يحرص الإعلام المؤيد للانفصال على نفي الصلة الوثيقة بين شمال اليمن وجنوبه في مختلف المستويات الاجتماعية والتاريخية والجغرافية والسياسية، وخاصة في القرن العشرين الذي شهد تحولات كبرى على الساحة اليمنية كان أكبرها ثورتي سبتمبر وأكتوبر، ثم قيام الوحدة اليمنية عام 1990. وفي هذا السياق يسعى هذا الإعلام بما يمتلكه من آلة ضخمة ومدعومة من أطراف محلية وإقليمية يسعى إلى تغييب الأدوار النضالية التبادلية لثوار سبتمبر وأكتوبر، نافيا وجود أي صلة بينهما، مؤكدا بما يشبه الجزم أن الثورة الأولى كانت شمالية بامتياز، بينما كانت الثانية حصرية على الجنوبيين دون غيرهم، مناقضا بذلك كثيرا من الوثائق التاريخية التي تشهد للجنوب أرضا وإنسانا بوقوفه مع ثورة الشمال منذ بدأ دوران عجلتها، وتشهد للشمال بتقديم كافة أشكال الدعم لأكتوبر، فلقد كانت عدن بوجه خاص الظل الوارف للزبيري والنعمان وغيرهم من زعماء الثورة الذين يكنون لهذه اليمنية الفاتنة وأهلها الطيبين كل تقدير وامتنان. كما كانت الشمال بوجه عام الظهر الساند لثوار أكتوبر ، وخاصة محافظة تعز التي أنجبت عبود وعبدالفتاح إسماعيل وقائمة طويلة من ثوار أكتوبر ، كما احتضنت الرعيل الأول من رواد العمل السياسي، ويكفي أن نعرف أن أول مقر للجبهة القومية احتضنته تعز الباسلة التي شهدت المؤتمر التأسيسي الأول لهذه الجبهة. وعلى المستوى الاجتماعي كانت عدن الأم الرؤوم لجموع الشماليين الذين عرفتهم عمالا وتجارا وعلماء وأدباء وفنانين وبالمناسبة فإن والدَي الفنانَين الشهيرين أحمد بن أحمد قاسم ومحمد مرشد ناجي وصلا عدن في عشرينيات القرن الماضي من الشمال: الأول من بني حماد، والثاني من المفاليس، كما أن الدكتور محمد عبد غانم أديب عدن وشاعرها الأول سليل أسرة جاءت من قريشة الحجرية، كما جاء عبدالله فاضل العكبري من المقاطرة ولا داعي للإشارة إلى المكان الذي جاء منه شاعر الأغنيتين: يانجم ياسامر فوق المصلى، ومن العدين يالله بريح جلاب، الدكتور سعيد محمد الشيباني. كما كانت الشمال بشكل عام الأم الكريمة للمجاميع القادمة من الجنوب أثناء الكوارث السياسية والعسكرية هناك، فتحت أبوابها لآلاف الأسر، واحتضنتهم أبناء مكرمين في متاجرها ووظائفها العامة والخاصة ومدارسها وجامعاتها حتى قيل أن ما يقارب النصف من خريجي جامعة صنعاء في فترة السبعينات جاؤوا من مناطق جنوبية، ولا يختلف الأمر كثيرا في جامعة عدن بالنسبة لخريجيها من الشماليين. هذه أمور معروفة، ولا ينكرها أحد، بل إن إعادة التذكير بها تحصيل حاصل، غير أنا نأكد عليها اليوم هنا، ونرفع صوتنا بها تأكيدا على واحدية الحياة والمصير بين أبناء اليمن الواحد. نرفعها في وجوه الجاحدين الذين يتحركون وفق أجندة مشبوهة، تريد هدم اليمن تاريخا وجغرافيا، ليسهل تجزئتها، والاستيلاء على مفاصل القوة الاقتصادية فيها. لقد جاءت ثورة أكتوبر وليدا شرعيا للثورة الأم سبتمبر، وعيدها اليوم صرخة مزلزلة في وجوه النفاثين في عقد الخصومة والفجور، ولقد أشارت بعض المراجع التاريخية التي أرخت لثورة أكتوبر إلى أن ثوارها كانوا يخططون للإعلان عنها في 26 سبتمبر 1963 تأكيدا على وحدة مسار الثورتين، لكن ظروفا قاهرة أجلت هذا الإعلان ثمانية عشر يوما، كما أشارت مراجع أخرى إلى تبلور توجه قوي بعد استقلال الجنوب نحو الوحدة اليمنية، لكن أياد خفية حرفت هذا المسار إلى أتونات الصراعات المتتالية، وهذه الأيادي العابثة هي ذاتها التي تريد اليوم لليمنيين استعادة جحيم الصراع عبر أدوات جديدة، لينشغل الأخ بقتل أخيه بينما يخلو الجو لبوم الموت وغربانه لتبيض وتصفر متى وأينما شاءت.. وكيفما تريد.