لقد وضع مقتل قاسم سليماني القيادة الإيرانية أمام خيارات صعبة، أحدها القيام بالرد و الانتقام، و الآخر عدم الرد العسكري و الدخول في حوارات سرية دقيقة و سريعة تحصل فيها إيران على مكاسب سياسية و اقتصادية لا تقف عند تعويضها بتخفيف العقوبات المفروضة عليها من الأمريكان، بل قد يصل إلى حد رفع الحظر كليا، مع إحياء الاتفاق النووي بعد إدخال تعديلات طفيفة حفظا لشيئ من ماء وجه ترامب لدى الأمريكيين الذي يرون أنه مايزال يحتفظ بماء وجه . ستمضي الأيام الأولى على حادثة مقتل سليماني ، و سيمضي بعض الوقت، و حينها ستذهب السكرة، و ستحضر الفكرة، أو ستزول الصدمة - لدى القيادة الإيرانية - و سيحل بدلا عنها التفكير بالعواقب، و انعكاس التبعات التي قد تتوالى عليها فيما لو ذهبت للرد و الانتقام. تقف القيادة الإيرانية - هذه الأيام - تحت صغط حماس و مطالب الشارع الإيراني، و عنتريات حلفائها و أدواتها في المنطقة من جهة أخرى ، التي تطالب برد عسكري حاسم ، فيما القيادة الإيرانية نفسها تميل إلى الحصول على مكاسب سياسية و اقتصادية، ستخسرها تماما فيما لو انساقت وراء حماس الشارع، و عنتريات أذرعها في المنطقة. بطبيعة الحال لا يهم السلطة الحاكمة في إيران موقف حلفائها في المنطقة، فالأدوات وسائل استخدام ليس إلا، و إنما يهمها الشعب في الداخل الذي لا بد من ترويضه و امتصاص حماسه ؛ لتتجه نحو السير في طريق التهدئة مع الأمريكان من خلال استثمار مقتل سليماني لدى الغرب و في المنطقة ؛ للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة، و التي ستزداد ضراوة و حدة فيما لو ذهبت لرد عسكري موجع، يعطي ردة فعل أعنف من قبل واشنطن، الأمر الذي قد يعرض طهران لضربة أمريكية مزلزلة عسكريا و سياسيا و اقتصاديا و تقنيا، و هي عناصر كلها تمثل خيارات حيوية ضاغطة على قرارات طهران. سيهيج الشارع الإيراني، و ستمضي النخبة الحاكمة في طهران تشجع حراك الشارع بهدف التنفيس و الوصول به إلى حد الترويض . و سيواكب حراك الشارع الإيراني تصريحات قوية من النخب السياسية في إيران، و ستمضي هذه التصريحات تعلو و تنخفض، شدة و مرونة، لكن البوصلة التي سيحددها قادتها مبكرا هو تحاشي اتخاذ قرار الانتقام ؛ و ذلك تفاديا لردة الفعل - التي ستكون محسوبة جيدا - و التي قد يقوم بها الأمريكان، بما عرف عنهم من عنجهية و غرور، و وحشية استعراضية في الرد على مثل هذه الحالات، بصرف النظر عما قيل من أن الأمريكان أعلنوا عن استعدادهم لتقبل رد انتقامي لا يتجاوز سقفا معينا، و حتى هذا القول، هل هو تهديد مبطن، بحيث أذا أقدمت إيران على فعل شيئ، ستتخذ منه أمريكا ذريعة لتنفيذ هدف أو أهداف خفية؟ أم أنها - فعلا - دعوة حقيقية للإيرانيين بتوجيه ضربة محدودة يتم الاتفاق عليها تحفظ لهم ماء وجههم لدى الشارع الإيراني !؟ أغلب المعطيات - في تقدير هذه السطور - أن إيران لن ترد عسكريا ، و ستعمل بكل جد للحصول على مكاسب كثيرة، استثمارا لفرصة أتت- ربما- على غير ميعاد تمثلت بمقتل قاسم سليماني. بقي أن نشير هنا إلى حماس بعض الفصائل السياسية العراقية و صوتها المرتفع جدا ضد الأمريكان، و الأمر في تقديري لا يخلو من مزايدة ، و إلا فإن هذه الفصائل تعرف قبل غيرها أنها أتت إلى السلطة عبر دبابة أمريكية ، ثم كم هي الخدمات العالية الثمن التي قدمها الأمريكانللإيرانيين على حساب الشعب العراقي و الأمة العربية !؟ و هل سينسى الطرفان( واشنطن و طهران ) الخدمات المتبادلة إبان غزو أميركا للعراق ؟