لم تكد العاصمة صنعاء تتخلص من آثار وبائي الكوليرا والدفتيريا اللذان حصدا مئات الارواح في اليمن خلال السنوات الأخيرة، حتى أعلنت السلطات الصحية عن ظهور فيروس انفلونزا الخنازير (H1N1) القاتل وانتشاره في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات الأخرى، وأكدت تقارير طبية وجود 1038 حالة اصابة بالفيروس في تلك المناطق. وأشارت التقارير نفسها إلى أن 346 شخصًا توفوا نتيجة الإصابة بعدوى أنفلونزا الخنازير، وهو ما يرفع من خطورة المرض الى درجة "وباء"، وساهم انتشار هذا الوباء القاتل في ظهور قناعة تامة لدى المواطنين بأن هذه الجماعة والاوبئة والكوارث رفيقان لا يفترقان. أصيب الحاج محمد العيدي "شاهد عيان"، بالصدمة من كثرة المصابين بفيروس H1N1 عندما ذهب الى مستشفى الثورة العام بصنعاء لزيارة ابنته، مؤكداً أن عددهم بالعشرات ما بين نساء ورجال واطفال، قائلاً: "فوجئت بعشرات الأجساد الممدة امامي في قسم الطوارئ وبعضها كان مغطى الوجه"، مشيراً الى أنه لم يسبق ان شاهد مثل هذا الأمر طوال حياته التي تعدت السبعين عاماً. وعن طبيعة هذا المرض، يقول الدكتور "عبد الرحمن الحرازي" الأستاذ في كلية الطب البشري بجامعة صنعاء: "انفلونزا الخنازير او "H1N1 " هو أحد أخطر الأمراض الفيروسية التنفسية الحادة، شديد العدوى، التي تصيب الخنازير، ويمكن ان تنتقل في حالات معينة إلى الإنسان وأن تنتشر من شخص إلى آخر، ومن اعراضه الشعور بالتعب وبأوجاع في الجسم، والتهاب في الحلق، وحمى وسعال، وفي حالة تطوره قد يؤدي إلى التهاب رئوي ومشاكل حادة في الرئتين، مما قد يسبب الموت".
لامبالاة حوثية وتؤكد الناشطة "وداد علي" ان الحوثيين يتعاملون مع كارثة انفلونزا الخنازير ب "لامبالاة" مشيرة الى أن المنظمات الصحية العالمية العاملة في اليمن، تتهم جماعة الحوثي بنهب مئات الأطنان من الأدوية المخصصة لمكافحة الأوبئة، وبيعها في سوق الادوية السوداء التي تديرها، وابتزاز تلك المنظمات بمبالغ باهظة مقابل السماح بتوزيع الأدوية واللقاحات والمساعدات الصحية في المناطق الموبوءة، فالمليشيات تتخذ هذه الأوبئة للنهب والسلب أرواح واموال اليمنيين.
ويعيش سكان صنعاء حاليًا في حالة من الرعب الشديد جراء العدد الكبير للضحايا، مطالبين المنظمات الدولية بالتدخل بعيداً عن فساد الحوثيين وابتزازهم واستثمارهم للكارثة.
وفي تصريح خاص" للصحوة نت"، قال الدكتور ن. ق التابع لمنظمة "اطباء بلا حدود": "كلما اقترب قادة الانقلابي من الإفلاس اتجهوا الى المنظمات الدولية لابتزازها خصوصاً في حالة وجود كارثة صحية او مجاعة حيث تسارع هذه الجماعة لاتخاذ مثل هذه الأوضاع وسيلة للإرتزاق". ويضيف متسائلا: "اللقاحات الواقية من الإصابة بانفلونزا الخنازير موجودة في المستشفيات ولكنها ممنوعة ولا تعطى للمريض الا بعد وفاته لكي لا ينقل العدوى الى القائمين على غسله ودفنه، فلماذا لا تعطى هذه اللقاحات للمواطنين سواء بالتطعيم المجاني او حتى البيع قبل ان تخرج الأمور عن السيطرة؟" ويشكو القطاع الصحي في المناطق التي لاتزال جماعة الحوثي تسيطر عليها من تردي حاد وتدمير ممنهج لقطاع الصحة من خلال اغلاق المستشفيات واستهدافها وادخال ادوية منتهية وفاسدة والمتاجرة بها ومضايقة المنظمات الصحية العاملة ونهب الاغاثات الدوائية، اضافة الى شن حملات دعائية ضد اللقاحات التي يمكن ان تقي من يستعملها من تلك الامراض، وتخويف الناس منها. وبحسب الدكتور "عصام رزق" استشاري امراض الجهاز التنفسي في مستشفى الثورة بتعز، فإن جميع الاوبئة التي غزت اليمن في الخمس سنوات الأخيرة، كان بالإمكان تحجيمها والقضاء عليها في الاوضاع العادية بكفاءة اذا توفر المناخ المناسب، ولم تكن لتحصد كل هذه الارواح لولا جهل الميليشيات وتعاملها مع الاوبئة والآفات باعتبارها "عقوبات الهية" وليست مجرد فيروسات يجب مكافحتها بالادوية المناسبة، اضافة الى اعتبارها فرصاً للاستجداء والمتاجرة والمساومة والابتزاز ويضيف الدكتور، في حديث للصحوة نت": "بالنسبة لحمى الضنك والكوليرا وغرب النيل وانفلونزا الخنازير وغيرها من الامراض التي تفتك بالناس فهي امراض يمكن معالجتها والوقاية منها اذا توفرت الظروف الصحية اللازمة، لكن نتيجة تردي الخدمات الصحية وفرض جماعة الحوثي إجراءات تعسفية ضد المنظمات الدولية، فالأمور – للأسف - لا تبشر بخير".
مهمة مشتركة يتابع الدكتور رزق حديثه قائلاً: "في الدول الطبيعية يتم رصد ميزانية عاجلة لمكافحة اي وباء طارئ خصوصاً عند بداية ظهوره، وعندما تعجز الجهود المحلية في تحجيم المرض، فان الحكومة تطلق نداء استغاثة الى المجتمع الدولي لمد يد العون، فتهب المنظمات الدولية لتقديم اللقاحات والادوية اللازمة، المشكلة في اليمن، أن هناك ميليشيات تتخذ من الأوبئة والأوضاع الإنسانية فرص ذهبية لحصد الإتاوات والأموال من المنظمات الدولية والجهات الحكومية المحلية، وبالتالي، فهؤلاء لا يهمهم القضاء على المرض بل على العكس يعملون على انتشاره بشكل اكبر لجني مزيدًا من الأموال والتكسب الحرام".