كتب الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله سيرته الشخصية بطريقة مبتكرة فهي غير ذاتية حيث لم تدوّن كل تفاصيل حياته الشخصية لأنها تفاصيل لاتهم قارىء السيرة الذي يريد ان يتعرف على تطور الدكتور المسيري الفكرية الى جانب ان الدكتور المسيري ابتعد عن السرد التاريخي الممل والمرتب أيضاً مما سهل له الانتقال بين أحداث حياته المختلفة بما يتلاءم مع الموضوع الذي يتناوله ، وهو لم يتوقف عن الأحداث العامة في التاريخ المصري المعاصر الذي عايشه كأحداث ثورة 52 مثلا الا بالقدر الذي يعطي انعكاسات ذلك الحدث على شخصيته وتطورها مما ينفع القارىء والمتابع له.. وهي سيرة غير موضوعية فهي سيرة إنسان يلتقي في فضاء حياته الخاص بالعام ولذا لا يذكر الدكتور المسيري القضايا الفكرية مجردة بل يشفعها دائماً بأحداث من حياته واقتباسات من كتاباته التي تبين كيف ترجمت القضية الفكرية (العامة) نفسها إلى أحداث ووقائع محددة في حياته الشخصية (الخاصة).. السيرة غير الذاتية وغير الموضوعية للدكتور المسيري الموسومة ب (رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ) الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2001 ومن ثم عن دار الشروق عام 2006 م جاءت ممتعة ومفيدة في الوقت نفسه للقارىء وهو يتابع الخطوات الفكرية لمفكر متميز كالدكتور المسيري، والمقصود بالبذور لدى الدكتور المسيري هو تكوينه في مدينة دمنهور حيث مولده عام 1938 م ،اما الجذور فهي حياته الثقافية بأسرها وما الثمر إلا نتاجه الفكري الذي قدمه للقارىء العربي و الأجنبي خلال حياته الممتدة من عام 1938م الى عام 2008 م .. ويقول الدكتور المسيري عن الدافع لكتابة هذه السيرة «وجدت انه قد يكون من المفيد أن أضع بين أيدي القراء وبخاصة الشباب بعض خبراتي الفكرية والمنهجية ». وهو يدعو المفكرين العرب ان يكتبوا سيرهم غير الذاتية وغير الموضوعية التي تحتوي على تلخيص لأفكارهم وبذورها وكيفية تشكلها ليضعوا خبرتهم تحت تصرف الأجيال الجديدة حتى لا تبدأ الأجيال القادمة انطلاقها من نقطة الصفر فتعاظم الفجوة بين الأجيال السابقة واللاحقة يؤدي إلى عدم توارث الحكمة والمعرفة... تقع هذه السيرة في جزءين, الأول يسمى “التكوين” جاء في أربعة فصول تمثل جذور التكوين الفكري للدكتور المسيري وتغطي مرحلة الطفولة والشباب إلى الشباب المتأخر ابتداء من دمنهور ثم الإسكندرية ومن بعدها نيويورك وعودة الى القاهرة .. اما الجزء الثاني المسمى «عالم الفكر» الذي جاء في ستة فصول تمثل الثمر وتغطي التحولات الفكرية واشكالية الصهيونية وعلاقة الدكتور المسيري بها ومن ثم أهم أعماله على الإطلاق التي اشتهر بها وهي موسوعته الموسومة ب “ اليهود واليهودية والصهيونية :نموذج تفسيري جديد” وكذلك يغطي هذا الجزء كتاباته الأخرى كقصص الأطفال وترجماته وغيره. وللحق فهي سيرة ممتعة بأسلوب الدكتور المسيري الرائع حيث تلتقي المعلومة مع الفكاهة في قالب أدبي رفيع يحث القارىء على المضي في القراءة رغم ضخامة الكتاب الذي تجاوزت عدد صفحاته ال750 صفحة! وختاماً لمنْ لا يعرف الدكتور المسيري فهذه خلاصة لسيرته الشخصية ، فهو عبدالوهاب محمد احمد المسيري المولود في 8 أكتوبر عام 1938م في مدينة دمنهور اكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية جامعة الإسكندرية عام 1955م ثم الماجستير في جامعة كولومبيا في نيويورك عام 1964م وبعدها الدكتوراه في جامعة رتجرز بولاية نيوجرسي الأمريكية عام 1969م وبعد عودته إلى مصر في نفس العام عُيّن مدرساً في كلية البنات جامعة عين شمس ومن ثم خبيراً للشؤون الصهيونية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام عام 1971م وبعدها انتقل مدرساً في جامعة الرياض عام 1983م ، وفي عام 1989م انتقل إلى جامعة الكويت ليعود إلى القاهرة عام 1990م ويتفرغ للكتابة والتأليف ، وشاء الله سبحانه وتعالى ان يُصاب بسرطان العظام الذي لازمه رغم العلاج حتى وفاته في 3يوليو عام 2008م ، ولعل أشهر مؤلفاته هي الموسوعة التي سبقت الإشارة إليها إلى جانب كتب أخرى تتناول الصهيونية واليهود مثل نهاية التاريخ وموضوعات أخرى مثل العلمانية الجزئية والشاملة وقصص للأطفال وغيرها.