انقضت أيام العيد باهتة كسيرة، لا طعم لها ولا لون، وخيم على المشهد خوف عجيب، وصلت غيومه حتى إلى عيون الأطفال الذين اصطفاهم العيد رسلا له يحملون في شفاهم وأعينهم فرحة العيد ومعانيه الإنسانية، لكن تلك العيون غامت بالخوف، كما ألقى الخوف بظلاله الرعناء على تلك الشفاه البريئة الجميلة. أعوام ثقيلة من عمر اليمنيين أحالتها الحرب إلى كابوس للموت طويل طويل، ورغم أن هذه الحرب الضروس أدارت رحاها عليهم بقسوة بالغة، وصنعت بهم الأفاعيل، إلا أنها عجزت أن تسلبهم فرحة العيد.. كانوا يخبئونها في شغاف قلوبهم وفي عيون أطفالهم، ويعلنونها خضراء نضرة في ملتقيات المحبة وتجمعات الود، وكانت لعب الأطفال تهزم طائرات الموت ومصفحات البغي.. كانوا ينتصرون على الموت بإرادة الحياة والتشبث بالرجاء.. وكانت الزغاريد المنطلقة من الشرفات تسحق هدير المدافع وأزيز الطائرات لأن أيام العيد كانت لا تزال أياما تنبض بالحياة وللحياة. أما اليوم فقد تبددت فرحة العيد، واستحالت إلى توجّس ذابح، وعيون حيرى زائغة تتلقط أخبار الموت من هنا وهناك.. فتقابل كل ذلك بمزيد من العزلة والتواري، وأنى للعيد أن يجد له مكانا بعد ذلك!؟ والفرحة ليست حالة فردية؛ ولكنها شعور مشترك، يورق باجتماع الناس وتشاركهم، وبتبادل الزيارات وعودة الغائبين، فأنى لها أن تحضر اليوم وقد فرضت هذه الجائحة النكراء حضر تجوال على الأقدام والقلوب، ووضعت الكمامات على الوجوه والمشاعر، وصورت الموت وحشا مفترسا يجول في الأزقة والطرقات، ويكمن قريبا من الأبواب مترقبا خروج فرائسه ليغمد فيها مخالبه، ولعل أقسى مافي هذا الأمر أن يخضع الأطفال لأوامر سلطات قهرية تحرم عليهم اللعب خارج البيت، وتبادل اللعب والحلوى مع أترابهم، والجلوس في البيوت بهلع وخوف.. لقد ضاع العيد إذن.. بل لقد مات.. شنت الحرب علينا السنوات الطوال فهزمناها بأيام الأعياد القليلة لكن هذه الجائحة المتغطرسة تجردنا اليوم من فرحتنا، وتسلبنا حلاوات التقارب والتداني، وتحيل البيوت إلى قبور معزولة يمر العيد بينها كالغريب.. فماذا بقي بعد ذلك؟ رحماك يا رب.. رحماك يا الله.