أعرف كاتبا متعلمنا.. نذر نفسه لتوظيف كل الانتهاكات والتجاوزات التي تحدث في الساحة اليمنية ضد الإسلام وعلمائه حتى صار لا يقف على شارة أو واردة إلا وصنع منها مناحة قميئة ينعي فيها على الإسلام تطرفه وعلى علمائه إرهابهم ووحشيتهم. متعلمن لا علماني.. لأن العلمانية التي ولدت في الغرب تحت مطارق الانهيار القيمي حرصت على أن تبقي لنفسها حفاظا على ماء الوجه شيئا من الموضوعية تتمكن خلاله من النفاذ إلى عمق المجتمعات الإنسانية لإرساء مداميكها وبناء صروحها على أنقاض العقائد وأطلال القيم، فتراها تتكلم عن الحريات هنا، وعن الحوار والتعايش هناك.. لكن هؤلاء جعلوا من العلمانية قناعا صفيقا، تتوارى خلفه أمزجتهم النزقة، ونفوسهم المريضة التي نخرتها الكراهية، وعطلتها عواصف الحقد حتى صارت كآبار مهجورة، لا ترتادها إلا غيلان القبح، وخفافيش الظلام. وحين يتمكن الجرب الفكري من نفوس النخب المثقفة أفرادا وجماعات؛ فإنه يعلن عن نفسه عمى في الأبصار، وعمها في البصائر، وحينها يتفشى الجدل، وتتعالى الجلبة، وتضيع الحقيقة بين أكوام من رمال الجحود والإنكار ، لتصبح الكتابة طفحا جلديا مستعصيا، لا أداة ترشيد وتنوير، وهنا يفقد القلم جلاله وجماله، ويتحول إلى أداة مخاتلة تمتهن القتل الخفي، والتخريب المتستر خلف أسماء حُشرت في المشهد الفكري كما يُحشر الخفاش بقبحه وظلاميته بين الطيور الجميلة، والبلابل المغردة، بذريعة أنه طائر مثلها.. وأين هذا من ذاك؟! أن ينبري كاتب نزق، في اللحظة الراهنة لشتم العالم فلان أو الداعية علان، لأنه يحرم سماع الموسيقى على الشباب؛ فإن هذا هو البله بعينه والصفاقة بذاتها التي جعلت من هذا الكاتب الفلتة يرى هذا الأمر التافه ويتعامى عن أن يرى قوافل الشباب، وهم يُساقون إلى مقاصل القتل، ومحارق الموت، بعد أن سُدّتْ في وجوههم كل دروب الحياة، وتعطلت آمالهم وقدراتهم لا بسبب استهدف ملكاتهم الموسيقية، وإنما بسبب الاستهداف الضاري لوجودهم وهويتهم والذي تمالأت فيه قوى الشر من كل مكان. ومن العجيب أن متوالية الأحداث في معترك الفكر العربي الراهن أعادت كثيرا من الكتاب والمفكرين الذين انتهجوا العلمانية إلى جادة الصواب، فظهرت لهم الحقائق، واستبانت السبل، فقاموا بمراجعات جادة أمكنتهم من استعادة العقل، وترشيد الفكر، كما حدث مع الدكتور عبدالوهاب المسيري، والدكتور محمد عمارة، وغيرهم ممن تحولوا إلى خنادق الدفاع عن الإسلام كعقيدة وشريعة متمثلة بمصادرها المعتبرة، لا بأشخاص لهم تجاربهم المحفوفة بالخطأ والنقص والنسيان. أما متعلمنينا فالمراجعة لديهم تراجع، والتقويم الموضوعي نكوص، فهم فكرة طائشة لا تستقر على حال من القلق، ينطلقون في قراءتهم للأحداث من نفسيات مسكونة بهاجس الكراهية لكل ما هو إسلامي، مما يفوّت عليهم فرصة اقتناص الحقائق، متخذين من الكتابة أدة قهر وإجبار، لا وسيلة تثاقفٍ، وتلاقح للأفكار، وأدواتهم في ذلك الشخصنة والتعميم، والحكم على النوايا، والأحكام المسبقة الجاهزة، مسوقين أفكارهم بخطاب حاد، ولغة نزقة لا تحترم العقول، ولا تمتلك الحد الأدنى من أدب الحوار ، فإذا ما ناقش فكرتهم معترض؛ اتهموه بالتحريض، وصاحوا وولولوا، وارتفع شاغبهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور.. فمتى يعقل هؤلاء؟؟!!