القائمة في البلاد، طالباً توجيه كل الطاقات نحو إيجاد حل لهذه الأزمة وإنهاء الخلافات قبل أن تؤدي إلى دمار البلاد . وقال "نحن نسير في صحراء من عدم الثقة والنزعة إلى الانتقام والشخصنة للأزمة السياسية، الأمر الذي حول مطالب الإصلاح والتغيير من الانتقال السلمي للسلطة إلى مربع العنف والحل العسكري لدى بعض الأطراف . مؤكدا أن قضية التغيير لم تعد موضع نقاش أو خلاف وطريقة الوصول إليه محددة بأهدافها ومبادئها في المبادرة الخليجية وعن أحداث العنف والمتسبب فيها قال القربي" يجب أن نعترف أن ضحايا سقطوا من الطرفين وأن المسؤولين عن ذلك يجب أن يحاسبوا على جرائمهم، أياً كانوا وفقاً للقانون وألا يمنحوا أي حصانة عن جرائمهم ". وكان الرئيس في خطابه السبت الماضي طالب أنصاره ب"مزيد من الصمود والثبات ومواجهة الحجة بالحجة في القرية في المديرية في العزلة في الناحية في العاصمة في كل مرافق مؤسسات الدولة". و قال صالح انه سيدعو مجلس النواب ومجلس الشورى الى اجتماع، وانه سيرفض السلطة"وسأتخلى عنها ولكن هناك رجال من يمسكون السلطة في هناك رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه سواء كانوا مدنيين أو عسكريين سيمسكوا الوطن" و"مستحيل ان هؤلاء يخربوا الوطن وسيحكمون". وقال إنه قبل أن يعود لليمن جاءته "رسالة من دولة كبيرة-يقصد امريكا- تقول: ننصح بعدم عودتك إلى الوطن لمصلحتك اولاً ولمصلحة اليمن ثانياً ولمصلحتنا ثالثاً".وعلق على ذلك: "طيب أنت تروح فين؟ أنا رئيس مش ترنزيت وحامل شنطة أولا ما كنتش عميل ولم استلم مرتب ولا ميزانية من قطر عربي او من بلد صديق" وفيما اعتبر انه كان يربح كل معاركه "منذ قيام الثورة"مؤكدا أنه لا يهمه الموت "لا أخاف من الموت ولا انزعج من الموت لأني كان من المفروض اني مت مبكر منذ قيام الثورة ". قائلا: "لا نخاف من الموت نخاف على الوطن، نخاف ما يجري في الوطن".وقال: "ان شاء الله لنا لقاء خلال الايام القليلة القادمة لان نضع الشعب في حقيقة الامر وكل التطورات على الساحة وبشفافية وعلى المكشوف. وتراجع صالح ثلاث مرات عن التوقيع على المبادرة الخليجية التي كان من شأنها تشكيل حكومة تتزعمها المعارضة ثم نقل السلطة لنائبه قبل انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة. ويقول الكاتب والمحلل السياسي نصر طه مصطفى هناك عقدة أو مجموعة من العقد المستحكمة تفرض نفسها على مشهد التوقيع... أولها مستوى ثقة الرئيس صالح بقدراته السياسية على تجاوزها كما تجاوز الكثير من الأزمات وهو أمر خبره على مدى سنوات حكمه الثلاثة والثلاثين، فالأزمات العديدة التي تجاوزها عززت ثقته بقدراته السياسية بدءاً من أول أزمة وحرب مع الجنوب مرورا بأزمة حرب الخليج وأزمة حرب صيف 1994م ، والأزمات السياسية المتلاحقة على العمليات الانتخابية ، وانتهاء بالأزمات الناتجة عن المواجهات العسكرية مع الحوثيين والأزمة المستمرة مع الحراك الجنوبي... مضيفا إن "كل هذه الأزمات لم تنجح في زحزحته عن سدة الحكم رغم أنها فتت في عضد الدولة وأرهقتها وأصابتها بالضعف، ولذلك فإن الرجل ينظر إلى الثورة الشبابية المتقدة منذ تسعة شهور على أنها واحدة من الأزمات التي يمكنه تجاوزها خاصة مع إقناعه لنفسه بأنها مجرد انقلاب يقوده تحالف مكون من أحزاب اللقاء المشترك واللواء/ علي محسن صالح وأبناء الشيخ/ عبدالله الأحمر... ولذلك ظل يصر في خطاباته الأخيرة على أن يقول للشباب بأن هذا التحالف سرق ثورتهم ...وقال إن عقدة أخرى تكمن في سيطرة ابناء العائلة على الأجهزة العسكرية والأمنية، مما أعطى العائلة إحساساً بأنها تمتلك من القوة ما يجعلها قادرة على قمع أي ثورة أو تمرد . ولذا فإن إعلان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح اعتزامه ترك السلطة «في الأيام الجاية» ما هو إلا خطوة أخرى من سياسة حافة الهاوية من زعيم أمضى أغلب الوقت في «الربيع العربي» معلنا أنه على وشك التنحي. اعتبر اليمنيون بصفة عامة تقريبا كلمات صالح حيلة من هذا الزعيم الذي رأوه وهو ينجو من المحن واحدة تلو الأخرى منذ أن تولى السلطة عام 1978. قال جريجوري جونسن وهو باحث في شؤون اليمن لرويترز «أين الخدعة هنا.. صالح يتعامل مع عجز في الثقة في اليمن واليمنيون متوجسون للغاية من وعود هذا الرئيس». وعرض صالح قائمة طويلة من التنازلات الظاهرية منذ انطلاق النشطاء لأول مرة إلى الشوارع - عقب قيام ثورة في كل من تونس ومصر- في صنعاء في يناير كانون الثاني احتجاجا على حكم صالح وللمطالبة بإنهاء حكمه وإصلاحات ديمقراطية. ومع الأسف فان كثيرا ما كانت تحدث هذه التنازلات بثمن باهظ. فبعد أن دعا حزبه الحاكم للحوار مع المعارضة في محاولة للقضاء على الاحتجاجات المناهضة للحكومة يوم 29 يناير كانون الثاني هاجم أنصاره اليمنيين الذين كانوا يحاولون تنظيم مسيرة إلى السفارة المصرية تضامنا مع المصريين الذين نجحوا بعد أسبوعين في إسقاط الرئيس حسني مبارك. وقال علي سيف حسن وهو سياسي معارض انه لا يعني حرفيا أنه سيترك السلطة خلال أيام قليلة بل انه يحاول تهديد المعارضة بأنه يمكن أن يخوض وحده انتخابات جديدة بدون اتفاق لكنه لا يستطيع ذلك الآن لان الوقت مضى. وبعد أن قتل قناصة تابعون للحكومة بالرصاص 52 شخصا في إحدى أيام شهر مارس آذار غير صالح من نبرته وتحدث علانية في أكثر من مناسبة عن استعداده للتنحي وأنه عازف عن التمسك بالسلطة في حد ذاتها لكنه أبدى رغبته في التحقق من الناس الذين سيسلم لهم السلطة. وقال لآلاف من أنصاره في 25 مارس آذار «لسنا بحاجة إلى السلطة... لكننا بحاجة إلى تسليم السلطة إلى أياد أمينة... لا إلى أياد حاقدة وفاسدة ومتآمرة». وبعد ذك انخرطت حكومته صراحة في محادثات توسطت فيها دول الخليج بقيادة السعودية وبدعم من الولاياتالمتحدة حول آلية لنقل السلطة من خلال اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد أن يشكل صالح حكومة تقودها المعارضة ثم يتنازل عن الرئاسة. لكن ذا الترتيب - الذي عرض حتى ضمانات بعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية ضد صالح وأفراد عائلته - انهار ثلاث مرات عندما كان يتذرع صالح في اللحظات الأخيرة بحجج لعدم التوقيع على اتفاق تسليم السلطة. وخلال إقامة الرئيس اليمني في الرياض بدأ تشديد موقفه أكثر قائلا إن مبادرة الخليج تحتاج تعديلا للتأكد من عدم توريث السلطة للمعارضة. وقال مستشار طلب عدم نشر اسمه «أوضح صالح أنه مستعد لترك السلطة لكن هذا لن يحدث قبل قيادة اليمن إلى مكان آمن يمكن فيه نقل السلطة سلميا». لكن محللين يرون أن صالح ربما كان له سبب وجيه في إعطاء الانطباع بأنه يوشك على اتخاذ خطوة ما. وسيضع صالح في اعتباره أيضا احتمال اتخاذ إجراء ما في مجلس الأمن الدولي حيث يسري حديث عن إصدار قرار يحث الحكومة على تنفيذ مبادرة الخليج وربما يكون هذا الأسبوع. وغادر مبعوث من الأممالمتحدةصنعاء في الأسبوع الماضي لاطلاع مجلس الأمن عما بدا أنها محاولات غير مثمرة للوساطة في أزمة دفعت اليمنيين إلى شفا حرب أهلية واقتصاد البلاد إلى حالة من الشلل. وقال همدان الحقب وهو زعيم في الجنوب في حركة الاحتجاج انه يعتقد أن صالح يريد تشويش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل تقديم طلب لبحث قضية اليمن. وربما يكون الأمر الوحيد الذي قد يرغب صالح في تجنبه هو خروج مخز من السلطة تحت ضغط دولي. ويقول هو بنفسه انه في حالة تركه للسلطة فسيكون ذلك بكرامة وعبارة «في الأيام الجاية» عبارة مبهمة بما يكفي لجعل الباب مفتوحا لخروج على المدى القصير أو المتوسط إذا أصبحت كل الظروف ضده في النهاية. ولو كانت الظروف سانحة لكان من المعتاد أن يرغب صالح في التمسك بمنصبه حتى انتهاء فترته في سبتمبر أيلول عام 2013 . والى جانب المناورات الداخلية الحاذقة فان ممارسات صالح أثارت قلق الحلفاء الدوليين. ولم يكن هناك ضغط شعبي أمريكي بينما كان يتعاون مع واشنطن في حربها السرية على المتشددين في اليمن. وقتلت طائرة أمريكية بلا طيار تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية رجل الدين الأمريكي اليمني الأصل انور العولقي في اليمن الشهر الماضي فيما اعتبر ضربة كبيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما في المعركة مع القاعدة. وترغب السعودية وهي مصدر تمويل رئيسي لحكومة صالح في السيطرة على عملية الخلافة مثله تماما. وقال مستشار للحكومة السعودية إن صالح ما زال ملتزما باتفاق مع الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية لتسليم السلطة. وأضاف المستشار «هذا جزء من التفاهم الذي توصل إليه صالح مع الملك وسيتعين عليه الآن احترام خطة الخليج وتنفيذها». إلا أن مجلة النيويورك تايمز قالت إنه رغم وعده الأخير بالتنحي والفوضى والأزمة التي تجتاح بلده، تبقى حقيقة واحدة ثابتة لا تتغير، فالرئيس علي عبدالله صالح، لن يغادر الرئاسة طواعية في أي وقت قريب، فتعهده غامض الصياغة الذي أعلنه السبت، ليتضح اليوم التالي أنه مجرد خدعة، بقبوله بالمبادرة الخليجية لنقل السلطة. وبحسب الصحيفة الأمريكية، قال مسؤولان يمنيان بارزان إن وزير الخارجية توجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة حاملاً خطة جديدة تقضي ببقاء صالح في الرئاسة حتى الانتخابات المقبلة.