يطلق الساخطون أنينهم من فبراير ، و ينشج بالعويل المنتفعون على ما فقدوه، و مثلهما يفعل المنهزمون الذين يظنون ان الثورة عرضا قريبا أو سفرا قاصدا، أمَا و أنها مجاهدة و جهاد، و صبر و احتمال، و إصرار و استمرار فقد شدوا رحالهم، و دعتهم أنانيتهم، أو ضعفهم و خورهم إلى مقاعد الفرجة، فالثورة في نظرهم لها تكاليفها و أعباؤها، و لا يحتمل مشاقها إلا رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه، و فتية آمنوا بربهم، و نساءٌ هنّ شقائق الرجال. لكن أكثرهم أنينا و عويلا، هم مبغضو ثورة فبراير الذين ألقوا أنفسهم بين أقدام مليشيا الكهنوت، التي تثبت الأيام بالدليل القاطع، تلو الدليل، أنها ليست سوى أداة من أدوات الاستعمار الرخيصة، و قد علا عويل مبغضي الثورة، وراحوا في مجالسهم يذرفون الدموع، و الحسرة ، و التحسر على فتات كان يُلقى لهم مصحوبا بمهانة؛ مقابل مصادرة الكرامة. قلة من المحسوبين على الثورة بعدت عليهم الشقة، و انقطع نفسهم فولوا مدبرين، و ليس لأحد أن يجبرهم على البقاء و الاستمرار، فلو بقوا فيكم مازادوكم إلا خبالا، و أجمل ما صنعوه أنهم تنحوا جانبا، و لا يهم كثيرا أنينهم و تسخّطهم، حتى و لو بالغوا في الإرجاف و البلبلة، و يكفي الثورة و الثوار أن الله كره انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين. و الأدهى أن يأتي بعض مريدي النظام السابق يندبون مقتل الزعيم و يحمّلون الثورة و الثوار النتيجة و التبعة، متعامين عن الحق، و منكرين للحقيقة، و الأمر يكون كذلك حين تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، فلا تملك إلا أن تتمثل قوله عز وجل :" إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور". كانت الثورة وفيّة لعوامل النجاح التي يقف في أول قائمتها إغلاق باب الانتقام، فأعطت الزعيم الحصانة ؛ لتضع حدا لدوافع الانتقام و الانتقام المضاد، بالرغم من أن هناك مسوغات كان يراها الجميع لأهمية المحاكمة، غير أن الهدف الأسمى بإغلاق الباب أمام إذكاء الانتقام كان مقدما لما فيه حفظ البلاد من الدخول في دوامة مسلسل الانتقامات، مع أهمية جبر ضرر الضحايا! و جاءت مليشيا الحوثي و إذا بالمعفو عنه بالحصانة و قد صار حليفا و معينا و مساندا لهم، و أجلب معهم بخيله و رَجِله، و عدته و عتاده ... حتى كان ماكان من الغدر به غدرا حاكه اختياره، و صنعته يداه ؛ أو كما قال المثل العربي : يداك أوكتا و فوك نفخ !
عَزَف الثور عن نَكْأ الجراح والتحدث في هذا الموضوع، غير أن بعض مريديه، ما يزالون يصرون إلا أن ينبشوا هذا الموضوع، و ينسبون للبُرَءَاء العيب، فيصبح الصمت هنا مضرا، فكان لا بد من بعض الإيضاح. من المضحك المحزن أن مريديه أداروا ظهرهم للقاتل، و سلقوا الأبرياء بألسنة حداد !! إن ابن يعقوب لم يأكله الذئب، و سقطت مزاعم إخوته في اتهام الذئب؛ لأن الإنسان السوي لا يحمّل التبعة الأبرياء، و لكنه يعرف أين ثأره، لو امتلك العزم و الإرادة؟ والانسان الغبي يتقرب إلى القاتل الغادر بتحسين صورة الغادر ؛ بل و نفي التهمة عنه، و إمعانا منه في المذلة و التزلف للغادر فإنه يرمي بالتهمة الأبرياء . و ذلك لعمر الله خزي و مهانة و ذل، لم يشهد له التاريخ مثيلا. يقال لهم إن أخاكم قتله الذئب فعلا، و أمامكم الصوت و الصورة ! فيردون خانعين خائرين : كلا، لم يقتله الذئب، و لم يغدر به الضبع ؛ و إنما قتله ذلك الصِّدّيق !!
فيا موت زُرْ إن الحياة ذميمة و يا نفس جدّي إن دهرك هازل ! تقول لأولئك البعض تعالوا إلى موقف سواء ، و خندق الأوفياء؛ لمواجهة الذئب الغادر، الذي يقتل الشعب وينهب الوطن، و يتربص بالحاضر و يتآمر بحقد على المستقبل ؛ فيقولون : لا ، إنما أعداءنا أولئك الصدّيقون ، و الثورة و الثوار . و صدق الله العلي العظيم :" إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ".